الدراسات والأبحاث

حقوق الطفل في سوريا بين الواقع والقانون .

حقوق الطفل في سوريا بين الواقع والقانون

ملخص تنفيذي:

. تركت الحرب أثراً بالغاً على حقوق الأطفال السوريين، بل يمكن القول أن نيران الحرب التهمت حقوقهم، وتركتهم عرضة لكل أنواع العنف، وارتكبت بحقهم أفظع الجرائم : القتل العشوائي، الاعتقال التعسفي ، التغييب القسري ـ التعذيب في السجون ، وتم قتل  مئات منهم تحت التعذيب ،  كما تعرض الأطفال  السوريين  للاعتداء الجنسي والاغتصاب. والخطف ،  صور حية وأدلة دامغة على جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب،  هزت الضمير العالمي، الذي أثبت عجزه عن وضع حد لهذه المقتلة.

 وهناك العديد من الجرائم راح ضحيتها الأطفال،  لأن أجسامهم الغضة الضعيفة  لا تحتمل أهمها: الموت نتيجة استخدام السلاح الكيماوي في مناطق النزاع، الموت جوعا في المناطق التي تم حصارها من قبل النظام، الموت غرقا أثناء  هجرتهم القسرية عبر البحار، ما سمي قوارب الموت.

 يشكل الأطفال 50 بالمائة من أعداد النازحين واللاجئين السوريين، محرومين مع عائلاتهم من الحصول على المساعدات الإنسانية، يعيشون في خيام أو تجمعات لا تتمتع بالحد الأدنى للشروط المتعارف عليها دوليا، وإمكانية وصولهم للمياه النقية والغذاء محدودة للغاية , أكثر من مليون وثمان مائة طفل محرومين من التعليم. يضطرون للعمل لإعالة أنفسهم وعائلاتهم، في ظروف غير إنسانية .

 على طول البلاد ينتشر أطفال الشوارع،  في  دمشق تم رصد 1700 طفل متسول نصفهم يتعاطون مادة الشعلة المخدرة، وفق تقرير صحيفة الوطن التابعة للنظام.

 وفق “إحصاءات اليونيسيف” أنّ أطفال سوريا، يشكلون 50 بالمائة، من مجمل عدد اللاجئين السوريين. يعاني الأطفال اللاجئين، في دول الجوار، من ظروف مأساوية,

كل ذلك وأكثر من ذلك بكثير يجري بحق الأطفال السوريين بغياب  أي د ور يذكر  لوضع حد أو للتخفيف من حجم الكارثة.

 وفي ظل  غياب سلطة مسئولة عن تطبيق القانون ، وضعف المجتمع المدني ومنظماته . وما بين القوانين الواجب تطبيقها، وأليات  تطبيقها ؟  نسلط الضوء  في هذا البحث إلى مواطن الخلل في هذه القوانين؟ وضرورة تعديلها لتنسجم مع اتفاقية حقوق الطفل.

وقعت الحكومة السورية ، على اتفاقية حقوق الطفل الدولية منذ عام 1993. تعتبر  هذه الاتفاقية، شاملة لحقوق الطفل، ومحددة لكل الإجراءات والوسائل والضمانات لتحقيقها, وهي بمثابة دستور، على الدول الموقعة تغيير قوانينها المتعلقة بالأطفال،  للتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل. تنظم حقوق الطفل في سوريا، مجموعة قوانين، موزعة على مختلف فروع القانون، . حيث نجد في مختلف فروع القانون السوري، قوانين تتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل،. إضافة الي  ما يجري من  انتهاك القانون وعدم تطبيقه  لدرجة تفريغ اتفاقية حقوق الطفل  من محتواها.

مقدمة :

الطفل حجر الأساس في بناء المجتمعات الحديثة، فالبناء القوي، يحتاج إلى كل وسائل الدعم والوقاية والحماية، ـ يعتبر ـالقانون، أهم الوسائل لتحقيق ذلك، بما يتضمنه من حقوق وضمانات لتطبيقها، ومعاقبة من ينتهكها .

 ـانتشرت في سوريا قبل الحراك الشعبي، العديد من الظواهر التي تشكل خطراً محدقاً ـ على حقوق الأطفال منها : تسرب الأطفال من المدارس، عمالة الأطفال. تزويج القاصراتـ،  ترتبط هذه الظواهر  بشكل عميق بالظروف الاقتصادية المعيشية التي كان المجتمع السوري يعاني منها. حيث كان يعيش 60 بالمائة من المجتمع السوري، على خط الفقر، و ما لذلك من تأثير على حقوق الأطفال : حقهم في الغذاء والصحة والرفاه، و الضمان الاجتماعي وغيرها من حقوق. . كما كان للعامل السياسي تأثيراً على حقوق أخرى، على سبيل المثال التعليم: حيث لعبت المناهج والوسائل التعليمية دوراً في تدجين الأطفال وتجنيدهم، وزرع الخوف في نفوسهم، بما يشكل انتهاكاً لحقوق الطفل. و على الصعيد الاجتماعي، لا يخفى أثر التقاليد المتخلفة على تربية الأهل لأطفالهم، حيث التمييز على أساس  الجنس “الجندر”، ومنع الأطفال من التعبير عن أرائهم بحرية وغير ذلك الكثير.

 كشفت الحرب التي دارت رحاها على الأرض السورية، ليس على قصور القوانين فحسب، بل عن انتهاكات جسيمة لهذه القوانين، تصل إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية بحق الأطفال، من قتل واعتقال واختفاء قسري، وتجنيد للأطفال . وإخضاعهم للتعذيب، والى عقوبات قاسية، ومحاكم استثنائية.

الفصل الأول        

أولاً ـ عالمية حقوق الطفل :

تطورت حقوق الطفل، مع تطور المجتمع الإنساني الحديث، لتعزيز القيم والحقوق الإنسانية الشاملة، بداية وفي أول إعلان لحقوق الطفل،  جاء من جنيف عام 1924 “[i] تميز إعلان حقوق الطفل  بطابعه الإغاثي: الطفل الجائع يجب يطعم، و المريض يجب أن يعالج، و المتخلف يجب أن يشجع، والمنحرف يجب أن يعاد إلى الطريق السوي، واليتيم والمهجور يجب إيواؤهما وإنقاذهما.       

