أخبار المحاكماتمحكمة كوبلنتز

فراس الشاطر: أطفال ونساء في فرع الخطيب.

بقلم: لونا وطفة

استمعت المحكمة يوم الخامس والعشرين من الشهر الثامن لهذا العام للصحفي واليوتيوبر السوري فراس الشاطر والذي جاء كمدعي بالحق المدني وكشاهد أيضاً. أدلى فراس بشهادته باللغة اللألمانية وقال أنه اعتقل أربع مرات، إلا أنه سيتحدث عن اعتقال واحدٍ منها وهو المتعلق بفرع الخطيب.

أخبر القضاة أن سبعة أفراد تقريباً من اللجان الشعبية اعتقلوه بتاريخ 27/06/2012 من منطقة جرمانا في ريف دمشق واقتادوه إلى منزلٍ غير مكسو في منطقة أخرى. هناك تعرض للتعذيب والعنف الجنسي وإطفاء السجائر في جسده والضرب بالهراوات وقضبان التمديد الصحي. بعد ذلك أخذوه إلى طريق المطار وأوهموه أنهم سيقومون بتصفيته وقاموا بإطلاق الرصاص في الهواء وتصوير الموقف ومن ثم بدأوا يضحكون واقتادوه بعدها إلى فرع الأربعين بعد يوم ونصف.

بقي السيد فراس في فرع الأربعين يوماً واحداً فقط، و لم يكن قد تناول أي طعام خلال الفترة التي سبقت وصوله إليه. طلب من عنصر الأمن أن يُحضر له طعاماً فقال له العنصر أن عليه تنظيف سطح الفرع أولاً، وبهذا استطاع الشاهد التأكد أنه في فرع الأربعين لأنه رأى المنطقة كلها من السطح. في المساء نُقل إلى فرع الخطيب.

في حفلة الاستقبال كما يدعوها المعتقلون، ضُرب الشاهد على وجهه بأخمص البندقية، ما أدى إلى جرح في جبينه اضطر لاحقاً لتقطيبه. إلا أنه كان، وبسبب كثرة التعذيب الذي تعرض له خلال اليومين السابقين،   بحالة سيئة جداً ولذلك قال له أحد العناصر بأنه سيبقى يوماً هناك ومن ثم سيتم نقله إلى المشفى للعلاج، وأدخله إلى زنزانة جماعية. قريباً من هذه الزنزانة كان هناك معتقل يلفظ أنفاسه الأخيرة ما دفع المعتقلين الآخرين لاستدعاء السجانين لإنقاذه، إلا أنهم ردوا عليهم بقولهم: “دعوه حتى يموت وعندها أخبرونا أنه مات لنأتي ونخرجه”. وبالفعل توفي المعتقل وكانت هذه أول جثة يراها الشاهد داخل فرع الخطيب.

في اليوم التالي وبعد إلحاحٍ من الشاهد أُخذ إلى مشفى حرستا العسكري ووضع في الطابق السادس. رأى الشاهد الكثير من المرضى هناك كما أخبر القضاة، وأضاف بأن الغرف كانت موزعة بين الأفرع الأمنية في هذا الطابق، بمعنى أن غرفة فرع الخطيب مثلاً فيها معتقلون من فرع الخطيب، وأيضاً العناصر الذين يحرسونها هم من فرع الخطيب.

في مشفى حرستا لم يكن لأحد منهم أي أسم وكان يجب أن يحفظ كل معتقل رقمه ليُنادى عليه به. في يومه الأول هناك وأثناء ذهابه إلى دورة المياه رأى الشاهد جثة طفل ورجلٍ بالغ أمام باب الحمام، وفي الأيام التالية كان يرى الجثث مكدسة فوق بعضها في دورة المياه.

في المشفى لم يتلق الشاهد أو غيره من المعتقلين أي نوع من العلاج أو الأدوية وإنما فقط تعذيب كل عدة ساعات على يد أحد العناصر، أو إطفاء سجائر بأجسادهم من قبل الممرضات، بل وأُجبروا على البقاء بالطماشات كل الوقت عدا الوقت الذي يذهبون فيه إلى دورة المياه. قال الشاهد بأن التعذيب في الفرع الأمني غالباً هدفه سحب المعلومات من المعتقل، أما في المشفى العسكري فهو فقط بغاية التعذيب بحد ذاته. بقي السيد فراس في مشفى حرستا العسكري لمدة عشر أيام تقريباً، خلالها لم ير الطبيب إلا مرة واحدة فقط ولم يقم بعلاج أي أحد منهم. في غرفته في المشفى توفي أحد المعتقلين على سريره بعد أن رفضوا إعطاءه الدواء، تأكد عنصر الأمن من موته من خلال ضربه بالكابل، وعندما لم ير أي ردة فعل منه اتصل بالهاتف وأخبرهم ليأتوا ويأخذوا الجثة، ثم جلس وأشعل سيجارته وبدأ يشرب المتة، ومن ثم سُحبت الجثة خارجاً.

