أخبار المحاكماتمحكمة كوبلنتز

المرافعة الختامية للمتهم أنور رسلان

لونا وطفة

بعد انتهاء محاميي الدفاع عن المتهم من تقديم مرافعاتهم الأخيرة، في جلسة 06/01/2022، قال محامي الدفاع السيد بوكر لهيئة القضاة أن المتهم قد كتب تصريحاً بنفسه ولكن لن يقرأه شخصياً، ولأجل ذلك تمت ترجمته إلى اللغة الألمانية، وسيقوم المترجم الخاص بالسيد رسلان بقراءته في قاعة المحكمة باللغة الألمانية، وأثناء ذلك سيقوم المترجم الفوري بنقلها للمتهم باللغة العربية ليتأكد أنها ما كتبه بالفعل.

فيما يلي نص التصريح كما ترجمناه عن اللغة الألمانية لاستحالة الحصول على نسخة عربية منه، وبالتالي هو ليس حرفياً.

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدات والسادة رؤساء المحكمة الأفاضل،

في كلمتي هذه الموجهة لمقام المحكمة، أنا لا أدافع فيها عن نفسي وحسب، بل سأقول الحقيقة أيضاً.

حين حصلت الثورة في دول مصر وتونس وغيرها كانت الناس تترقب بحذر ما سيحصل في تلك الدول، وخاصة أولئك الذين تظاهروا أمام سفارات هذه الدول في مناطق أخرى. في أول مظاهرة في دمشق القديمة أمام الجامع الأموي، بدا واضحًا أن السلطة ستنتهج القوة لمواجهة المتظاهرين، وتبرَّع المؤيدون بالنزول إلى الشوارع ومواجهة المظاهرات، وبالفعل حصلت عدة اشتباكات بالأيدي والسلاح الأبيض في أكثر من مكان في دمشق ومحيطها. كان موقف المعارضين والمنشقين واضحًا في الشوارع، ما أدى إلى تغيير سلوك المسؤوليين الأمنيين ورؤساء الأفرع، لقد حدثت اعتقالات ضخمة. صُدمت من مدى خطورة تزايد عدد المعتقلين وكأنها أمواج مَدِّ عاتية كالتسونامي! فوضى وخوف في صفوف الشرطة والأجهزة الأمنية والجيش. حدث كل هذا بالتوازي مع تظاهر سكان بلدتي “الحولة”. في البداية حاولت قدر المستطاع أن أُبقي عدد السجناء في فرع الخطيب مُنخفضاً، لأن السجن هناك لم يكن مُصمماً لهذا الغرض. لأجل هذا قدمت التقارير اليومية، وفي حالة المواطنين الذين لم تتوفر أي معلومات عن ارتكابهم لأي فعل معارض، قدمت اقتراحات لإطلاق سراحهم، وأما أولئك الذين تم نقلهم بعد ذلك للفرع 285، فذلك كان بطبيعة الحال قرار توفيق يونس.

مارس حافظ مخلوف والعاملين لديه نفوذًا واسعًا في دمشق وضواحيها، وحتى على أولئك الذين كُلِّفوا بمهام أخرى في أفرع أمنية أخرى. استغل قوته وتأثيره الكبيرين، وبذلك تم القبض على عدد كبير من الأشخاص وتعذيبهم ونُقلوا بعد ذلك إلى الخطيب وهم مصابون. برز أيضٍا اسم المقدم باسل.ح، الذي كان يستقبل المعتقلين بالضرب والتعذيب وهذا ما سُمِّي “حفلة الاستقبال”. المقدم باسل كان رئيس فرع الطلاب قبل الثورة، ثم أصبح رئيسًا لقسم الأمن، وقد اعتقل بالفعل عدداً كبيراً من الطلاب الذين شاركوا في المظاهرات أو تعاطفوا معها. في إحدى المرات منعته من الضرب، فقام بإخبار رئيس الفرع الذي قال لي بدوره أنهم جميعهم إرهابيون. كانت تلك رسالة واضحة لي.

