*أخبار المحاكماتمحكمة كوبلنتز

مرافعة المحامية آنا أويمشن، 15.12.2021: من غير المعقول أن يكون هناك بشر قادرين على ارتكاب مثل هذه الجرائم،

لونا وطفة

في جلسة الخامس عشر من شهر كانون الأول، وهي الجلسة الأخيرة لعام 2021، تقدَّمت السيدة آنا أويمشن، وهي محامية موكلة عن أربع مدعين بالحق العام في هذه المحاكمة، بمرافعتها الأخيرة.

بدأت السيدة أوميشن بطرحها لسؤال: ” لماذا نعاقب منشقاً؟”. هذا السؤال، الذي أثير مرارًا وتكرارًا علنًا، من قبل مراقبي المحاكمة والمعلقين، واستشهد المتهم ومحاميه بهذه الحجة مرارًا كما قالت. أوجزت إجابتها عن السؤال بثلاث نقط فقالت:

“• حتى لو لم يعد المتهم يدعي أنه خدم النظام السوري منذ نهاية عام 2012 ، فهو يمثل أمام هذه المحكمة على الأفعال التي ارتكبها سابقًا. إن انشقاقه لا يبرر أفعاله السابقة أو يلغيها، بل فقط من الممكن أخذ انشقاقه بعين الاعتبار عند الحكم.

• بالإضافة إلى ذلك: لا تتأثر معاناة المدعين المشاركين وعدد لا يحصى من الأطراف المتضررة بسبب الانشقاق. إن المتضررين الذين شاركوا في هذه المحاكمة ليسوا سوى غيض من فيض، المدى الحقيقي لعدد المتضررين لا يمكننا تصوره دون أن تقشعرَّ له الأبدان. لا تنشر سوريا إحصاءات عن معتقليها.

• وأخيرًا: الجرائم المنهجية لا يمكن أن يرتكبها من هم في السلطة وحدهم – فهم بحاجة إلى أتباع. تُرتكب الجرائم ضد الإنسانية من خلال الأنظمة. حتى الرئيس يحتاج إلى تروس إضافية أصغر حجما لشن “هجوم واسع أو منهجي على السكان المدنيين” الخاضعين لسيطرته. تؤدي كل عجلة في ناقل الحركة وظيفتها طالما أنها تدور في مكانها وهي ضرورية لمن يتحكم في الماكينة بأكملها. إن انتشار المسؤولية لا يعفي المرء من المسؤولية”.

انتقلت بعدها السيدة أويمشن لتقول أنه كان من واجبها وشرفٌ لها أن تقوم بتمثيل مدعين في هذه المحاكمة، التي اعتبرتها، كآخرين، تاريخية لأنها أول محاكمة جنائية دولية في العالم ضد رجالات نظام الأسد، وبأن الحكم الذي سيصدر بها سيكون له تأثير على كل الدعاوى التالية وليس فقط في ألمانيا، بل بكل أنحاء العالم. ولذلك أكدت أنه لا بد من التحدث عن تجربة كل واحد منهم وأيضاً تأثير ما حدث معهم عليهم وأهمية هذه المحاكمة بالنسبة لهم.

لم تنسَ توجيه الشكر لهيئة القضاة وأطراف الدعوى من محاميين ومدعين بالحق العام، كل طرف في نطاق إمكانياته، لأنهم استطاعوا تنفيذ هذه المحاكمة بشكل واقعي وجيد مع معاملة بالمثل لكل أطراف الدعوى من مدعين ومدعى عليه، كما أثنت على تعاطفهم ومعاملتهم الجيدة للمدعين وأيضاً مراعاة خوف الشهود من الانتقام واتخاذ إجراءات جدَّية ومتزايدة مع استمرار المحاكمة، ولكن من جهة أخرى رأت السيدة أويمشن أن المحاكمة أظهرت أوجه قصور في الإجراءات الجنائية الألمانية، ، لا سيما في مجال حماية الشهود ، على الأقل بالنسبة لقضايا مثل هذه، وأكدت: ” بدون حماية الشهود ، لا يوجد شهود ، بدون شهود لا أدلة ، بدون أدلة لا توجد لائحة اتهام وبالتأكيد لا يوجد حكم! في إجراء مثل هذا ، تكون حماية الشهود إذن التزامًا قانونيًا وطنيًا ودوليًا.”. رأت السيدة أويمشن أن سبب خوف بعض الشهود من شهاداتهم في المحكمة هو أنه لم يكن لديهم من يخبرهم عن مخاطر الشهادة. وهم ملزمون بشكل أساسي، بموجب القانون الألماني ، بالمثول كشهود وتقديم المعلومات ردًا على أوامر الاستدعاء إلى المحكمة، مؤكدة عن تسبب هذا الخوف لربما بنقص معلومات إضافية خشي الشهود من تقديمها بسبب هذا التهديد.