بعد عدة أيام ولأن الشاهد بدأ قليلاً يشعر بتحسن أُعيد إلى فرع الخطيب ووضع في زنزانة جماعية أكبر من الزنزانة في اليوم الأول بلغ عدد المعتقلين فيها 200 شخص تقريباً. إضافة لعدد المعتقلين الكبير في هذه الزنزانة، تحدث الشاهد أيضاً عن صعوبة الحصول على مكان للجلوس أو النوم وعن أصوات التعذيب التي تُسمع بوضوح من هناك.

أثناء وجوده في فرع الخطيب أعيد الشاهد إلى فرع الأربعين للتحقيق معه مرتين؛ إحداها بسبب صورٍ وجدت على كاميرته الخاصة حيث تعرض للضرب والتعذيب أيضاً، وبعد انتهاء التحقيق تم إرجاعه إلى فرع الخطيب. أما في فرع الخطيب فقد حُقِّق معه مرة واحدة فقط في طابقٍ علوي وهو معصوب العينين إلا أنه استطاع الرؤية بعض الشيء. هناك أُدخل إلى غرفة التحقيق بعد الانتهاء من تحقيقٍ كان مع معتقلٍ قبله واستطاع الشاهد رؤية علامات التعذيب الواضحة عليه، وبهذا كان يتوقع المثل بعد أن أدخلوه. حُقق مع الشاهد عن أشياء لا يعرفها أبداً ولم يكن موضوع التحقيق يمت بصلة لأي شيء توقع أن يُسأل عنه حول نشاطاته السابقة في الثورة السورية. أثناء جلسة التحقيق هذه تعرض أيضاً للتعذيب وسوء المعاملة وحرمانه من شرب الماء.

من وسائل التعذيب التي تمت ممارستها على الشاهد أيضاً، خارج جلسات التحقيق، حرق ظهره بمادة البلاستيك المُذَوَّب، وكان أمامه معتقل قاموا بوضع رأسه داخل كيس بلاستيك وأشعلوه، الجدير بالذكر أن هذا المعتقل كان يتصرف كالمجانين ويبدو أنه فاقداً لعقله ورغم ذلك قاموا بتعذيبه بعنف.

في فرع الخطيب رأى الشاهد كيف يتم تعليق المعتقلين بطريقة الشبح في الممر المقابل لزنزانته إما بكابل من اليدين أو بجنزيز حديد فوق الحائط يربط به المعتقل ومن ثم يتم سحبه للأعلى، إلا أنه لم يُشبح شخصياً في فرع الخطيب، ورأى أيضاً الكرسي الألماني في هذا الممر وأكد رؤيته لاثنين تم تعذيبهم بالكرسي الألماني ولم يستطيعوا المشي بعد ذلك. وأضاف أيضاً بأنه يعرف عن وسيلة التعذيب بالدولاب التي ترافق عادة الفلقة، وغايتها سحب المعلومات من المعتقل، ولكنه أكد أنه رأى معتقلين تم تعذيبهم بطريقة إدخال قطعة حديدية بين الضفر واللحم بمطرقة ما يؤدي إما لخروج الظفر من مكانه بالكامل أو يُفتح جرح بين الظفر والإصبع. تحدث أيضاً عن رؤيته لأطفال ونساء في فرع الخطيب وأن أحد الأطفال كان في زنزانته ولم يتجاوز السادسة من العمر. وعن الجثث في فرع الخطيب قال الشاهد بأنه بالإضافة لأول شخص شهد وفاته، لا يستطيع أن يقول كم رأى من الأموات في فرع الخطيب لأن المعتقلين عادة يؤخذون للتحقيق معهم ومن ثم يعودون بآثار تعذيب وصعوبة في التنفس وكثيرٌ منهم يفقدون الوعي، بالنهاية يرتمون على الأرض دون حراك ولا أحد من الآخرين يستطيع معرفة ما إن كانوا قد توفوا أم لا ولكنهم فاقدوا الوعي دون ملاحظة أنهم يتنفسون، في هذه الحالة يتم استدعاء السجًّان ليأخذهم للعلاج لكنهم لا يعودون بهم أبداً. اكثر من عشرين شخص حدث معهم ذلك بحسب الشاهد، إلا أن خمسة عشر شخصاً منهم بقيت أغراضهم الشخصية داخل الزنزانة ولم يعودوا أبداً ولذلك يعتقد أنهم ماتوا بالفعل. في بعض الحالات كان يأتي السجان ليأخذهم بعد عدة ساعات ولكن أحياناً يحدث ذلك ليلاً فيجب عليهم أن ينتظروا حتى الصباح لإخبار السجَّان، وفي هذه الحالات يتأكد المعتقلون الآخرون من موته، وقبل إخبار السجان بوفاته كانوا يصلون عليه. استطاع الشاهد أن يؤكد لهيئة القضاة أن ذلك حدث مرتين أو ثلاثة،و هذه المرات التي يستطيع تأكيدها تماماً للجثث أما الباقي فهو غير متأكد، وأضاف بأنه خضع لعلاج نفسي عدة سنوات كي يستطيع نسيان هذه التفاصيل ولولا ذلك لما تمكن من متابعة حياته ومستقبله.