في بداية عام 2011 اتصل بي رئيس الفرع توفيق يونس وقال أن الناس في الحولة خرجوا في تظاهرات ووصل عددهم إلى خمسين ألف شخص واتهمهم جميعًا بالخيانة. قلت له أن الموضوع يحتاج الى لجان مصالحة محلية لمعرفة مطالب الناس فأجابني بأنه لا حاجة لأي لجان، وكرر: “هؤلاء خونة! إذهب الى مكتبك!” هذا كله حصل بحضور الضابط كمال.أ الذي لم يتفوه بأي كلمة. بعد التفكير في الأمر وتحليل الموقف، تبين لي أني اُعتَبرُ في عداد الخونة أيضاً، وهنا تشكلت لدي قناعة أنني يجب أن أنشق لأن ذلك كان تهديدًا وتساؤلًا واضحًا يتعلق بولائي.

في وقت لاحق، أُنشِئَت خلية دمشق التي ضمت قوات الحرس الجمهوري بالتعاون مع الفرقة الرابعة وورئيس فرع الخطيب آنذاك العميد توفيق يونس والعميد محمد خضور، العميد عصام زهر الدين، والعميد علي نيوف، والعقيد علي محمد من الفرقة الرابعة. صلة الوصل معهم بالفرع كان المقدم عبد المنعم النعسان. على مدى شهر ونصف، اعتقلت هذه القوات أعداداً كبيرة من المواطنين في دوما وحرستا والزبداني ومحيطها. الاعتقالات كانت تعسفية وتم القبض على الأشخاص ببساطة من الشوارع والساحات. خلال عرض التقارير اليومية على رئيس الفرع، أخبرته مرتين أن السجن لا يتسع لكل هذا العدد! في المرة الثالثة التي أخبرته بذلك طلب مني أن أصمت.

كانت اللجنة تجتمع كل يوم مساًء بإشراف رئيس فرع الخطيب، وكان المقدم عبد المنعم النعسان يزودهم بأسماء مناطق فيها معارضون، في اليوم التالي كانوا يقصفون تلك المناطق بناًء على المعلومات المقدمة. حينها حاولت الانشقاق لكني لم أستطع، ولكن من خلال العمل المشترك مع لجان التنسيق المحلية استطعت بالفعل مساعدة الكثيرين.

بتاريخ 02.05.2011 جاء العميد محمد خضور إلى الفرع وبعد ذلك أخبرني موظف لدى أحمد نوح عبر الهاتف أن هناك استجواب لشخص من عائلة القوتلي. نزلت إلى الطابق السفلي من السجن وقيل لي حينها أن رئيس الفرع هو من وافق على ذلك، أي توفيق يونس، وقال أنه استجوابه سيُقاد من موظفين من قسم الأربعين. طلبت القوتلي وسألته بعض الأسئلة منها صلة قرابته برئيس سوريا السابق شكري القوتلي، وتحدثنا أيضاً عن عائلته. بعدها بدأ خضور بالتحقيق معه بطريقة وحشية، حتى الرئيس السابق شكري القوتلي لم يسلم من شتائمه وإهاناته. أخذت خضور جانباً وقلت له إن ذلك لا يصح، لكنه أجابني أن التعليمات لا لُبس فيها! عدت إلى مكتبي بعد ذلك. بعدها جاء أحمد نوح وأحمد عبد الله من القسم أربعين واستمروا باستجوابه. اتصلت برئيس القسم الذي كان في دوما وسألته ما إذا كان هذا مشروعًا، فأجابني: “نعم، ويجب إجراء الاستجواب وإرسال النتائج لاحقًا”.

بعد ذلك الوقت لم يعد هناك ما يشار إليه كوظيفة رئيس قسم التحقيق، ولم يعد التحقيق مقتصرًا على قسم التحقيق، كان السجن مفتوحاً وكذلك الاستجواب لأٍّي كان، بمعنى آخر، لم يعد الوصول مُقيداً بفريق التحقيق.