” إن تعزيز حماية الشهود لإجراءات مثل هذه يمكن أن يشجع الناس على المساعدة في إثبات الحقيقة إذا كان بإمكانهم التأكد من أن القيام بذلك لن يعرض حياتهم أو أحبائهم للخطر”.

أشارت بعد ذلك السيدة أويمشن إلى أن صناع القرار السياسي قد أدركوا بالفعل أن بعض الجرائم خطيرة لدرجة أنها تؤثر على المجتمع الدولي ككل ولذلك يجب تقديمها للمحاكم الألمانية بغض النظر عن مكان ارتكابها، مع ذلك ولسوء الحظ، كما قالت، غالبًا ما يكون الأشخاص الأكثر تضررًا من مثل هذه الجرائم غير قادرين على متابعة الإجراءات الجنائية عن بُعد، ناهيك عن فهمها. أضافت المحامية قائلة: ” من أجل الوصول بدقة إلى أولئك المعنيين، يجب توضيح سبب اختصاص المحكمة الألمانية في الجرائم المرتكبة في سوريا، ومن هم المشاركون في المحاكمات وما هي الأدوار التي يلعبونها في هذه العملية. كما رأينا، فإن المبادئ الإجرائية الأساسية في ظل سيادة القانون مثل استقلال القضاء ومبدأ المحاكمة العادلة وتكافؤ وسائل الدفاع ليست مسألة طبيعية في كل مكان، وبالتالي قد تحتاج إلى شرح. إذا كان الوصول إلى مثل هذه المعلومات صعبًا بالنسبة لمعظم السوريين، فهذا أمر مؤسف لعدة أسباب: ليس هناك فقط إهمال في إبلاغ المتضررين فعليًا، أي الشعب السوري، بأن الجرائم التي ارتكبت بحقهم لن تمر دون عقاب، ولكن وفوق كل شيء، فإن هذا الفراغ المعلوماتي يخلق أيضًا ظروفًا مثالية لسوء الفهم والإشاعات وحملات التضليل النشطة التي تهدف فقط إلى تقويض الثقة في النظام القضائي الألماني بشكل عام وبهذه المحاكمة بشكل خاص. بالتالي، ذلك يخدم أولئك الذين ينبغي بالفعل تقديمهم إلى العدالة”.

أكدت المحامية أن إطلاع الجمهور على هذه المحاكمات سيكون أفضل بكثير من خلال المكتب الصحفي للمحكمة ويشمل ذلك نقل خلفية المحاكمات والمبادئ القانونية والخصائص الإجرائية الأساسية لهم بلغة مفهومة في مرحلة مبكرة والأفضل بلغات متعددة، وربما سيكون من المفيد للمحكمة في هذه الحالة إلقاء نظرة على عمل المحاكم الجنائية الدولية والمختلطة، وهذا يتضمن:

1 – عند التعامل مع الجرائم الدولية، ينبغي أن يُنظر إلى عمل العلاقات العامة لصالح مجموعات الأشخاص المعنيين على أنه عنصر أساسي في إقامة العدل.

2. بقدر الإمكان، يجب أن يُمنح الصحفيون الأجانب المعتمدون إمكانية الوصول إلى ترجمات إلى لغة البلد المعني منذ بداية المحاكمة.

