*الدراسات والأبحاثالمكتبة القانونية

“الجوع أو الركوع”

استخدام الحصار و التجويع كسلاح حرب في جنوب دمشق

  1. يقدم هذا البحث تحليلًا لاستخدام الحصار والتجويع ضد السكان المدنيين في كل من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين و جنوب دمشق، اللذين تم حصارهما خلال الفترة ما بين مطلع عام 2013 حتى آذار 2014 عندما بدأ رفع الحصار جزئيًا، وذلك من خلال المقابلات وإفادات الشهود التي تم إجراؤها بغرض التحقيق في جرائم الحرب المحتملة. وهو يعرض بالتفصيل التدهور المتصاعد في ظروف الحياة نتيجة الحصار والتأثير المباشر لذلك على السكان المدنيين، وذلك بغرض دعم التحقيقات وجهود المساءلة المحتملة مستقبلًا من خلال إتاحة فهم أعمق للحصار والمجاعة في هذه المنطقة.
  2. في 16 كانون الأول/ديسمبر 2012، نفذت طائرة حربية تابعة للنظام السوري غارات استهدفت أهدافاً مدنية في مخيم اليرموك، بما في ذلك مستشفى وأربع مدارس (اثنتان منها كانتا تستخدمان ملاجئًا لإيواء النازحين) ، و كذلك استهدفت مسجد عبد القادر الحسيني. وقد أدّت تلك الغارات إلى فرار 140 ألف شخص من مخيم اليرموك، و تُعتَبر هذه الغارات نقطة البداية لما عُرِفَ بحصار اليرموك و جنوب دمشق.
  3. بدايةً، تم إغلاق جنوب دمشق جزئيًا من خلال إنشاء و/أو تعزيز الحواجز المحيطة بالمنطقة ، مثل حاجز الريجة عند المدخل الشمالي لليرموك، و حاجز السبينة ، و حاجز ببيلا /سيدي مقداد، و حاجز حول الحسينية/عقربا.
  4. في مطلع عام 2013، بدأت الحواجز تحدّ من حرية التنقل من و إلى جنوب دمشق. بدايةً، لم يكن يسمح  بالدخول والخروج من وإلى جنوب دمشق المحاصر سوى لعدد قليل من المدنيين/ات (معظمهم من النساء وكبار السن). وكان يُسمح بإدخال كميات محدودة من المواد الغذائية عبر الحواجز، لكنها لم تكن كافية لتلبية احتياجات المجتمعات المحلية. وتم الإبلاغ عن حالات اعتقال تعسفي و/أو اختفاء قسري على الحواجز خلال هذه الفترة.
  5. في نيسان/أبريل 2013 تقريبًا، قطع النظام السوري التيّار الكهربائي عن جنوب دمشق، مما أجبر السكان المحليين المحاصرين الاعتماد على المولدات، الّتي كان تشغيلها مكلفًا ، إضافةً إلى أنّ إنتاجيتها لم تكن كافية لتلبية احتياجاتهم اليومية. وقد أثّر نقص إمدادات الطاقة بشكل مباشر على عمل المرافق الصحيّة القليلة العاملة في المنطقة المحاصرة، خاصّةً في ظل التدفق المستمر لضحايا قناصة النّظام والقصف البرّي والجوّي واستنزاف المدنيين/ات.
  6. في يوليو/تموز 2013 تم منع الدخول والخروج من وإلى المنطقة كلّياً. وتم إحكام الحصار من خلال الحواجز المدعومة بالقناصة لمنع السكان المحليين من الاقتراب، فضلًا عن الخطوط العسكرية الأمامية التي كانت تشهد أعمالًا عدائية نشطة. يشار إلى هذه الفترة من الحصار من قبل السكان المحليين و المشاركين/ات في البحث بالحصار الكامل أو ” الحصار الخانق”.  وقد أوضح/ت هؤلاء أن مرحلة “الحصار الخانق” كانت مصحوبة بالقصف المستمر واستهداف المشافي، وهو ما يؤكده تقرير منظمة العفو الدولية حول حصار اليرموك. 6 وقد وجد المدنيون/ات الذين/اللواتي  أصيبوا/أُصبن  نتيجة القصف أنفسهم/ن غير قادرين/ات على الوصول إلى الرعاية الصحيّة اللازمة، بسبب البنية التحتية الصحيّة المدمّرة في المنطقة وشحّ الأدوية والإمدادات الصحيّة.
  7. من بين الجماعات التي نفذّت حصار جنوب دمشق، فصائل مسلحة يرجّح عملها بشكل مباشر أو غير مباشر لصالح النظام السوري، أو بالتعاون معه على الحدود الشمالية لموقع لحصار، وكذلك حدوده الشرقية والجنوبية. كان حاجز الريجة عند المدخل الشمالي لليرموك خاضعاً لسيطرة فصيلين فلسطينيين محليين، الجبهة الشّعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، تحت قيادة أحمد جبريل، و حركة فلسطين حُرّة بقيادة ياسر قشلاق. و هو الأمر الذي أكدته مؤخراً محكمة ألمانية في حكم يتعلق بارتكاب جرائم حرب على حاجز شارك في تنفيذ فرض الحصار. وقد  ورد في الحكم المذكور ما يشير إلى وجود شكوك قوية حول تعاون هذه الميليشيات مع أحد فروع المخابرات السورية وهو فرع فلسطين.