بداية العام 2011 دخل ضابطان إلى المكتب وأخبراني أن مندوبي الحرس الجمهوري قد اشتكوا مني لأنني أحبطت جهودهم بإفراجي عن المعتقلين. في مساء ذات اليوم استدعاني رئيس الفرع توفيق يونس وكان المقدم عبد المنعم نعسان والعميد محمد خضور حاضرين حينها وتكلم معي بهذا الشأن، ثم قرر إعادة الهيكلة. لم يعد هناك رئيس حقيقي لقسم التحقيق، بل أصبح سبع ضباط مسؤولين عن التحقيق بالفرع، كل ضابط يتصرف كرئيس فيما يتعلق بتحقيقاته. اقتصر دوري حينها على فحص بعض النتائج، وفي هذا الهامش الضيق الذي كان متاحاً لي كنت أحاول مساعدة الناس. وفي كل مساء كان يلتقي عبد المنعم النعسان رؤساء وأعضاء اللجنة ويطلعهم على نتائج التحقيقات ويزودهم بمعلومات وبأسماء الناشطين وأماكن المشافي الميدانية والعاملين بها، ثم يوقع باسمه على مذكرات الاعتقال ويرفعون الأسماء والأماكن ليتم استهدافها بالمدفعية، وكان لدى النعسان اتصال لاسلكي مباشر معهم لتصحيح الأهداف. كان توفيق يونس يصطحب معه عمر شنان إلى الزبداني في عمليات أمنية، نُقِلَ من صدرت بحقه مذكرة توقيف إلى فرع الخطيب، كما شهد شرق وغرب دمشق عدة حملات عسكرية وأمنية. أمرنا حينها رئيس الفرع، بأن نقوم أنا والنعسان بمهام الفرع عندما يكون هو بمهمة ميدانية في الخارج. قُسِّم المعتقلون إلى  فئتين: الأولى هم المسلحون، والثانية مستشفيات ميدانية، تمويل، ونشطاء. تولى النعسان أمر التحقيق مع المعتقلين وكان يتهمهم بالتمويل والتحريض، وبمساعدة ضابطين اثنين يقومون بتعذيب المعتقلين ليلًا ونهارًا، ثم يرفع النعسان أسماء ومذكرات الاعتقال إلى رئيس الفرع دون الرجوع إلي. في ذات الوقت كان القسم أربعين يُحضر معتقلين أيضًا. سمعت أصوات الصراخ والتعذيب، اتصلت بالسجن وسألت عن طبيعة وسبب الصراخ، فقيل لي أن المقدم محمد عبد الله استجوب وعذَّب أربعين شخصاً تم اعتقالهم للتو.

خلال هذا الوقت، اقتحم الجيش الحولة، اعتقد كان ذلك في شهر آب لعام 2011، حينها وصلتني أخبار عن قصف مدفعي وقتل واستهداف جماعي، أصيب وقُتل الكثيرون خلال ثلاثة أيام فقط. أعلمني والدي أيضًا بمقتل أحد أقربائي وكان عمره 20 عاماً، وحفيد شقيقتي البالغ 10 أعوام. قلت له أنني سوف آتي إلى القرية، لكنه طلب مني ألَّا آتي بسبب وجود مسلحين في القرية.

وفي بداية العام الجديد 2012، اعتقل القسم أربعين الكثير من الزبداني وترافق ذلك مع اعتقال فرع الخطيب للكثير من الناس أيضاً حيث بلغ العدد قرابة الـ 200 معتقل. طُلِبَ مني التحقيق معهم وإصدار الأحكام وإبلاغ النتائج عبر الهاتف. وجدت حينها أن أكثر من 170 معتقلاً منهم لا علاقة لهم بالمعارضة، كان من بينهم نساء أيضاً، 30 شخصاً منهم كان لهم علاقة بتهم جنائية مثل المخدرات أو المشاركة في المظاهرات. أبلغت رئيس الفرع بالنتائج الأولية للتحقيق، فطلب مني تدوينها وإعطائها لمدير مكتبه وبالفعل وافق على إخلاء سبيل 170 معتقل وتوقيف 30 آخرين ونقلهم إلى الفرع 285 لاستكمال التحقيق. لقد طلبت من الجميع عدم الاعتداء على أي شخص بالضرب.