في 15 ديسمبر 1948. صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تضمن بالإضافة إلى الأحكام العامة الشاملة لكل إنسان، مواد خاصة بالأطفال.

في عام 1949، [ii] صدرت اتفاقيات جنيف الرابعة، حيث منح القانون الدولي الإنساني، نوعين من الحماية للأطفال، الأول الحماية العامة، باعتبار الأطفال جزء من المدنيين، والثاني حماية خاصة للأطفال، بسبب ضعفهم، وحاجتهم لحماية خاصة .

قي عام [iii]1959, صدر  “إعلان حقوق الطفل”  , يقوم على عشرة مبادئ، ضامنة حقوق الطفل  هي : إن يكون له اسم وجنسية، و أسرة تحيطه بالحب، والأمن المعنوي والمادي. حقه في الضمان الاجتماعي، و الغذاء والمأوى واللهو والخدمات الطبية، حقه في تلقي التعليم المجاني والإلزامي، حقه في الحماية، من جميع صور الإهمال، والقسوة والاستغلال، وحمايته من جميع الممارسات، التي تدفع إلى التمييز العنصري، أو الديني أو أي شكل من أشكال التمييز.

 اتفاقية حقوق الطفل،  تمت في عام 1989،[iv] عندما اتفق أعضاء الأمم المتحدة، على أن الأطفال بحاجة إلى رعاية خاصة، و يجب أن تكون هذه الرعاية  ملزمة، عبر اتفاقية تُصادق عليها الدول. تلاها اعتماد بروتوكولَيْن اختياريين، في عام 2000، لمنع بيع الأطفال، واستغلالهم في البغاء، وفي المواد الإباحية، والثانية تتعلق، بمنع إشراك الأطفال، في النزاعات المسلحة قبل عمر 18 عام.

 ثانياً ـ الطفل في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل:

 تتألف  الاتفاقية من  54 مادة، وبروتوكولان اختياريان. توضح  حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال من- دون تمييز.وتؤكد على ضرورة تضافر الجهود مابين الدولة  والأسرة وحتى المجتمع الدولي من أجل المصلحة الفضلى للطفل ،  لتحقيق الكرامة الإنسانية للطفل وتطويره وتنميته . وبموافقة الدول بالانضمام الى هذه الاتفاقية أو التصديق عليها، تكون ألزمت نفسها بحماية وضمان حقوق الطفل.وتتحمل مسؤولية أمام المجتمع الدولي. .

 ثالثاً ـ أهمّ حقوق الطّفل في  الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل:

عرفت الاتفاقية الطفل في المادة الأولى : “كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر أكدت الاتفاقية  في المادة الثانية  على ضمان الدولة  لحقوق الأطفال تحت ولايتها من دون أي تمييز بين الأطفال بسبب يعود إلى أصل أو معتقد أو رأي أو إلى المركز الاجتماعي  للوالدين أو الوصي القانوني  وحماية هذه الحقوق من  أي تمييز. 

 وطالبت الدول في المادة  الثالثة أن تولي الاعتبار لمصالح الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال،  سواء على مستوى مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو المحاكم أو الهيئات التشريعية. وأن تضمن  الدول  الرعاية والحماية   اللازمة لرفاهية الطفل،  من خلال التدابير التشريعية والإدارية الملائمة،  و أن تكفل   التزام المؤسسات المسئولة عن رعاية وحماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات في مجال السلامة والصحة وفي عدد  الموظفين والكفاءة.

 المادة الرابعة طالبت  الدول اتخاذ كل التدابير التشريعية والإدارية لإعمال الحقوق  وعلى الدول  بالنسبة لحقوق  الطفل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن تقدم أقصى المتاح من مواردها وحين اللزوم  في إطار التعاون الدولي.

من أهم الحقوق التي تضمنتها الاتفاقية :

حقّ الحياة: يضمن حقّ  الطفل  في الوجود و العيش ، والتمتُّع بإمكانيّة النموّ  حتى بلوغ سنّ الرُّشد، ويشمل هذا  الحقّ  حماية حياة الطّفل منذُ الولادة، والحقّ في البقاء على قيد الحياة ، حماية لأطفال من التعرض  إلى القتل في كل الظروف، و عدم إخضاعِهم إلى عقوبة الإعدام والتعذيب،  ويشمل حقّ الحياة توفير السُّبُل المُلائِمة لنموّ الطّفل، من الغذاء والعناية الصحية.

 حق التعليم :  المادة الثامنة والعشرون نصت على  ما يضمن  حصول الأطفال على التعليم دون تمييز وعلى تكافؤ الفرص، وحفظ حقّ الطّفل في الذّهاب إلى المدرسة ، يجب  أن يكون التعليم متاحاً للجميع، يكون التعليم  إلزامي في المرحلة الابتدائية،  وعلى إدارة النظام المدرسي  أن تتماشى  وكرامة  الطفل الإنسانية  ، كما يشمل حقّ التّعليم تأهيلَ الأطفال وتنمية هواياتهم ، وصقل شخصية الطفل وتنمية روح التعاون عنده. جاء  في المادة 29 : أن يكون التعليم موجها إلى  تنمية شخصية الطفل  ومواهبه وتنمية قدراته العقلية والبدنية إلى أقصى حد . وتنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية  والقيم الوطنية  لإعداد الطفل للشعور بالمسؤولية في مجتمع حر،  بروح التفاهم والتسامح والمساواة  بين الجنسين  والصداقة بين الشعوب  تنمية احترام الهوية الثقافية واللغوية  والقيم الخاصة  للطفل. .

حق الطفل في  الراحة : المادة 31 : مزاولة الألعاب والمشاركة في الحياة  الثقافية وفي الفنون.

