أخبار المحاكماتمحكمة كوبلنتز

المرافعة الختامية للمدعية والشاهدة رُهام الحواش أمام محكمة كوبلنتز

لونا وطفة

08.12.2021

المحكمة الموقرة، سيداتي وسادتي،

مع كامل ثقتي بمحاميي الَّذين مثلاني خلال المحاكمة، قررت أن أتحدث اليوم شخصياً لأن هذه الجلسة بالنسبة لي ليست إجراءً روتينياً، وهذا اليوم ليس يوماً اعتيادياً. اليوم هو يومنا، نحن الضحايا الذين ولأول مرة استطعنا عبر هذه المحكمة انتزاع وكالتنا والقيام بفعل حيال من سلب حريتنا وحيال الجرائم التي ارتكبت بحقنا.

قررت الحديث اليوم أيضاً -رغم ثقل هذه المهمة- بسبب شعوري بالمسؤولية تجاه جميع من مروا بتجربة مماثلة لتجربتي وليس لديهم وصول لهذه المحكمة أو أي شكل آخر من أشكال العدالة. أتحدث اليوم هنا وبالدرجة الأولى انطلاقاً من شعوري بالمسؤولية تجاه من لا يزالون داخل معتقلات نظام الأسد وفي جميع السجون الأخرى في سوريا، ومن لم يعرفوا وقد لا يعرفون أبداً عن وجودنا هنا اليوم!.

لم تكن مشاركتي في هذه المحاكمة بالتجربة السهلة، فقد نبشت قدراً من الذكريات لطالما حاولت دفنه ونسيانه، ما أثر على صحتي الجسدية والنفسية بشكل كبير. لم أعرف في بداية مشاركتي بالمحاكمة ما يمكن أن أتوقعه منها، لكنَّني أستطيع اليوم أن أقول، أن هذه التجربة الصعبة، أعادت لي إيماني بأن العدالة ليست وهماً وإنما ضرورة، ويمكن أن تتحقق.

أضافت المحاكمة خاتمة لقصة اعتقالي، ففي السابق كنت أسرد قصة اعتقالي وأسر حريتي وانتهاك حقوقي، اليوم أكمل القصة لأقول أنِّي ساهمت بمحاكمة أحد أولئك الذين فعلوا ذلك وأعدت جُزءاً من كرامتي المنتهكة!.

كغيري من السوريين والسوريات، فقدت الأمل لوقت طويل على المستوى الشخصي وعلى المستوى العام أيضاً، لكن مشاركتي في المحاكمة وانخراطي بكل تفاصيلها، أعاد لي إحساسي بالجدوى وإمكانية العدالة والتغيير، وبالتالي الأمل بأن ما يجري في سوريا اليوم ليس النهاية.

أقول ما أقوله اليوم، وأنا مدركة تماماً أن ما أشعره وأقوله هنا هو تجربة فردية، وقد يبدو وهماً لملايين السوريين والسوريات ممن فقدوا إيمانهم بأي عدل في هذا العالم. قد لا تكون هذه المحاكمة خطوة كبيرة على المستوى العام، لكنَّها كذلك على المستوى الشخصي، ولذلك، أتمنى وسأعمل على أمل أن نعيش جميعاً لحظة استعادة قدرتنا على الفعل وإيماننا بجدواه.

المحكمة الموقرة، سيداتي وسادتي،

يدعي المدعى عليه أنه كان يساعد المعتقلين، أقول له اليوم أن مجرَّد وجودنا هنا في هذه القاعة في ألمانيا، مُبعدين عن بلادنا، هو دليل على أنه لا المدعى عليه ولا أحد من زملائه قدَّم لنا أي نوع من المساعدة أو التعاون أو التعاطف!.

لكن لو سألني المدعى عليه اليوم، وهو واقف أمامي، ماذا أريد من كل هذه المحكمة؟ سأجيبه: لا أتمنى لك أن تعيش الرعب الذي عشته أنا، ولا أتمنى لك الانتظار دون معرفة ما سيحصل لك، ذلك الانتظار الذي كان أكثر ما أرهقني خلال أيام اعتقالي. وأهم من ذلك، لا أتمنى أن تتعذب أو تُقتَل أو تُسجن من غير حق كما فعلتَ وفعل مجرمون آخرون بحقي وبحق ملايين السوريين والسوريات، لكنِّي أتمنى لهذه المحاكمة أن تمنحك الوقت، الكثير من الوقت، وقتاً كافياً لتفكر فينا، نحن الضحايا والشهود الذين مثلوا أمام هذه المحكمة، أن تفكر بوجوه وأصوات وأحلام كل من مروا عليك خلال سنوات خدمتك في المعتقلات، أتمنَّى لك الكثير من الوقت لتفكر كثيراً، لاعتقادي الشخصي أنك حينها لن تستطيع الهروب من هذه الأفكار.

ناضلنا ولا نزال نناضل كسوريين وسوريات، من أجل تحرير بلادنا من نظام غير إنساني وتحقيق العدالة واسترجاع كرامتنا، ونحن نستحق ذلك. العدالة، الكرامة والحرية، هي حقوق لكل البشر! وما يجري هنا اليوم، ليس ولا يجب أن يكون حدثاً استثنائياً أو مَكرُمة من أي أحد، بل هو واجب إنساني وقانوني ودولي على كل شخص وكل سلطة قضائية وكل دولة.

أخيراً، أؤمن أن حكم هذه المحكمة هو بالتأكيد ليس العدالة للسوريين والسوريات، ولن يكون بديلاً لإيجاد حل شامل ومستدام لقضية المعتقلين والمعتقلات ولقضية سوريا ككل، لكن لا بُدَّ أن يكون هذا الحكم دعوة صارمة للحكومة الألمانية ولكل حكومات العالم للقيام بفعل حقيقي وإنقاذ من لا يزال من الممكن إنقاذهم داخل زنازين النظام وفي سجنه الكبير المسمى “سوريا الأسد”!.