محكمة كوبلنتز

مرافعة محامي الدفاع الثاني عن المتهم رسلان، السيد بوكر: لقد حددت المحكمة بالفعل الظروف اللاإنسانية التي سادت في سوريا وليس لدينا رأي آخر حول ذلك،

لونا وطفة

بعد انتهاء مرافعة السيد فراتسكي، بدأت مرافعة محامي الدفاع الثاني عن المتهم رسلان، السيد بوكر بتاريخ 06.01.2022.

بدأ السيد بوكر بقوله بأنه لا يتحدث بإسم النظام السوري كمحامي دفاع، بل بإسم موكله فقط وهو رسلان الذي ولد ونشأ ومارس حياته المهنية في سورية، التي ستبقى موطنه حاله حال العديد من الأشخاص الذين جاؤوا إلى هذه المحاكمة كحضور أو صحافة أو شهود، إذ أن جميعهم عانى من ذات المصير المشترك في دولة ديكتاتورية. وأكد أن فريق الدفاع عن المتهم لم يكن هدفه مُطلقاً نفي جرائم نظام الأسد أو التستر عليها، بل هدفه الدفاع عن الناس فقط.

واعتبر السيد بوكر، بصفته مواطن ألماني، أن المشاركة في هذه المحاكمة وخاصة مع خلفية تاريخ جمهورية ألمانيا الديمقراطية DDR والرايخ الثالث، علّمته أن يكون متواضعاً، لأن الحظ والقدر العظيم مكّنه من العيش في دولة دستورية، حيث للمتهم رسلان الحرية في الدفاع عن نفسه، وأضاف: “يمكننا أن نكون سعداء للغاية بذلك، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا وللمجتمع السوري الموجود هنا. لقد حددت المحكمة بالفعل الظروف اللاإنسانية التي سادت في سوريا وليس لدينا رأي آخر حول ذلك، إلا أن الموضوع الأساسي لهذه المحاكمة هو مسألة ما إذا كان رسلان قد جعل نفسه عرضة للملاحقة القانونية في هذا السياق وكيف. بماذا أدان رسلان نفسه جنائياً؟ هل يجب على المرء أن يفترض أن مزاعم المدعين قد تم تأكيدها؟ هل كان المتهم لحين مغادرته منصبه بتاريخ 07.12.2012 موظفاً حكومياً يأمر بالتعذيب أو يتحمل مسؤولية ذلك؟ أم هل قرر التوقف عن كونه مجرماً عندما قرر الانشقاق؟ أم كان قراراً سابقاً اتخذه قبل يوم انشقاقه؟ من كان هو فعلاً وماذا فعل؟”.

بعد هذه المقدمة، قال السيد بوكر أن الأدلة المعروضة في هذه المحاكمة يتم تقديمها بعد عشر سنوات من وقت ارتكاب الجريمة، وعلى مسافة 3900 كم من مسرحها حيث ارتكبت، ولا يمكن لأي طرف من أطراف الدعوى الوصول إليها. إلا أن موكله قدَّم معلومات بشكل طوعي منذ مدة طويلة، مرة عام 2015 عندما تقدم بالشكوى الجنائية، ومرة أخرى عام 2017 للشرطة  الاتحادية في قضية أخرى بولاية بادن فورتمبيرغ. لقد قدم المتهم معلومات عن أنشطته وشرح الطريقة العنيفة للاستجوابات في سورية، عن نفسه وعن عمله في سورية والخلفية التي أتى منها وفي أي نظام نشأ، وأكد أن موكله قدمها طواعية وبمصداقية ولم يتم دحض أي من تلك المعلومات، وأضاف بأن موكله أراد قول المزيد، لكن الضغط الزمني حال دون ذلك.