حقّ الصحّة والغذاء : يضمن  جق الطفل  التمتع بأعلى مستوى صحي، على الدول بذل جهودها على ألا يحرم أي طفل من حقه  في الحصول على خدمات الرعاية الطبية  وفق ماورد في المادة 24 الحفاظ على صحّة الطّفل الجسديّة، والعقليّة، والنفسيّة، والحصول على عناية صحيّة خاصّة تُناسِب طبيعة الأطفال الضّعيفة والهشّة ومناعتهم المحدودة لوقايتهم من الأمراض والأمراض الوراثيّة، و الأمراض المُعدِية، كما يشمل حقّهم الحصولَ على غذاء وماء نظيفَين؛ لمنع إصابتهم بالأمراض التي تنتقل عبر الغذاء والماء  ،  و توفير الغذاء الكافي ومياه الشرب النقية حيث أكدت المادة 27 على  حق كل طفل بمستوى معيشي ملائم  لنموه العقلي والجسدي الروحي  والمعنوي  ونصت المادة 26 : على حق   كل طفل الاستفادة من  الضمان الاجتماعي،  ومنح الإعانات عند الاقتضاء. في  المادة 23: تضمنت حقوق الطفل المعوق عقلياً أو جسديا  وعلى حقه برعاية خاصة  وتوفير المساعدات له مجانا ما أمكن ، ومطالبة الدول الأطراف بروح التعاون الدولي  تبادل المعلومات المناسبة  في ميدان الرعاية  والوقاية والعلاج الطبي  والنفسي للمعوقين.

الحق في  الجنسية: نصت المادة السابعة  على حق الجنسية للطفل  حتى   يتمكن الطفل من التمتع  بالحقوق التي تقدمها الجنسية  بوصفه كيانا مستقلاً،  بالإضافة الى الخدمات التي تقدمها الدولة للتمتع بباقي حقوقه.

 الحق في الهوية:  نصت المادة الثامنة: على حق   حصول الطفل على هوية اسم وتاريخ ميلاد  وعائلة،   تمكنه من الحصول على الحماية من قبل عائلته ودولته  و حق الطفل في الحفاظ على هويته  واسمه، وصلاته العائلية، وإذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته، على الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته.  

 عدم فصل الطفل عن والديه إلا للضرورة ، وفي حالة انفصال الوالدين  من حق الطفل الاحتفاظ بعلاقات شخصية ومباشرة مع الطرفين،  وفي حالات الغياب والسجن على الدول الإطراف تقديم  المعلومات  اللازمة . وفي حال وجود الوالدين  في دول مختلفة حق الطفل ووالديه  المغادرة  والسفر ولم الشمل هذا الحق  تضمنه الدول وتنظر له نظرة ايجابية وإنسانية وسريعة،  والقيود على ذلك تكون استثنائية تتعلق بالأمن الوطني.  المادة التاسعة والعاشرة.

 وقد أكدت  المادة 18:  على  تحمل الوالدين  مسؤولية مشتركة في تربية الطفل   تربية الفضلى،  تكون مصلحة الطفل موضع اهتمامهم،  وعلى الدول تقديم  المساعدات لهم، وعليها أن تكفل تطوير مؤسسات ومرافق وخدمات رعاية  الطفولة  بما يضمن مصلحة الطفل الفضلى .  وفي حالة الطفل المحروم من عائلته بشكل دائم أو مؤقت على الدول  تأمين حماية خاصة للطفل المحروم من أسرة،  عن طريق الرعاية البديلة حضانة أو كفالة أو تبني وعند الضرورة مؤسسات خاصة لرعاية الأطفال.  على ماورد في نص المادة 20 و المادة 21

 حقّ الحرية: وردت في المواد من  12 إلى 16:   التي تضمن  للطفل التمتع بأنواع  مختلف الحريات: حريّة التّفكير، وحريّة التّعبير،  وحريّة تكوين التجمُّعات، والمشاركة بالرأي، بكل ما يخص الطفل أمام المحاكم أو في حياته الخاصة وفي المدرسة، حرية الاعتقاد واختيار الديانة التي يريدها. حرية التعبير ،  و ضمان حرية التعبير  سواء بالقول والكتابة  أو الفن أو أي وسيلة أخرى .  حرية تكوين الجمعيات والاجتماع السلمي،   كما تضمن الدول عدم التعرض التعسفي  للطفل   في حياته الخاصة  ومراسلاته.

حقّ الحماية: حماية حقوق الطفل،  في الصحة والتعليم وحماية حرية رأيه وحمايته من الأضرار، والمؤثرات العقلية الضارة مثل المخدرات،  كما تشمل الحماية القرارات والمراسيم التشريعية والمؤسسات الخاصة برعاية الأطفال وبيئة عائلية مناسبة لتحقيق مصالح الطفل الفضلى.

المادة 22: نصت على  حماية الطفل اللاجئ، وفقا للقوانين لتلقي الحماية والمساعدة المناسبتين للتمتع بحقوقه سواء كان بصحبة والديه أو أي شخص أخر.

نصت المادة 37 على حق الطفل بالحماية من الاستغلال الاقتصادي، ومن القيام بأي عمل   يشكل  خطراً عليه، ويعيق الطفل عن التعليم، أو يكون ضاراً بصحة الطفل ونموه البدني والعقلي والروحي والمهني والاجتماعي،  ويقع على عاتق  الدول اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية  والتربوية التي تكفل تنفيذ المادة ، من خلال أ ـ  تحديد عمر  أدنى للالتحاق بعمل   ب ـ وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه و فرض عقوبات وجزاءات لضمان تنفيذ هذه المادة.

نصت المادة 38 : على احترام قواعد القانون الدولي  الإنساني المنطبقة على النزاعات المسلحة، و التزام الدول بحماية المدنيين وفقا لالتزاماتها بالقانون الدولي الإنساني وأن تتخذ جميع التدابير لضمان حماية  الأطفال.

الجزء الثاني من الاتفاقية : يتناول  تشكيل اللجنة  المعنية بحقوق الطفل  ووظائفها وعلاقة الدول الأطراف بها.

 وبتصديق الدول على هذه الاتفاقية، تكون ألزمت نفسها بحماية وضمان حقوق الأطفال، وعليها تحمل مسؤولياتها، أمام المجتمع الدولي.