  8.  تشير المقابلات مع المشاركين/ات في البحث، بالإضافة إلى مصادر أخرى إلى أن الحدود الخارجية لببيلا وبيت سحم ويلدا (باتجاه السيدة زينب) كانت على الأرجح تحت سيطرة الميليشيات الشيعية المحلية التي يُعتَقَد أنها عملت  بالتعاون مع قوات النظام ولكن ليس تحت سيطرتها المباشرة..        
  9. وفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن أول حالة وفاة أُبلِغَ عنها نتيجة سوء التغذية الناجم عن حصار اليرموك حدثت في أغسطس/آب 2013. 10 بعدها أصبحت الوفاة نتيجة سوء التغذية أمرًا شائعًا بشكل متزايد بين أكتوبر/تشرين الأول 2013 ويناير/كانون الثاني 2014 11  وقد وثّقت منظمة العفو الدولية مقتل 194 شخصاً في مخيم اليرموك وحده في الفترة بين يوليو/تموز 2013 وفبراير/شباط 2014.  وبحسب المنظمّة كانت الأسباب الثلاثة الرئيسية للوفاة حينها  هي: الجوع، ونقص الرعاية الصحيّة ، و الإصابة بنيران  القناصة. في اليرموك كانت نتائج الحصار أكثر حدّةً ،  بسبب الطبيعة السكنية للحي، مما زاد من معاناة ساكنيه،  مقارنة بالمناطق المحاصرة  الأخرى و التي كان  لديها  إمكانية الوصول إلى الأراضي أو المرافق الزراعية. إلا أن الوضع تفاقم في المنطقة المحاصرة برمتها مع بداية فصل الشتاء بسبب قلة توفر المحاصيل  الزراعية في ذلك الوقت من السنة.  مع الإشارة إلى أنّه في البلدات التي كان لديها إمكانية  الوصول إلى أراضٍ مزروعة ، استهدف القناصة في بعض الأحيان المزارعين وغيرهم من المدنيين/ات الذين/اللواتي  كانوا/كُنّ يبحثون/تبحثن عما يأكلون
  10. بدأ الحصار الكُلّي بالانحسار و التّراجع في يناير/ كانون الثاني 2014، عندما تم التوصل إلى اتفاقات محلية تسمح بدخول المواد الغذائية إلى بلدة أو مجموعة بلدات. و قد عُرِفَتْ مجموعات السكان المحليين التي عَمِلَتْ على التوصل إلى هذه الاتفاقات مع النظام السوري بـ: لجان المصالحة، وكان هدفها الأساسي فتح معابر إنسانية لتمكين المدنيين /ات من مغادرة جنوب دمشق المحاصر. في يناير/ كانون الثاني 2014 تمكنت بلدات ببيلا وبيت سحم ويلدا من التوصل إلى اتفاق سمح بدخول  كميات محدودة من المواد الغذائية إليها. و توصل اليرموك إلى اتفاق منفصل في يناير/ كانون الثاني 2014، و لاحِقًا  مكنّ هذا الاتفاق السكان المحليين الذين  كانوا يعانون  من مشاكل صحية، الخروج من المنطقة المحاصرة لتلقي العلاج، كما أتاح دخول كميات محدودة من صناديق الغذاء التابعة للأونروا. وتُشير المقابلات أن الغذاء لم يكن متوفرًا بكميات كافية لتلبية احتياجات السكان المحليين المحاصرين حتّى حلول شهر مارس/آذار 2014
  11. علاوةً على ذلك، رافق عملية المفاوضات بهدف فتح ممرات إنسانية للمدنيين/ات المحاصرين/ات و كذلك عملية تنفيذ هذه الاتفاقات العديد من المجازر، و سواها من حالات العنف المحتملة  ضدهم/هن، و التي قيل  أنها وقعت  عند الحواجز،  و في الجبهات التي كانت تسيطر فعليًا على المنطقة المحاصرة  قبل عقد اتفاقات المصالحة.
  12. بتاريخ 23 آذار/مارس 2014، وقعت أحداث قضية موفق د. و ذلك أثناء توزيع المساعدات الإنسانية (حصص الأونروا الإنسانية) على المدنيين/ات عند حاجز الريجة الواقع عند المدخل الشمالي لليرموك. و أُدين المتهم  موفق د.  بارتكاب أربع جرائم قتل ، و جريمتي شروع  في القتل  بوصفها جرائم  حرب.  و قد ارتكب المذكور الجرائم المنسوبة إليه عمدًا، بإلقائه   قنبلة يدوية على مجموعة من المدنيين /ات الذين/اللواتي كانوا/كُنَّ يقفون/تقفن  منتظرين/ات دورهم/نَّ  للحصول على صناديق المساعدات. ويكتسب الحكم الألماني أهمية تتجاوز إدانة موفق د. تتمثّل في تأكيده على مسؤولية الفصائل الفلسطينية المرتبطة بالنظام السوري في تنفيذ فرض الحصار على اليرموك، والإشارة كذلك إلى سياسة الحصار الأشمل التي انتهجها النظام السوري خلال هذه الفترة.