أكد السيد بوكر أن لا أحد في هذه القاعة يستطيع أن يضع نفسه مكان المتهم من موقعه بعد عام 2011، فالوضع في سورية اختلف كُليًّا حينها، ونقل عن موكله قوله سابقاً: “لقد علمت من محاميي عن مقال نشرته دير شبيغل عام 2019 تناول مدى قلق الناس من وجود عدد كبير من مقاتلي داعش في سجون سورية، الذين سيطلق سراحهم ويعودوا إلى ديارهم قريبًا. هذه بالضبط المخاوف التي كنت أُخبِر عنها حتى آذار 2011 عندما تغير كل شيء. في النهاية كان بإمكاني التماهي مع النظام حتى ذلك الحين، ولكن ليس بعد ذلك”. مؤكداً أن موكله كان من أفضل الذين درسوا القانون ووجد نفسه بعد عام 2011 في نظام جديد مختلف تماماً يتسم بتزايد عمليات الإرهاب والانتقام، وحاول بالفعل بداية نيسان 2011 أن يعترض للمسؤولين عن تصرفات الآخرين العنيفة لكن تم اتهامه، ووصف موكله أن حاول مساعدة السجناء قدر المستطاع، الأمر الذي أصبح أكثر صعوبة واستحالة لاحقاً، وانتهى في شهر حزيران عام 2011 بسبب سحب صلاحياته منه وتجميده.

“لقد نفذ قراره بعد ذلك بالانشقاق، لكن ليس دون عائلته. اهتمامه بعائلته له ما يبرره، ولم تكشف الأدلة أنه حصل على فرصة في وقت سابقٍ للانشقاق مع أسرته. لقد أثيرت شكوك حول سبب انشقاقه من قبيل أن النظام كان يتداعى وأنه اختار الجانب الرابح حينها، أو لربما هو جاسوس للنظام، أو لماذا ساعد شهوداً دون آخرين؟ ربما لأنهم ممثلين أو مشهورين أو فنانين. كل هذه الافتراضات لا يدعمها أي دليل. ماذا عن فرضية بسيطة مفادها أن الأشخاص الذين ساعدهم هم من أتيح له مساعدتهم؟ لا يمكن استنتاج الدوافع إلا على أساس اعتراف المتهم، وهو ما لم يدحضه”.

بعد ذلك أشار السيد بوكر أن الأدلة تؤكد اعتراف موكله بأن سلوكه كان مطابقاً لما واظب على قوله، أي أن أقواله حول نيته والمواقف التي اتخذها كانت صحيحة وليس العكس. لقد أدرك موكله كما قال أن وظيفته لا قيمة لها وأنه بالنسبة له لم يكن هناك مخرج لذلك قرر الانشقاق، وأن كل ما قيل عن أسباب الانشقاق هي مجرد تخمينات من الآخرين غير مدعومة بأدلة ولا يمكن أن تستند الإدانة إلى ذلك.

تطرَّق بعد ذلك السيد بوكر لملفات قيصر، ولم ينف أهميتها أبداً بل أثنى وثمًّن عمل البروفيسور رويتشلد في تفنيد صور الضحايا وإصاباتهم، وأكد أنها ذات قيمة إعلامية كبيرة ضد نظام الأسد، ولكنها برأيه لا تمت بصلة لهذه المحاكمة ولا تتعلق بفترة أو مكان ارتكاب الجريمة في سجن فرع الخطيب.

بدأ السيد بوكر بالتحدث عن الشهود وشهاداتهم، إلا أنه خلافاً لمهنيّة المحاميين، تناول الشهود بشخصياتهم ووصفهم بصفات غير لائقة، فقال عن أحدهم، وكان قد حضر بتاريخ 01.07.2020 أنه كان فظاً ومُحرجاً لجميع الشهود الذين جاؤوا إلى هذه المحاكمة وأرادوا أن يفعلوا شيئاً مهمًا، وهم من يكن لهم الاحترام. وقال بأن شهادة هذا الشاهد كانت كارثية ووجب توبيخه عدة مرات ليكون صادقاً!.