 الفصل الثاني

[v]القوانين السورية وحقوق الطفل:

 أولاً :قانون العقوبات والحماية الجنائية الموضوعية للطفل:

 في قراءة لمواد قانون العقوبات، المعنية بحماية الطفل، نجد : إن عدداً من  الجرائم، تمس الأطفال توصف على أنها جنحة مثال على  ذلك : المادة 192 ـ المتعلقة  بتسييب الولد ,  ونجد في باب اهمال واجبات الأسرة   المادة 487 الاعالة   ـ  والمادة 488 النفقة .   كما يعتبر قانون العقوبات عقوبة سفاح القربى  جنحة رغم خطورتها  نص المادة 476..

 أما العقوبات الجنائية: تتناول جريمة  الاغتصاب: حيث يتم تشديد العقوبة، إذا وقعت على قاصر، المواد 498، 490 491، 492.

 جريمة الفحشاء : ـتشدّد عقوبة الجريمة في المواد : 494، 495، 496، عندما تقع على طفل، عمره اقل من 12 سنة، و لم يتجاوز 15 عاما .

 ـ جريمة  القتل قصدا:  تشدّد العقوبة إذا وقعت على قاصر، دون الخامسة عشرة من عمره، المادة 534.

جريمة الإيذاء الواقعة على الأشخاص: المواد540ـ 541ـ 542 ـ543، لا يوجد ما يخص الأطفال، سوى تشديد العقوبة في حال  وقعت، على قاصر، دون الخامسة عشرة من عمره. ـ

 النتيجة : إن الحماية الجنائية للطفل، في قانون العقوبات، يكتنفها الغموض و تعتريها مجموعة من النقائص والمعوقات، والتي سنبرزها في الملاحظات التالية:

أولاً ـ  الحماية الجنائية للطفل ، والتي تتمثَّل في فرض جزاءات جنائية، بما يتماشى وحجم الظاهرة الإجرامية، التي يرتكبها الجناة بحق الطفل، نجد أغلب حالات تشديد العقاب، في القتل المقصود، والإيذاء، وفي الاغتصاب والإخلال بالحشمة، تشمل الأطفال، ما دون 15 عام فقط . إضافة إلى أن  المادة 508 المعدلة من قانون العقوبات،  تمنح تخفيفا عن المغتصب الذي يتزوج المرأة التي اغتصبها  حتى لو كانت طفلة.

ثانياً:  لا يوجد حماية جنائية للطفل، في حالات ضرب الأطفال، أو إلحاق الأذى بهم، أو تعريض صحة الأطفال للخطر, سواء من قبل الأهل أو غيرهم.  حيث أن المادة185   من قانون العقوبات  تبيح ضرب الأطفال من قبل الأهل أو المعلمين .

3ـ لا يوجد حماية ـخاصة للطفل، من جرائم الاتجار، بأعضاء جسم الطفل، التي  تستوجب عقوبات شديدة. –

 4ـ يوجد حقوقا للطفل ليست مشمولة بالحماية، أسوة بالتشريعات في الدول المتحضرة، كالحق في حماية الطفل بوصفه مستهلكا، والحق في حماية الطفل في مجال العمل. شكلت مؤخرا ظاهرة تعاطي الأطفال المشردين في سوريا لمادة الشعلة المخدرة فضيحة , تم رصدها ورغم علم السلطات بها لم تتخذ أي إجراء لمنعها.

ثانياً ـ قانون الأحوال الشخصية : أعطى القانون الحق للطفل، بالزواج وفق ما جاء في المادة 18 : 1ـ ـإذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة من عمره، ـ أو المراهقة بعد إكمالها الخامسة عشرة، من عمرها، وطلبا الزواج، يأذن به القاضي، إذا تبين له صدق دعواهما، واحتمال جسميهما . وهي ليست سوى جريمة ترتكب بحق الأطفال يساهم فيها القانون والتقاليد، وتشكل انتهاكا صارخا لحقوق الطفل.

ثالثاً ـ قانون الأحداث الجانحين:

القانون رقم 18 لعام 1974، ينص على:  الأصول الخاصة بالتوقيف، وأماكن التوقيف، وكيفية محاكمة الأحداث الجانحين . بما يضمن مصالح الطفل ..حيث  يجب أن يتم حبس الأحداث، في معاهد إصلاح الأحداث .: كما أحدث القانون وظائف : مراقب السلوك ومركز الملاحظة .  

 وقد تناولت  المواد  من 10 الى13. سياسة تفريد العقاب .

المادة  44 تنص على أنه عند احتجاز الحدث،  على المحكمة أن تأمر بفحص الحدث من قبل طبيب أخصائي , و يبلّغ ولي الحدث وجوب تعيين محام للحدث .

–  المادة/ 48/ تجري محاكمة الأحداث سراً بحضور الحدث وليه أو وكيله . 

.                                 

– تنص المادة 58 : لا تسري أحكام التكرار على الأحداث ولا تسجل الأحكام الصادرة بحقهم في السجل العدلي .و تتضمن هذه المادة معاملة تفضيلية للحدث.

 نلاحظ  أن الكثير من المواد الاجرائية  الواردة في القانون رقم 18  تتفق مع الأحكام الدولية  الواردة في اتفاقية حقوق الطفل .

لكن  يؤخذ على هذا القانون عدم التمييز بين الطفل الجانح، والطفل الضحية، في أماكن الحجز، وعدم الاهتمام بمراكز الأحداث، وعدم توفر مراكز بما يتناسب مع الإعداد الكبيرة للأطفال الذين بحاجة لرعاية في هذه المراكز.

وعدم توفر الكفاءات والأجهزة اللازمة لمتابعة أوضاع الأطفال، خاصة في ظروف الحرب.

 غير  أن ما يحصل على أرض الواقع،  يتناقض بشكل صارخ مع النصوص القانونية الملزمة للسلطة في التنفيذ. لعل أبرزها اعتقال عشرات الآلاف من الأطفال وتعذيبهم  وحجزهم في أماكن اعتقال الراشدين،  في ظروف لا إنسانية . و ما يجري من عمليات اعتقال الأطفال ومحاكمتهم أمام المحاكم الاستثنائية، تم تجريد القانون 18 من الفاعلية، والأهمية . 

