محكمة كوبلنتز

مرافعة محامي الدفاع عن المتهم أنور رسلان السيد فراتسكي: لقد وقع الظلم في سوريا ويستمر كل يوم لأن الأسد لا يزال في السلطة!

لونا وطفة

بتاريخ 06.01.2022 تقدم فريق الدفاع عن المتهم بمرافعاته الأخيرة،

بدأ السيد فراتسكي، أحد محاميي الدفاع، بمرافعته التي استمرت قرابة الساعتين، وتحدث بداية عن الصعوبات التي واجهت هذه المحاكمة وأهمها جائحة الكورونا التي تزامنت مع انطلاقتها، وأشار أيضاً إلى عالمية هذه المحاكمة من حيث خضوعها لقانون لا يتعلق بمكان ارتكاب الجريمة ولا بجنسية المتهم، وأكد أنه ليس ممكناً التشكيك بجرائم النظام ولا يجب إنكار أهمية الملاحقة القضائية لمجرمي الحرب مرتكبي الانتهاكات ضد الإنسانية والتي ثبُت ارتكابها من قبل النظام السوري، لذلك لا يجب أن يعتقد هؤلاء المجرمين أنهم بمنأى عن المساءلة، وأضاف: “لقد وقع الظلم في سوريا ويستمر كل يوم لأن الأسد لا يزال في السلطة!”.

بادر بعد ذلك السيد فراتسكي إلى شرح فكرة المسؤولية الجنائية على الأفراد والمشاركة المباشرة وغير المباشرة بارتكاب الجرائم، ورأى أن تحديد هذه المشاركة بالنسبة لموكله هو ما يؤدي بطبيعة الحال للإدانة في حال ثبوتها، وأضاف: “السؤال هنا هو ما إذا كان يمكن تحميل رسلان المسؤولية عن نظام الأسد نيابة عن النظام؟”. ثم أكمل بأن ذلك لا يتماشى بالطبع مع العدالة لأنه لا يجب عقاب الأفراد لارتكاب جرائم جماعية مسؤول عنها النظام، بل يجب توضيح المسؤولية الشخصية.

“إلى أي مدى يمكن لموظفي النظام الإجرامي الشمولي الاعتراض على الجرائم في قبو الفرع الأمني؟ لايمكنهم ببساطة التقاط سماعة الهاتف عندما يحدث شيء من هذا القبيل وتقديم شكوى إلى رؤسائهم! هذا من شأنه أن يعرضهم وعائلاتهم لخطر كبير” أوضح السيد فراتسكي، وأضاف بأنه لا يمكن استنتاج ما إن كان رسلان بالفعل قادراً على الهرب دون عائلته، ومع ذلك رأينا جميعاً كيف أن الكثير من الشهود خافوا من ذكر أسمائهم لأن لهم أفراد عائلة في سورية. وأكد أن موكله كان خالي الوفاض من الخيارات الأخرى، الأمر الذي جعله يتخذ القرار الوحيد المتاح، البقاء والانتظار ريثما تتاح له فرصة الانشقاق.

تابع السيد فراتسكي قائلاً إن معرفة الصواب والخطأ شرط أساسي لاتخاذ قرار بشأن ما هو صواب، ولا يمكن إدانة أحد لم يعترف بارتكابه للجرم ولم يثبت عليه ذلك مباشرة. ولكن من جهة أخرى، فإن القانون الجنائي الدولي المُلزم بمبدأ الذنب يجب أن يجد طريقة للوصول إلى المسؤولية الفردية وكيف من الممكن أن يُنسب الظلم الممنهج إلى شخص معين، وعلى وجه الخصوص كبار القادة السياسيين والعسكريين الذين من الواضح أنهم مبادرون ولديهم نفوذ. ومن هذه الزاوية نستطيع كما قال السيد فراتسكي رؤية المسؤولية الجنائية على الآخرين بوضوح أكبر، وقصدَ بالذات توفيق يونس وحافظ مخلوف، وتسائل لماذا نرى رسلان في قفص الاتهام ولكن لا نرى الأسد أو مخلوف؟ بالطبع كان رسلان ينتمي لتلك الجماعة كما قال، ولكن لم يشهد أحد بأنه قام بتعذيبه أو أمر بذلك شخصياً، بل بالعكس تلقى عقوبة لأنه ساعد السجناء وبالنهاية انشق، كما قال السيد فراتسكي، وأكد أن موكله لم يكن قادراً لا على تغيير الوضع حينها ولا على اتخاذ قرارات بنفسه.