بعد يوم أو يومين، استدعاني رئيس الفرع توفيق يونس وقال لي أن حافظ مخلوف اتصل به وقال له أنني أُخلي سبيل الإرهابيين الموقوفين، فأحضرت له ملفاتهم وعرضتها جميعها عليه حتى طلب مني التوقف وتشكلت لديه قناعة. حينها اتصل بحافظ مخلوف وانتظرته ريثما شرح له كل شيء. بعدما أنهى المكالمة أخبرني أنني في مرمى العاصفة لأن مخلوف لم يقتنع وسيحقق بالأمر، وسيتعين علي الإجابة فيما إذا كان هناك أي معلومات عن تورط أحد ممن أُخلِيَ سبيله بشيء ما فعلاً. بعدها تقدمت بطلب نقل  إلى وزارة الداخلية سلمت نسخة منه إلى المحكمة، وفيه:

الجمهورية العربية السورية_  الفرع 251

طلب إنهاء مهمة مقدمة إلى السيد اللواء

من العقيد أنور عباس رسلان مرتبات الفرع 251، أطلب موافقتكم على إنهاء انتدابي في الفرع 251 وإعادتي مرة أخرى إلى وزارة الداخلية، إذا كان هذا لايتعارض مع إرادة الإدراة.

عندما قرأ طلبي نظر إلي وقال: “ابقَ في مكتبك وتابع فحصك للملاحظات حتى تنجلي هذه الأزمة، كل شيٍء في أوانه”. حينها أرسلت زوج ابنتي إلى الزبداني حيث يوجد من يعمل مع الجيش الحر وطلبت منه مساعدتي وعائلتي بالهروب إلى خارج سورية. في هذا الوقت وقعت المجزرة الأولى في الحولة بتاريخ 25.05.2012، قُتل الرجال والنساء والأطفال ذبحًا وطعنًا بإعدامٍ ميداني. كان الأهالي قد تعرفوا على بعض عناصر الميليشيات من القرى المجاورة وهم علويون وشيعة. بعد يومين طلبني رئيس الفرع توفيق يونس وكان عنده في المكتب أحد مراسلي الوكالة الروسية مع مترجم، وطلب مني رئيس الفرع إجراء لقاء مع الوكالة الروسية. تهرَّبت حينها بحجة أنني لم أكن حاضرًا بنفسي ولا أعرف شيئًا عن ذلك ولم يتصل بي أحدٌ من أقاربي. كان المطلوب مني أن أقول أن الإرهابيين هم من قاموا بالمذبحة، وحين أصرَّيت على عدم إجراء هذه المقابلة ، قال لي رئيس الفرع توفيق يونس بأن أوراقي كُلها كُشفت وكلها محروقة، ثم طلب مني أن أذهب إلى مكتبي.

بعد وقت قصير اتصلت بعدنان. ص وأخبرته أنني أريد أن آتي إليهم، “أي لجنة الحرستا”. طاردته أجهزة الأمن وعلِمت فيما بعد أنه فرَّ إلى مصر. إنه يعرف موقفي السلبي تجاه الطريقة التي تعامل بها النظام مع المظاهرات التي كانت تحدث في حرستا منذ بداية الثورة، لقد ساعدته من خلال مساعدتي بإطلاق سراح المعتقلين من هناك.

بداية العام 2012 لم يعد هناك الكثير من المظاهرات السلمية، بل تحولت إلى حرب أهلية مسلحة.

يجب أن أؤكد لكم أيها القضاة، أنني لم أصدر أمرًا واحدًا بالتعذيب أو استخدام العنف أو إساءة معاملة أحد السجناء. سوء المعاملة في الخطيب ارتكبها عبد المنعم النعسان وضباط من قسم الأربعين وكذلك أحمد نوح ومساعدوه، كما شارك مدير السجن وثلاثة من موظفيه في ذلك. مما لا لُبس فيه أن الدوافع كانت ذات طبيعة طائفية، أراد كل منهم أن يتماهى مع إرادة شخصين هما توفيق يونس وحافظ مخلوف، إنهما المسؤولان عن كل شيء. أؤكد أنني لم أشارك في أي حملة اعتقال لأي شخص في المظاهرات، أو أي مهمة خارج الفرع 251.