الفصل الثالث  :حقوق الطفل في الواقع السوري الراهن :

أولاـ اعتقال الأطفال جرائم وانتهاكات للقانون وحقوق الأطفال :

 نصت المادة 37 من حقوق الطفل، على أن تكفل الدول الأطراف :
 أـ ألا يتعرض أي طفل للتعذيب، أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

بـ ـ  ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية.

إن الجرائم المرتكبة بحق الأطفال السوريين، وقتلهم تحت التعذيب، تعتبر إحدى الجرائم ضد الإنسانية، التي أدان النظام نفسه بها. وقدم أدلتها أمام المجتمع الدولي، الذي مازال يصم أذانه، ويدير ظهره عما يجري في سوريا .

كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قد قدرت عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال، حوالي عشرين ألفاً، تسعة ألاف منهم مازالوا قيد الاحتجاز، وقد تعرض الأطفال المعتقلين لكل وسائل التعذيب، و إلى الإخفاء ألقسري،. وثقت الصور المسربة، مئات من جرائم قتل القاصرين، تحت التعذيب.

.

ثانياً ـ التعليم في سوريا واتفاقية حقوق الطفل:

واقع العملية التعليمية في سوريا يرثى لها ،  تحولت إلى كارثية في زمن الحرب : حيث  المدارس في سوريا ـ أشبه بالثكنات، ازدحام في الصفوف تصل إلى أكثر من خمسون طالباً،  بعد أن  تدمر وتضرر  ما نسبته 40% من البنية التحتية للتعليم ، جراء القصف والاشتباكات الدائرة . وفق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” 3873 مدرسة قد دُمّرت بشكلٍ كامل، أو جزئي على يد قوات النظام في سوريا، وأشارت إلى تحويل المدارسَ لمراكز اعتقال، هناك  مليونين  طفل  في الداخل السوري و800 إلف طفل  في دول اللجوء ،تم حرمانهم من التعليم، وفق التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بشأن احتياجات الشعب السوري لعام .2018

 إنّ تنمية شخصية الطفل وقدراته، واحترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، ـ أحد غايات التعليم، وفق ما جاء في المادة 29 من اتفاقية حقوق الطفل، غير أن التعليم في سوريا، كان ومازال، أحد أدوات السلطة لتحديد المسموح به، وتدجين الأطفال، بل حشدهم  تعبئتهم وفق ما تشاء من أطر ، سواء عبر تشكيل منظمات تعبئة وتأهيل الأطفال وفق معايير السلطة “طلائع البعث مثالا”، أو بواسطة تدريس مواد تكرس الفكر الأحادي ألإلغائي ، كما يساهم التعليم في تكريس التمييز الطائفي في المدرسة من خلال مادة التربية الدينية،  كما أن مناهج التعليم  تلعب دوراً في إعادة إنتاج الأدوار الجندرية والتمييز بين الأطفال من حيث الجنس. إضافة إلى استخدام وسائل تدريس غير ملائمة، تعتمد على التلقين والحفظ، ولا تشجع التفكير والإبداع وحرية الرأي والمشاركة وفقا لنص  الاتفاقية.

 ثالثاً ـ الواقع الصحي للأطفال السوريين واتفاقية حقوق الطفل :

 يعاني الأطفال السوريين من نقص حاد في العديد من مستلزمات الرعاية الصحية: نصف المرافق الصحية غير صالحة للعمل، نقص الأطباء بسبب الهجرة واللجوء  والتجنيد والقتل.  نقص الأدوية حيث انخفضت نسبة الحصول على اللقاحات الروتينية  في عام 2017 إلى أقل من 50% أدى ذلك  إلى انتشار الأمراض ،. إضافة إلى  سوء الغذاء و نقصه،  بسبب الفقر المدقع الذي  يشمل أكثر من 90% من الشعب السوري،  يشكل  سبباً لأمراض كثيرة. ويعاني اللاجئون والنازحون من عدم توفر المياه الصالحة للشرب وتأثير ذلك على انتشار الأمراض والنظافة الشخصية. في الداخل السوري وفق تقرير اليونسيف  تعتمد نصف العائلات على مصادر مياه غير أمنة.

وتنتشر بين الأطفال السوريين الصدمات النفسية، وبحسب تقديرات اليونيسيف هناك 2 مليون طفل لاجئ بحاجة إلى الدعم النفسي.  نتيجةً: مشاهدتهم لأشكال العنف، وتعرضهم للقصف، وعمليات النزوح واللجوء تحت ظروف عصيبة، أو موت أحد أفراد الأسرة، يضاف الى ذلك ما يتعرض له الأطفال السوريين في بلدان اللجوء من العنصرية والتمييز،  وتأثير ذلك  على  حالتهم النفسية والعقلية،  وقد تصدرت  وسائل التواصل الاجتماعي، خبر انتحار الطفل السوري  “وائل السعود” ذو التسع سنوات  شنقا  على باب مقبرة في ولاية كوجالي  بسبب العنصرية،  التي نعرض لها من قبل رفقاء الصف ومن قبل المدرسين  لأنه  فقط سوري،  حيث كان يعاني من الإقصاء ويوم  انتحاره تلقى  توبيخا قاسيا من مدرسيه.  وهناك عشرات القصص  التي تتسرب وتنتشر،  عن أطفال يتعرضون للضرب والتعذيب والقتل من قبل ساديين عنصريين، فقط لأنهم سوريين ، مما يعرض الأطفال السوريين لمخاطر وأمراض  نفسية  مختلفة ستؤثر على مستقبلهم وتهدد حاضرهم، في الوقت ذاته لا  يتمتعون بأي حماية سواء من المشرفين في المدرسة أو من سلطات البلاد أو حتى من  عائلاتهم .