تطرَّق بعدها لشهادة المدان إياد الغريب ضد موكله وقال بأن معرفة الغريب بمهام موكله عام 2012 موضع سؤال، إذ كان الغريب ذاته حينها في مدينته الموحسن بعيداً قرابة الـ 500 كم، فكيف استطاع معرفة ذلك؟ كما أنه من غير الممكن أن يعلم الغريب موضوع تجميد صلاحية رسلان من قبل توفيق يونس داخل فرع الخطيب، ومعرفة أن رسلان كان رئيساً لقسم التحقيق لا ينفي حقيقة أن توفيق يونس أجرى تلك التغييرات الداخلية وعزل موكله من صلاحياته وعهد بمهامه إلى آخرين. ثم استشهد بمقولة ثانية للغريب وردت في شهادته وقال فيها أنه لا يعلم عن رسلان سوى أنه انشق ولكنه علم أيضاً أنه كان ماهراً في منصبه، وتسائل هنا فراتسكي، كيف من الممكن أن لا يعرف عن موكله شيئ ومن ثم يقول أنه كان ماهراً في عمله؟ واعتبر ذلك تناقضاً في شهادة الغريب ضد رسلان. كما وضح أن شهادة الغريب نفسه تؤكد أن رسلان عاقب أحياناً السجانين لارتكابهم تجاوزات، وبأنه كضابط سني لم يكن يستطيع فعل المزيد، وهنا، كما قال فراتسكي، يظهر الموقف الحقيقي لرسلان، أي أنه لم يرد التعذيب، بل حاول إيقافه في نطاق صلاحياته.

استشهد السيد فراتسكي ببعض الشهود الذين قالوا في شهادتهم أنهم لا يتوقعون أن المتهم قادر على فعل أي شيء من موقعه بصفته ضابط سُّني، وبعضهم أكد الدور القيادي لحافظ مخلوف وتبعية الأفرع الصورية من حيث أن قسم الأربعين يتبع لفرع الخطيب، إلا أن رئيس قسم الأربعين حافظ مخلوف كان قادراً على السيطرة على كليهما بصفة القرابة بينه وبين بشار الأسد من جهة والصلاحيات المفتوحة المعطاة له من جهة أخرى.

قسَّم السيد فراتسكي بعد ذلك باقي الشهود الذين جاؤوا إلى المحكمة إلى ثلاث فئات:

فئة سمعت برسلان فقط أو تم عرض صور من البُني عليهم وبذلك تعرفوا عليه، وفئة عايشته بالفعل ولكنهم أكدوا مساعدته لهم، وفئة أخيرة تعتقد أنها تعرفت عليه إما من خلال صوته أو أنها رأته عندما انزلقت عصابة العين وهم في غرفة التحقيق وافتراضياً كان رسلان فيها. “يشترك معظمهم في أمر واحد: كانوا يتحدثون عن سوريا وليس عن رسلان! لقد اعتبروا الأمر كما أشيع في وسائل الإعلام: محاكمة سياسية!”. أضاف السيد فراتسكي، وقال: “سادتي القضاة، أنا لا أريد أن أنكر أن الشهود عانوا معاناة رهيبة، ولكن هنا في هذه المحاكمة الشيء الوحيد المهم هو تحديد ما إذا كان رسلان مسؤولاً بشكل غير أخلاقي عن هذه الجرائم أم لا”.