تحدث الشاهد أيضاً عن الطبابة في فرع الخطيب وقال بأنه يتم المناداة على المعتقلين المصابين ومن ثم أخذهم إلى غرفة في القبو وهناك شخص مسؤول يقف دائماً مع الطبيب، وهو صاحب القرار فيمن سيتم إرساله إلى المشفى أم لا. لم يؤكد الشاهد لا للشرطة ولا للمحكمة أن هذا الشخص هو المتهم رسلان، إلا أنه قال للشرطة الجنائية سابقاً عندما رأى صورته أنه من الممكن أن يكون هو، كما قال لهيئة القضاة أنه لا يتذكر إذا كان هو من أرسله للمشفى أم لا، ولكن رآه بشكل أوضح في مرة ثانية خرج فيها الشاهد للطبابة بسبب جروح مفتوحة في كتفه وكان لهذا الشخص شعر رمادي وشامة على وجهه. في هذه المرة رُفضت معالجة الشاهد من قِبَلِه رغم التقيِّح والدم النازف من كتفه، وتعرض للضرب عندما طلب دواءً، وهذا كان يحدث أيضاً مع باقي المعتقلين، فمن كان منهم  مصاباً بجروح وخرج للطبابة، يتعرض للضرب من قبل العناصر على أماكن الجروح ولأجل ذلك لا يخرج المعتقلون الذين قضوا مدة طويلة إلى الطبابة لأنهم يعلمون أن هذا ما سيحدث لهم، وبحسب الشاهد قد يقرر هذا الشخص إرسال أحدهم إلى المشفى فقط إن كان قد شارف على الموت.

ولوصف منصب هذا الشخص قال الشاهد بأنه يُنادى من قبل العناصر بكلمة “سيدي” وكان يحضر مرتين أو ثلاثة في الأسبوع إلى القبو ليقرر من يتم إرساله إلى المشفى ومن لا، كما أن خطابه كان أوامراً بالغالب، ولم يكن التعامل إنسانياً أو طبياً في هذه الحالات كما قال الشاهد، بل فقط لإبقاء المعتقل على قيد الحياة.

الازدحام وقلة الطعام والحرارة العالية الإضافة إلى التعذيب وظروف الزنزانة السيئة أدت لحالات فقدِ الإدراك والإصابة بالجنون لدى بعض المعتقلين كما قال الشاهد، كأن يتصرفوا وكأنهم يتحدثون عبر الهاتف مع أحد ما مثلاً، أو كما حدث مع السيد فراس نفسه حين جاء إليه أحد المعتقلين داخل الزنزانة وطلب منه أن يفتح له باب الحمام لأن زوجته وابنه معه.

بقي الشاهد في فرع الخطيب وحده قرابة العشرين يوماً وبعدها نُقل إلى فرع كفرسوسة حيث تعرض أيضاً للتعذيب والتحقيق معه مرة أخرى، وأيضاً للتعليق )الشبح( على مدى يومين. بعد أسبوع أو اثنين قضاهما الشاهد في فرع كفرسوسة وتعرضه للتعذيب بشكل يومي عشوائي.

سُئل الشاهد عن آثار التعذيب التي بقيت لديه فأخبرهم بأن هناك بعض الآثار الخفيفة حتى الآن على يديه ولا زال يعاني مع بعض المشاكل بيده اليمنى ولديه أيضاً صوراً لآثار كانت على كتفه الأيسر نتيجة الضرب بالكابل وعلى رأسه.

أطلق سراح الشاهد تقريباً منتصف شهر أيلول، خلال مدة اعتقاله فقد ما يقارب 30 كغ من وزنه.

في نهاية الجلسة أجاب الشاهد عن كل أسئلة أطراف الدعوى، إلا أن محاميي الدفاع ركزوا أسألتهم على أقوال الشاهد لدى الشرطة الجنائية وعلاقته مع المحامي أنور البني ومدى إطلاع الأخير على أقوال الشاهد قبل حضوره إلى المحكمة، الأمر الذي نفاه تماماً الشاهد وأكد على وجود خطأ في كتابة أقواله لدى الشرطة الجنائية، ولذلك ربما يتم استدعاء محقق الشرطة الجنائية للسؤال عن هذا الموضوع.

انتهت الجلسة مع السيد فراس الشاطر قرابة الساعة الثالثة والنصف مساءً.