أولاً: بالنسبة لموضوع القتلى

1- فبعد مشاركة الحرس الجمهوري بقمع المظاهرات، قاموا بإحضار شخص ميت، وطلبوا الدكتور أيمن .ن الذي قام بإسعاف الشخص إلى المشفى القريب من فرع الخطيب. توفي الشخص بسبب النزيف بعد أن ضربه عناصر من الحرس الجمهوري على رأسه.
2- بعد حادثة جسر الشعور أحضر الحرس الجمهوري شخصاً من حرستا عمره 45 عامًا، كان محمولًا على نقالة ولاحظتُ وجود كسرٍ في قدمه اليسرى. سألته من فعل بك ذلك؟ فأجاب: “العقيد صالح فعل بي ذلك على حاجز المشفى انتقامًا لقريبه”. أُسعِف الشخص إلى مشفى الهلال الأحمر وتوفي نتيجة فقدان الدم . أبلغت رئيس الفرع بذلك ، فطلب مني أن ألتزم الصمت.
3- في نيسان 2012 أحضر الضابط محمد عبد الله جثة إلى فرع الخطيب، وهي جثة شخص مصاب بطلق ناري خلال مشاركة الجيش بحملة في منطقة يبرود. أُرسِل إلى مشفى الهلال الاحمر وتم فحص الجثة وتأكيد الوفاة.
4- في صباح أحد الأيام، أحضر المقدم يوسف إبراهيم شخصًا من منطقة السيدة زينب إلى ساحة فرع الخطيب وكان لديه نزيفٌ في الفم والأنف. أُسعف إلى مشفى الهلال الأحمر وتوفي بعد نصف ساعة. بعد التقصِّي عن الموضوع علمت أن المقدم يوسف إبراهيم ومعاونيه ضربوه تعسفيًا في محله وسرقوا منه مبلغًا وقدره مليون ونصف. أعلمت رئيس الفرع توفيق يونس وطلب مني أيضًا أن ألتزم الصمت.
5- لاحقًا أثناء عملي، الذي اقتصر على فحص جزءٍ من نتائج التحقيقات، كثيرًا ما سمعت من سجناء أتوا إلى الخطيب أنه قد تم استجوابهم من قبل النعسان أو ضباط آخرين من قسم الأربعين. لقد عملوا بشكل مستقل ولم يقدموا نتائجهم إلي، بل تم تسليمها مباشرة إلى يونس ومخلوف، اللذين وقعا عليها.

ثانياً:

لابد من التوضيح أن كل الاشياء التي حصلت في الفرع هي بسبب الأعداد الكبيرة للمعتقلين، حيث وضع في الفرع أضعاف الطاقة الاستيعابية له، ما أدى إلى سوء التغذية وسوء الظروف الصحيَّة. كما قام طبيب الفرع أيمن ن. بتعذيبهم ووصفهم بالإرهابيين مثله في ذلك مثل الضباط والجنود والسبب طائفي. كما ساهم في سوء المعاملة مدير السجن وموظفوه بدوافع واهية. وسواءً وافقت أم لم أوافق، فلم يكن باستطاعتي فعل أي شيء حيال ذلك.

كما أظهرت لكم بعض البيانات هنا، فالمسؤول عن كل الفرع هما توفيق يونس وحافظ مخلوف، كانوا يعتزمون إيذاء المعتقلين من أجل تدمير المعارضة التي اعتبروها عدوًا للنظام. وهم أيضاً الذين نفذوا الاعتقالات الجماعية مع مندوبي الحرس الجمهوري.