قال السيد فراتسكي بعدها أن هناك الكثير من الحقائق التي تثبت أن موكله تعامل بأخلاق عالية من موقعه كرئيس لقسم التحقيق في فرع الخطيب سابقاً، بل وحاول بالفعل مساعدة المعتقلين كما أكد بعض الشهود في شهاداتهم أمام المحكمة، ومن هذه الحقائق كما قال:

أولاً: بكل شهادة إياد الغريب لا يوجد ما يشير بأن موكله المتهم أنور رسلان تعامل بعنف مع المعتقلين ولا يمكن استنتاج الإدانة لموكله من شهادة الغريب.

ثانياً: لا يمكن استنتاج أي شيء من شهادة الشاهد الذي جاء بتاريخ 07.10.2020 والتي تفيد بأنه كان يبحث عن أخٍ له معتقل. وبيّن أنه بعد سماع شهادة هذا الشاهد، أكد موكله السيد رسلان أنه لم ير الشاهد هذا سابقاً ولا يعرف الواسطة التي تحدث عنها الشاهد لا بالاسم ولا بالشكل.

ثالثاً: أحد الشهود الذي قال أنه كان جاراً للمتهم في سوريا وأيضاً في الأردن، وأكد أن المتهم ساعده بإطلاق سراحه وهو في دير الزور، وهذا لا يعني أن موكله كان له السلطة حتى في دير الزور، ولكن بسبب المعرفة بين العائلتين استطاع موكله المساعدة، ولربما، كما قال، لم يكن يعرف المسؤولون في الفرع الأمني بدير الزور أن موكله قد حُدَّت صلاحياته، أكد أنه لا يمكن الجزم بذلك.

رابعاً: شهادة أحد الشهود والمدعين و.م والذي لم يتذكر إن كان قد قُرأ عليه محضر استجوابه لدى الشرطة الجنائية وقال لا لم يُقرأ، بالرغم أن ذلك هو البروتوكول المتعارف عليه. أيضًا لم يستطع التعرف عللى الرقم 251 “وهو رقم فرع الخطيب”، وبرغم أنه سكن بجوار الفرع، إلا أنه لم يستطع تحديد مكانه. ومع ذلك كان مدهشًأ، كما قال بوكر، كيف استطاع الشاهد رواية كل تفاصيل الاعتقال بدقة رغم أنه اعتقل أكثر من مرة، مرتين منهم عام 2011 وحده.

تطرَّق بعد ذلك المحامي السيد فراتسكي للكثير من الشهود والمدعين الذين جاؤوا إلى المحكمة سابقاً، مُعلقاً على قصة كل واحد منهم بما يفيد موكله أو يُشكك بشهادتهم مقارنةً مع محاضر استجواباتهم لدى الشرطة الجنائية الاتحادية، كعدم تأكد البعض أن المتهم كان موجوداً في التحقيقات التي أجريت معهم في فرع الخطيب، أو استشهاده بكلمة لإحدى الشاهدات عندما تحدثت عن مقابلتها لأنور رسلان ووصفت ذلك بقولها: “لم يكن قاسياً معي، لم أتعرض للتعذيب وبطريقة ما شعرت أنه أراد المساعدة”. ولكن عندما وصل السيد فراتسكي للشاهد المحامي السيد أنور البني، استفاض كثيراً بالحديث عنه، حتى أنه بدأ بالقول أن السيد البني قال مرة في إحدى تحقيقات الشرطة الجنائية الاتحادية أنه ضُرب عند اعتقال الأمن السوري له عام 2006، وفي تحقيق آخر قال أنه لم يُضرب وفي اليوم التالي قال أنه ضُرب، ثم أضاف فراتسكي: “هذا التفصيل لا علاقة له بقضيتنا ولكنه إشارة تساعدنا في تقييمه، إذ أن دوره أصبح أكثر وضوحاً بعد ذلك”.