 يوجد عشرات الآلاف من الأطفال باتوا معاقين إعاقة دائمة،  نتيجة  الاقتتال والقصف ، وأن أكثر من ثلثي الأطفال ذوي الإعاقات الجسدية  والعقلية يحتاجون إلى  خدمات صحية غير متوفرة في أماكن تواجدهم [vi]

.                                                              

 رابعاً ـ  القانون السوري وعمالة الأطفال :

  وفق اتفاقية حقوق الطفل ، يتعارض عمل الطفل مع العديد من الحقوق  التي يجب أن يتمتع بها:   التعليم ، وااللهو ، والنمو الجسدي،  والمعنوي،  والاجتماعي  والعقلي والروحي  ، ويكون الطفل  عرضة في العمل لكثير من أنواع الاستغلال الاقتصادي والجنسي.

  تناولت اتفاقية حقوق الطفل عمل الأطفال  ونظمته بقواعد ،   وطالبت بفرض عقوبات على مخالفتها وفق نص المادة 32  الفقرة 2 من اتفاقية حقوق الطفل :

.

قانون العمل السوري واتفاقية حقوق الطفل : 

من صعب الحصول على إحصائية دقيقة  أو مقنعة لعمالة  الأطفال السوريين  سواء في الداخل السوري أو في دول اللجوء، حيث وردت في  تقارير رسمية إن نسبة عمالة الأطفال بلغت نسبة 20% من قوة العمل المحلية، بزيادة الضعف عما كانت عليه قبل الحرب 10%،  إلا أن واقع الحال يقول أن النسبة  أعلى بكثير ، نظراً   للأسباب التي  ولدتها الحرب  والصراع الدائر في سوريا ،  وتداعياتها على العائلة السورية والوضع  المعيشي للسوريين،  سواء في الداخل أو في  دول اللجوء المجاورة.  أشار تقرير اليونسيف في أب  2019الى أن أربعة من خمسة أشخاص  يعيشون تحت خط الفقر  في الداخل  السوري . ما يدفع الأطفال للعمل، للبقاء على قيد الحياة،  والمساعدة عائلاتهم . عدا عن الفقر هناك عامل الالتحاق بالمدرسة  يعطي صورة عن عمالة الأطفال ،  حيث تقارير اليونسيف تشير إلى 2 مليون طفل سوري في الداخل خارج المدرسة إضافة الى 800 ألف طفل في  دول اللجوء المجاورة، حيث أن التسرب من المدرسة،  وعمالة الأطفال  متلازمان خاصة في الظروف الراهنة .

في الأردن وفقاً للمسح الوطني لعمل الأطفال،[vii]  يشكل الأطفال السوريين نسبة  أكثر من 14% من عمالة الأطفال،  يعملون في شروط سيئة معدل 48 ساعة في الأسبوع،  وأجور قليلة، ونسبة منهم يقومون بأعمال خطرة .75% من الأطفال العاملين في مخيم الزعتري المعيلين الوحيدين لعائلاتهم. ونسبة 22%  من الأطفال العاملين في الزراعة بالأردن، تعرضوا لإصابات عمل .

 افي لبنان تعتمد العائلات اللاجئة على عمل أطفالهم، نظراً لتكاليف الحياة العالية، وبسبب افتقارهم إلى حماية قانونية ، كما أن ثلاثة أرباع الأطفال العاملين في الشوارع هم سوريون، أطفال بعمر ست سنوات يعملون، بينما  يعمل الفتيات في المطاعم وتنظيف البيوت. وأكبر عمالة  للأطفال السوريين   في لبنان في  الريف، أعمال الزراعة .

عمالة الأطفال والقانون السوري :

جاء في المادة 113 من قانون العمل السوري  الصادر  بالمرسوم رقم (17) لعام  2010  ـ  يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي  أو إتمام سن الخامسة عشرة  أيهما أكثر, وحظرت   المادة 114 من  قانون العمل : تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً ، على أن تتخللها ساعة راحة. و لا يجوز تكليف الحدث بساعات عمل إضافية.  .

  المادة 116 :  اشترطت على صاحب العمل  عند تشغيل الحدث أن يقدم الوصي  أو الولي

قيد مدني: شهادة صحية تثبت  مقدرته   الصحية على القيام بالعمل الموكل اليه.

  المادة  118: يستثنى  من تطبيق  أحكام هذا الفصل الأحداث اللذين يشتغلون في  الصناعات المنزلية التي لا يعمل بها سوى أفراد العائلة،   نحت إشراف الأب أو إلام أو  العم أو الخال .

–  أما قانون العلاقات الزراعية السوري  فقد سمح بتشغيل الأطفال .

مع العلم أن  الزراعة تعتبر  من أكثر قطاعات العمل خطورة على الأطفال  بسبب تعرضهم للعوامل المناخية القاسية لساعات طويلة شمس حادة وغبار وتعرضهم  للمواد الكيماوية ـ ورفع الأحمال الثقيلة ،  وإلى عدم وجود حماية وإسعافات في أماكن العمل.

 – النتيجة:  أن  قانون العمل الصادر في المرسوم رقم (17) لعام 2010    لم يذكر الأعمال الممنوع على الأطفال ممارستها، يتعارض ذلك مع نص المادة 32 من اتفاقية حقوق الطفل.

 و الأهم في هذه القضية عدم فرض عقوبات زاجرة، على من ينتهك القانون، من قبل  أصحاب العمل، حيث تصت المادة 114، من القانون، على حظر تشغيل الحدث، أكثر من ست ساعات .

  كما إن الأطفال الذين يعملون في الورشات العائلية،  يفتقرون إلى الحماية القانونية خاصة في هذه الظروف في غياب الأب،  يمكن  للأقرباء استغلال الأطفال  القائمين تحت رعايتهم وغالباً  ما  يكون عمل الأطفال في  هذه الورشات دون أجر.  .  بشكل الأطفال قوة عاملة ملموسة ومنتشرة   في الداخل السوري ونراهم  أطفالاً صغاراً يعملون في أسوأ الظروف ولساعات طويلة  “تسول بيع  خبز وأزهار، تلميع أحذية تنظيف سيارات”    وفي أعمال قاسية  مثال:  نقل أحمال على ظهورهم ،وجر عربات  و نراهم في ورشات تعدين يعملون عشر  ساعات.