” كان الشهود الخبراء والوثائق وما إلى ذلك مثيرًا للاهتمام ولكنها ليست ذات صلة بمسألة الجرم”، بهذا الكلمات بدأ انتقاده أيضاً لبعض الشهود الألمان الذين شغلوا مناصب تقتضي معرفتهم لمعلومات أكثر إلا أن ذلك كان مخيبًا للأمل، فلم يعط أحد منهم تفسيراً واقعياً لدخول رسلان إلى ألمانيا بتأثير من أمريكا وألمانيا، ومن ثم قبول حق لجوئه وجميعهم تركوا علامات استفهام، بل كان ما قدموه معرفة قيمتها صفر بالنسبة له. ووصفهم بالخبراء الشباب عديمي الخبرة. وقال ختاماً: “لم يكن ما قيل ذا فائدة كبيرة لنا جميعًا، لكنه لم يكن ضارًا أيضًا”.

أحد المدعين السوريين الذين تحدث عنهم قال بأنه جاذبٌ فقط لوسائل الإعلام، والذي يتصرَّف بشكل مختلف تمامًا هنا في القاعة عن تصرفه أمام الكاميرا، وأضاف: “لم يعجبني أداؤه أمام الكاميرا، ولكن هذا يؤثر عليّ شخصياً فقط، لكن المهم أن هذا المدعي لم يكن لديه ذاكرة محددة عن رسلان”.

أكد السيد بوكر على ما أكد زميله السيد فراتسكي حول دور البني في هذه المحاكمة وتأثيره فيها، وقال بأن البني أراد بجدية تأكيد هوية المتهم من خلال اعتقال البني عام 2006 والذي لا علاقة له بالجرائم المنظورة في هذه المحاكمة، وأضاف: “إلى أي مدى استمر في العمل وراء الكواليس من أجل ذلك هو أمر لا يمكن إلا تخمينه”.

“وفاة معتقل )تم حجب الاسم( وأقوال الشاهد ح.م الذي ألقى باللوم على المتهم لا يمكن إثباتها بأي تصريح أو دليل. فعلٌ آخر أدى إلى الموت وهو أن سجين آخر أسقطه أرضاً”. أضاف السيد بوكر في سياق آخر لشاهدٍ آخر.

شاهدٌ آخر قال في معرض شهادته أنه يحاول تخيل الأحداث في رأسه ليستطيع إخبارها في استجواب الشرطة الجنائية، وعلَّق السيد بوكر على هذا بقوله: “لقد قال أنه تعرَّض للضرب، لكن عندما يقول أحدهم أنه يتخيل القصص فلا يمكن الاعتماد على شخصٍ مثله”.

شاهدٌ آخر حضر في الجلسة التسعين من هذه المحاكمة أكد رؤيته لرسلان من تحت عصابة العين، ولكن بوكر قال بأن الشاهد حينها كان مصابًا في عينه نتيجة التعذيب، ولذلك لا يمكن تستند نتائج المحاكمة على مثل هذه الشهادة.

أنهى السيد بوكر كلامه في هذه النقطة بتأكيد أن كل ما ورد هو قائمة بأسماء كثيرة لا يمكن أن يساهم بأي شيء في تحديد مسؤولية المتهم الجنائية.

اختتم السيد بوكر مرافعته ببعض شهود الدفاع الذين أثنوا على شخصية المتهم رسلان، واقتبس أقوالاً من شهاداتهم، أحدها كان للشاهد الذي ساعد المتهم بالانشقاق وأتى إلى المحكمة بتاريخ 04.11.2021، وكان مما قاله: “أنا أثق برسلان، لو أراد خداعي كان سيكلفني ذلك حياتي. لقد كان واضحاً بالنسبة لي عندما قلت لرسلان: أنا أحزم الحقائب لانشق. أنا أعرف أخلاقه، أنا أعرفه منذ عام 1992، أعرف من هو ومن أين أتى”.