ثالثاً:

على الرغم من أن القانون ينص على حظر البوح بأسماء المعتقلين أو العمليات التي تتطلب ذلك،

إلا أنني كنت أُبلغ الناس بأسماء المعتقلين، وحين أُلغِي قانون الطوارئ واستُبدِل بقانون الإرهاب، تم إعداد وإرسال قوائم بأسماء المعتقلين إلى المدعي العام الأول. ومنذ ذلك الحين أصبح بإمكان أقارب المعتقلين مراجعة المدعي العام وتقديم طلب لزيارة أقاربهم.

إن ارتكاب الجريمة بحسب القانون السوري ينص على توفر ثلاث عناصر فيها:
* الإرادة والنية بارتكاب الجريمة.

* الركن المادي وهو حالة الجريمة.

* وقوع الفعل وهو القتل.

يجب أن يكون هناك علاقة سببية بين إرادة الجريمة والنجاح بالقيام بها، وإذا عدنا إلى من يملك السلطة، فالمسؤولية تقع عليهم لأنهم من يصدرون الأوامر بالقتل والتعذيب أو ينفذون الأوامر.

أنا لم أصدر الأوامر بالقتل أو التعذيب، بالعكس تمامًا، حاولت المساعدة، ولم يكن لدي أي سلطة على الضباط الذين فعلوا ذلك. الانتهاكات التي كانت تحصل كانت بسبب الضباط الآخرين، وحين قام الضابط محمد عبد الله وآخرون من الضباط بالتعذيب وسمعت أصوات الصراخ اتصلت لأستفهم عن الموضوع، لكن طُلب مني أن ألتزم الصمت.

فيما يخص حافظ مخلوف ، كان سلوكه حتى عام 2014 يُزعج قادة الأجهزة الأمنية المعتادة، وحين خسر الجيش الاشتباكات في الغوطة، عُزل حافظ مخلوف لأنه كان سبب خسارة الجيش. حصلت على هذه المعلومة من المعارضة.

لابد من الإشارة إلى أنه من غير المسموح دخول عناصر أو ضباط من أفرع أخرى إلى فرع الخطيب للتحقيق أو لأي سبب آخر، ولم يحدث ذلك إلا بعد أن تولى حافظ مخلوف مهامه في إدارة أمن الدولة، وخضع لذلك أيضاً رئيس فرع الخطيب.

أما بالنسبة لدوافعي، فقد جاء سجناء سابقون كشهود إلى هنا وأكدوا أنني ساعدتهم وأوضحت لبعضهم أنني غير راضٍ عن الاعتقالات والانتهاكات، من بينهم: أ.ق، رياض سيف، الصحفي رويتر، ل.م، ر.ي، خ.ر، عبد الناصر العايد، ن.ع، ز.ط، و زياد.ب. كانت دوافع انشقاقي نبيلة، لقد تخليت عن كل شيء ورميت وراء ظهري 26 عامًا من العمل والكثير من الميراث الذي لم يكن ليحصل عليه أي شخص، وكل ذلك مقابل ألا يصاب أحد بالأذى. لم أرغب في أن أكون السبب في إصابة السجناء أو سفك دمائهم. استشهد سبعة من أقاربي، اثنان منهم داخل السجون، كما فقدت حفيدي الذي يبلغ 10 سنوات من العمرلأن النظام قتل بلا رحمة كل من نزل إلى الشوارع، بغض النظر عما إذا كان صغيرًا في العمر أم كبيرًا.

في أواخر شهر رمضان 2012 أحضر أحد الضباط الكثير من المعتقلين من منطقة الزبداني، كلهم تعرضوا لإصابات شديدة. عندما نظرت في ملفاتهم وجدت أنهم لم  يكونوا مطلوبين ولم يكن هناك مهمة رسمية بخصوص ذلك. لقد حاولت تحرِّي الأمر، لكن لم يكن هناك ردود رسمية لتعييني بشكل رسمي لأتحقق من ذلك.

كنت عضوًا في هذه اللجنة مثل الآخرين. لم يكتب تحت اسمي رئيس فرع التحقيق، وإنما فقط العميد أنور رسلان. بعد ذلك قمت بالانشقاق.