غير أن  الظروف الاقتصادية،  التي تجبر الأطفال على العمل لمساعدة عائلاتهم ،  أو حتى للبحث عن لقمة عيشهم ، ورغبة صاحب العمل بالاعتماد على الأطفال، بسبب تجنيد الشباب وتدني  أجور الأطفال. في ظل  غياب  رقابة من المجتمع المدني، و المؤسسات الدولية  المعنية بحماية الأطفال،. وفي غياب الدولة ومؤسساتها   التي عليها أن ترعى وتحمي الأطفال.   يكون صعباً محاربة هذه الظاهرة الخطيرة على  مستقبل الأطفال السوريين .

 خامساً : القانون السوري وحق الطفل في الجنسية:

نصت المادة 7 من  اتفاقية حقوق الطفل، على حق الطفل في اكتساب الجنسية، منذ ولادته وعلى حقه، في اسم وهوية، وعلى الدول أن تكفل هذه الحقوق، وفقا لقانونها الوطني، والتزاماتها الدولية .

. بسبب الحرب فقدَ عشرات آلاف الأطفال السوريين آباءهم، ويعاني هؤلاء ـمن القيود الصارمة المفروضة على حقوقهم وحرياتهم في التنقل، كما أن الأطفال غير المسجلين، معرضون بشكل خاص لانعدام الجنسية، في ظل عدم وجود شهادة ميلاد رسمية، فإنهم يفتقرون إلى الأدوات الأساسية، التي تثبت جنسيتهم، وتشير دراسة أجرتها “مفوضية الأمم المتحدة” إلى أنّ 70 في المائة من الأطفال السوريين الذين ولدوا في لبنان، لا يحملون شهادة ميلاد رسمية، وكذلك الحال في باقي بلدان اللجوء.

 في قراءة مواد قانون الجنسية السوري[viii]، ذات الصلة بحق الطفل في الجنسية: نصت المادة الثالثة : الفقرة أ :يعد الشخص عربياً سورياً حكماً، من ولد في القطر أو خارجه، من والد عربي سوري،. أي الأخذ بحق الدم من جهة الأب فقط . وينتقص من حق المرأة ـعلى منح جنسيتها لأبنائها .

نصت الفقرة ب من المادة الثالثة: يعد سورياً حكماً، من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه، وعليه يتم منح الجنسية السورية، بناء على حق الدم والإقليم معاً، في حالة كانت الولادة في سوريا، من أم سورية، ولم يثبت نسب الطفل إلى أب شرعي، كما تمنح الجنسية أيضاً، للطفل بناء على حق الإقليم فقط، في حالة كان المولود من أبوين مجهولي الجنسية، أي حالة الطفل اللقيط، وحالة المولود في سورية، ولم يكتسب بصلة البنوة جنسية دولة أخرى. الفقرة ج من المادة الثالثة: نلاحظ إن الجنسية تمنح لمجهول النسب، إذا ولد في سوريا. السؤال كيف يكون حال الأم وطفلها، على إقليم خارج سوريا، في دولة لا يمنح الجنسية بالميلاد على إقليمها؟ ـسوف يؤدي ذلك إلى انعدام جنسية المولود، حيث أن القانون السوري يرفض ثبوت الجنسية السورية في هذه الحالة، حتى لو كان الأب مجهول الهوية، أو عديم الجنسية.

عليه يجب تعديل المادة الثالثة على الشكل التالي: ـ: 1ـ حيث يعد سورياً حكماً، من ولد في القطر أو خارجه، من أب سوري، أو من أم سورية. ويجب تعديل الفقرة ب من المادة 3 لتصبح على الشكل التالي: 2ـ تمنح الجنسية حكماً لمن ولد لأم سورية داخل أو خارج القطر، ولم يثبت نسبه إلى أبيه قانوناً، أو من ولد لأم سورية، وأب مجهول الجنسية، أو لا جنسية له، بحيث تشمل هذه الفقرة جميع أطفال الأم السورية.

  الفصل الرابع :

حقوق الطفل تبعاً لأوضاع الدول :

 بالمقارنة نجد الهوة الساحقة التي تفصل بين وضع حقوق الطفل في الغرب حيث توفرت كل الأسباب الدستورية والقانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليتمتع الأطفال بكامل حقوقهم، حيث يتلقى الطفل الدعم الكامل والاهتمام الكبير، من الدولة والمجتمع، لنمو شخصيته واكتشاف امكانياته، وفتح كل الأبواب أمامه ، ومساعدته ليعطي أفضل النتائج، ويتمتع بطفولة فيها كل وسائل اللهو والراحة والتعلم، والضمانات الصحية والمستوى المعيشي اللائق، حيث يكون الاستثمار بالانسان هو السبيل الأمثل لبناء المجتمعات وتطويرها. وقد استفاد الأطفال السوريون اللاجئون في أوروبا، من كل المزايا التي يتمتع بها أطفال أوروبا ، وحصل الكثير منهم، على نتائج  رائعة  بتفوقهم على أقرانهم الأوروبيون . وكان من الثابت أن توفر الظروف الملائمة، والمساواة في الفرص، هي التي تحدد القيمة الحقيقة للكفاءات وقدرات الإنسان .

 أما على صعيد الدول العربية : فقد حققت كل من المغرب وتونس خطوات كبيرة لضمان حقوق الطفل ، و تعتبر تونس من أكثر الدول العربية تقدما في هذا المجال. وهي مصنفة في المرتبة التاسعة عالميا من بين 155 دولة تضمن حقوق الطفل وتهتم بقطاع الطفولة، بانضمامها الى الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل وحمايته، كان أخرها الانضمام الى اتفاقية مجلس أوروبا، بشأن حماية الطفل من الاعتداء والاستغلال الجنسي, وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة الى واقع حال الطفولة في تونس،  حيث نشر مقال في صحيفة الشروق تحت عنوان تونس رائدة في مجال حقوق الطفل نظريا فقط . تاريخ 14/1/2019 تمت الإشارة فيه إلى أنه مازال هناك الكثير من القصور والعقبات، وأن نسبة الأطفال الفقراء يشكلون نسبة 29 بالمائة ، وأشارت إلى وجود عشرة ألاف إشعار، بخصوص الانتهاكات ضد الطفولة، وإن الطفولة التونسية مهددة غير أمنة بسبب انتشار الفكر المتطرف داخل المحاضن العشوائية والتي تعرف بالمدارس القرآنية غير المرخص لها. ومع ذلك نقول أن وضع اللبنة الأساس في ضمان حقوق الطفل ، التي لا تستقيم دون المساواة الكاملة وإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة في الدستور والقانون، ضمانات قوية لتعزيز حقوق الطفل وضمان حقوقه, ونشير إلى أهمية دور الاعلام في تسليط الضوء على مواطن الخلل والضعف، و المعوقات ، أمام التحقيق الأمثل للحقوق/  سيكون له دور إيجابي لضمان الحصول عليها .