للتأكيد على دور البني، بدأ السيد فراتسكي بالتطرق لعدد كبير من الشهود جاؤوا بمساعدة البني إلى المحكمة وعلَّق على قصة كل واحدٍ منهم على حدى. فمثلاً ذكر قصة أحد الشهود الذي قال أمام الشرطة “كما كُتب في محضر استجوابهم له” أنه رأى صورة للمتهم عند أنور البني، وبعد ذلك قال الشاهد في المحكمة أن ذلك خطأ في محضر الاستجواب إذ أنه لم يرَ الصورة هناك وإنما كان يقوم بتصوير فلم عن أنور البني، وبعد ذلك تم استدعاء محقق الشرطة الجنائية والذي أكد صحة ما ورد في محضرهم بأقوال الشاهد. وأيضاً شاهد آخر جاء بمساعدة البني أكد للشرطة الجنائية أنه رأى المتهم، وعندما جاء إلى المحكمة قال أنه غير متأكد من ذلك. شاهدٌ آخر قال أن هناك خطأ في توثيق السيد البني لشهادته التي ورد فيها ما لم يقله حسب زعمه.

قال السيد فراتسكي أخيراً: “البني يظهر وراء كل حدث وكل شاهد، وأيضاً ارتكب أخطاءً في توثيق الشهادات، وبهذا يظهر مدى تأثيره على الشهود وهذه المحاكمة!”.

ثم بدأ بعد ذلك بالشهود الذين شهدوا لصالح موكله، كالدكتور كمال اللبواني الذي قال بأن أنور رسلان ضابط سُّني من الحولة وبأنه يستطيع عرض الكثير من الأمثلة لمعنى أن تكون ضابطاً سُنِّيًا في سوريا. وأيضاً شاهد آخر ساعد المتهم بالانشقاق وهو بذاته ضابط شرطة منشق، وتحدث عن أقواله فيما يتعلق بحديث دار بينه وبين المتهم وكيف قال له الأخيرأنه ساعد بعض المعتقلين ولكنه غير قادر على مساعدة الجميع وأفصح له عن رغبته في الانشقاق وطلب مساعدته في ذلك. ” باختصار، يمكن القول أنه كان هناك بعض من التقى برسلان بشكل واضح وقام بمساعدتهم، حيث لم يتعرضوا للتعذيب ولم يصدر أي أوامر بذلك. من جهة أخرى كان هناك شهود اعتقدوا أنهم قابلوه لأن أحدهم أخبرهم أنه رئيس قسم التحقيق. لكننا نعلم أنه لم يشارك في العديد من الاستجوابات وأن هناك العديد من المحققين غيره. لا يمكن إثبات أي مسؤولية جنائية من هذا”. وضَّح السيد فراتسكي.

ختم السيد فراتسكي مرافعته بقوله: “أستطيع فهم الكثير من الشهود والمدعين، هنا يجلس متهم كان يعمل مع نظامٍ إجرامي مكروه، أستطيع أن أفهمهم عندما يظنون أن هذا الشخص يجب أن يُعاقب ولا يجب الإفراج عنه! ولكن سيداتي وسادتي، هنا يجلس رسلان بعد أن انشق عن النظام السوري وهرب مع عائلته إلى هنا وقبل هروبه حاول أن يساعد الكثيرين على قدر المستطاع ، الأمر الذي عرض حياته أيضاً للخطر. هذه المحاكمة لا يتم الاهتمام بها من قبل وسائل الإعلام فقط، بل تُقدّم على أنها محاكمة سياسية أيضاً، لكنها لا يجب أن تكون كذلك! بل يجب أن تكون إجراءًا جنائيًا. سيداتي وسادتي القضاة، سمُّوا المسؤولين من المجرمين في نظام الأسد والأسد ومخلوف والجلادين، أظهروا أن هذه محاكمة سياسية ولكنها تجري بحسب القانون! وجهوا لهؤلاء المسؤولين إصبع الاتهام وحددوا جرائمهم والتعذيب الذي قاموا به، رسلان لا يجب أن يتم توجيه إصبع الاتهام باتجاهه، لأنه بريء من ذلك!

شكراً لكم”.