للأسف بسبب الظروف، لم يتمكن بعض السوريين من الحضور كشهود أمام المحكمة، منهم من كان في الفرع آنذاك وعمل معي في فرع الخطيب، منهم ع.ص، ف.ص، خ.ك. ولو قدر لهم حضور المحكمة لأخبروكم  كيف خاطرت بحياتي وساعدت الناس وحاولت تخفيف معاناتهم. بالطبع لم أكن أستطيع التأثيرعلى من هم أعلى رتبًة مني مثل توفيق يونس أو حافظ مخلوف. لم يكن من الطبيعي أن أخاطر بموقفي الواضح. فبعد اندلاع الثورة وصلت إلى مرحلة لم يعد لدي فيها أي نفوذ، لأنني كنت ضد مجرمين اثنين، يونس ومخلوف، وكنت محسوبًا على المعارضة  فقط لأنني أنتمي لمنطقة معارِضة كما ذكرت.

رسالتي هذه أتوجه بها إلى الشعب السوري كله. أنا آسف كل الأسف لأنني لم أستطع مساعدتكم أكثر من ذلك! ولم أستطع أن أمنع آلة القتل. منذ البداية كان لدي موقف سلبي تجاه إذلال هذا الشعب العظيم، لأنني أنتمي إلى هذا الشعب، أشاركهم مشاعرهم ومعاناتهم، ومن بين الضحايا أنا وعائلتي التي أعيلها. فقدت اثنين في سجون الأمن العسكري، فقدت حفيدي البالغ من العمر عشرة أعوام برصاصة من مدفع رشاش أصابت رأسه، وفقدت أربعة آخرين ماتوا بهجمات المدافع. كانت أخبار الوفاة التي وصلتني إلى مكتبي مؤلمة، ولهذا السبب أشهرت موقفي حتى أمام بعض المعتقلين وخاطرت وقدمت ما أستطيع تقديمه حتى أتيحت لي الفرصة للانشقاق. تركت العمل ورائي وألقيت كل سني التعب وراء ظهري كي لا أكون أداة قتلٍ واعتداءٍ مثل الآخرين. حتى يومنا هذا أسمع من شمال سورية عن قتل الأطفال والنساء.

أنا على وشك بلوغ الستين من العمر ومحتجزٌ منذ ثلاث سنوات، بدأت الأمراض المزمنة تنهش جسدي، والغربةُ والبعد عن الأقارب والأحفاد والأطفال أرهقني، لهذا كل ما أطلبه من المحكمة هو الحكم العادل!.

إن الإنصاف في تطبيق القانون لا يدع مجالًا للشك أو التأويل، جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “‏مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً.” صدق الله العظيم

الكثير من المعتقلين الذين ساعدتهم في تلك الأوقات الخطرة، كان من الممكن أن يكونوا مجرد صور في ملف قيصر، لولا أنني ساعدتهم. مهما كان قرار المحكمة، سأقبل حكم مجلس الشيوخ الأعلى، لأنني أؤمن بالقانون والعدالة الألمانية.

ــــــــــ

بعد أن انتهى المترجم من تلاوة تصريح المتهم، توجهت القاضية كيربر بسؤال المتهم مباشرًة إن كانت تلك كلماته بالفعل أم لا وطلبت منه أن يجيب بنفسه عن ذلك، فقال المتهم رسلان بصوته: “نعم”. وكانت هذه الكلمة الوحيدة التي صدرت عنه شخصيًّا.

بعد ذلك انتهت الجلسة بإشارة هيئة القضاة إلى أن جلسة الثاني عشر من الشهر الحالي ستُلغى، وإن سار كل شيء كما هو متوقع، فستكون جلسة الثالث عشر من الشهر الحالي/كانون الثاني هي جلسة النطق بالحكم تمام الساعة العاشرة صباحًا. أكدت السيدة كيربر أنه سيتم الإعلان وتأكيد ذلك قبل مدة زمنية كافية، وقالت بأن النطق بالحكم سيكون بالألمانية مع ترجمة متزامنة للعربية متاحة للجمهور، وبعد ذلك سيُعقد مؤتمرٌ صحفي في الباحة الخلفية للمحكمة.