 و في مثال راوندا التي خرجت من حرب أهلية مدمرة جرت أحداثها عام 1994 وضعت دستورا للبلاد في عام 2003 ، الذي بين فيه الأثر القانوني للمعاهدات والاتفاقات الدولية والضمانات اللازمة لدمج حقوق الإنسان في الإطار القانوني لرواندا ، حيث تتم مباشرة بعد نشرها بالجريدة الرسمية , وفقا للمادة 190 من الدستور .

  أقرت راوندا ونشرت اتفاقية حقوق الطفل وصارت جزء من القانون في راوندا يطبق مباشرة ، فضلا عن الميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهة . وقد اتخذت راوندا العديد من التدابير لتعزيز حقوق الطفل،  من بينها انشاء مرصد حقوق الطفل، ضمن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، لاحترام حقوق جميع الأطفال في جميع إنحاء البلد, يتألف المرصد من لجان يمثل فيها الأطفال على الصعيد الوطني وعلى مستوى القطاعات والمقاطعات،  وهناك منتدى الأطفال الذي يضم تمثيليات الأطفال على أصعدة شتى، تشمل القرى والمناطق ، وتنظم مؤتمرات قمة سنوية للأطفال ، يلتقي فيها ممثلو الأطفال لمناقشة وتقديم المشورة والتوصيات للحكومة بشأن كيفية ممارسة حقوقهم .

خاتمة : ربما من المناسب إطلاق وصف “الطفل المحروم من كل حقوقه على الطفل السوري” كما ـيجب الإشارة هنا، الى أن حماية حقوق الطفل وفق الاتفاقية، تكون على عاتق ثلاثة أطراف: العائلة والدولة والمجتمع الدولي.

نجد أنه على الرغم من أن القانون الدولي الإنساني، ـ منح حمایة الطفل، ـأهمیة بالغة، بالنظر للضعف الكبیر الذي تتمیز به هذه الفئة، الهشة، والانتهاكات الفظیعة، التي تتعرض لها حقوق الأطفال في الحروب، ورغم أهمية العمل الذي تقوم بها بعض المنظمات الدولية المعنية من أهمها اليونسيف والصليب الأحمر الدولي. مازال هناك ثغرة كبيرة في العمل الدولي بشأن حماية الأطفال، في النزاعات المسلحة، يجب العمل على إيجاد حل دولي لها .

 ـعلى صعيد القانون السوري نلحظ عدم وجود اتفاق حول مصطلح الطفل، بين فروع القانون السوري، تحدد سن حماية ـالطفل، حيث أن تشديد العقوبات على جرائم الاعتداء على الأطفال، لم تشمل الأطفال بعد الخامسة عشرة من العمر.

ـمازال هناك الكثير من العمل، لسد الثغرات والنواقص، وإزالة العقبات القانونية و الاجتماعية والثقافية والاقتصادية حتى ينال الطفل في سوريا، حقوقه.

توصيات :

1 ـ ضرورة رفع سن الحماية للطفل الى 18 عام . وإلغاء القوانين التي تبيح  عمل الأطفال  وزواج الأطفال  قبل 18 عام.

1ـ أهمية أن يكون هناك مادة في الدستور تؤكد على حماية حقوق الأطفال من جميع أشكال العنف و الانتهاكات لحقوقه .

2ـ تعزيز حقوق الطفل عبر زیادة الوعي بها لدى أفراد المجتمع ـویتم ذلك عن طریق عقد محاضرات ، عن طریق وسائل الإعلام . طبقاً المادة 42 من الاتفاقية المادة 42
تتعهد الدول الأطراف بأن تنشر مبادئ الاتفاقية وأحكامها على نطاق واسع بالوسائل الملائمة والفعالة، بين الكبار والأطفال على السواء

3 ـ   أن تكون اتفاقية حقوق الطفل، جزءا من الكتاب المدرسي للأطفال في مرحلة التعليم الإلزامي.

4ـ أهمیة محاكمة مرتكبي جرائم القتل والتعذيب بحق الأطفال  لأن ذلك سیسهم إلى حد كبیر في وضع النصوص الدولیة التي تحمي الطفل حیز التنفیذ الفعلي، و تجسد فعلیا خاصة بعد إنشاء المحاكم الدولیة المؤقتة والمحكمة الجنائیة الدولیة.

-5 المطالبة بعقد اتفاقیة دولیة خاصة لحمایة الأطفال في ظل النزاعات المسلحة تشترك في صیاغتها كل الدول والمنظمات الدولیة التي تهتم بحقوق الطفل هذه الاتفاقیة تتناول كل الجوانب المتعلقة بحمایة الطفل من آثار النزاعات المسلحة..

 سحر حويجة

المراجع :    


[i] اعلان حقوق الطفل لعام 1924 جنيف.

[ii]  اعتمدت في اغسطس 1949 بشأن حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.

[iii] اعتمد ونشر بمةجب قرار الجمعية العامة  رقم 1386 لعام 1959.

[iv] اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني 1989
تاريخ بدء النفاذ: 2 أيلول 1990

[v]  قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي  رقم 148 تاريخ  1949 وتعديلاته.

[vi] اليونسيف 2019

[vii] دراسة: عمل الأطفال في الدول العربية  دراسة  نوعية وكمية  2019

[viii][viii]  الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969.

تونس رائدة في مجال حقوق الطفل  نظريا فقط   الشروق  ناجية المالكي تاريخ 14/1/2019