3. عند بدء مثل هذه المحاكمات وأثنائها، يتزايد اهتمام وسائل الإعلام بها، لذا لا ينبغي للمحاكم أن تترك أعمال العلاقات العامة الأساسية للفاعلين في المجتمع المدني وحدهم، بل تسعى بدلاً من ذلك إلى شرح التطورات الأساسية في المحاكمات للجمهور أنفسهم.

أضافت السيدة أويمشن: “هذه المحاكمة، سادتي القضاة، هي حجر الأساس للعديد من الإجراءات القانونية المستقبلية. يجب أيضًا أن يجيد القضاة الآخرون التحديات التي واجهتموها، سواءً في ألمانيا أم خارجها، وبالتالي ينبغي التعلم قدر الإمكان من تجربة هذه المحاكمة. إنه لمن المؤسف وتقصيرٌ كبير في السياق، أن المحكمة لم تمتثل للرغبة التي أُعلن عنها مرارًا وتكرارًا ومن قبل أطراف مختلفة، بأن يتم تسجيل جلسة المحاكمة”.

تطرَّقت بعد ذلك السيدة أويمشن لتجارب موكليها الأربعة بكل التفاصيل التي ذكروها عن تجربتهم السيئة في فرع الخطيب، مستشهدة ببعض الاقتباسات منهم لوصف تلك الحالة، كقول أحدهم واصفاً الوقوف أمام المحقق: “في مثل هذه الحالة، أنت بالطبع خائف للغاية، فأنت تقف أمام شخص قادر على فعل أي شيء معك”. وقال في سياق آخر واصفاً المنفردة: “في الزنزانة الانفرادية تشعر وكأنك في القبر”.

عندما انتهت من سرد تجاربهم، تطرقت المحامية لأثر تلك التجارب عليهم، مؤكدة أن معظم الناجين من التعذيب كانوا وما زالوا يتلقون العلاج النفسي، أحد موكليها لا زال يخشى كلمة محقق على سبيل المثال، آخر تحدث عن مدى قسوة هذه التجربة فقال عنها: ” إذا دخل شخص إلى السجن ولديه سمات وخصائص عائلية معينة، فإن هذا الشخص يخرج ويكون شخصًا مختلفًا تمامًا بعد التعذيب. عائلته ستواجه شخصًا مختلفًا تمامًا عن السابق، وربما يكون قادراً على إيذاء النساء والأطفال بعدما تعرض له. هذه الآثار لن يعاني منها ضحايا التعذيب وأقاربهم فقط، بل ستبقى على مدى عدة أجيال “.

رغم ذلك، أكدت السيدة أويمشن أن العديد من المدعين والشهود الذين عانوا ضرراً كبيراً لا يحملون أي ضغائن شخصية ضد المدعى عليه، اقتبست من أحد موكليها قوله: “أنا هنا لإثبات الحقيقة، لا أعرف أنور رسلان شخصيًا وليس لدي أي شيء ضده”.

في النهاية، توجهت السيدة أويمشن إلى المتهم وقالت له بأن الأوان لم يفت بعد وبأن الكلمة الأخيرة هي له، وطالبته بمساعدة الضحايا في حل هذه الجرائم المروعة التي ارتكبت بحقهم.

أكدت ختاماً أنه من غير المعقول أن يكون هناك بشر قادرين على ارتكاب مثل هذه الجرائم، من ناحية أخرى، شددت على أنه في القانون الجنائي الدولي هناك أحيانًا نقاش حول ضرورة مراعاة السياق الاجتماعي والتاريخي والسياسي الذي ارتكبت فيه الجرائم في ظل ظروف مختلفة، ثم أضافت: “لكن عندما أنظر بعد ذلك إلى الشهود في هذه المحاكمة الذين تمكنوا من البقاء إنسانيين ومتضامنين في ظل ذات الظروف الاجتماعية والسياسية من أجل الحق، حقوقهم وحقوق الآخرين، جسورين ومعرضين حياتهم للخطر، يتضح شيء واحد: الناس، بغض النظر عن الظروف المعاكسة التي يعيشون فيها، كان وما زال لديهم خيار. وكان للمدعى عليه هذا الخيار أيضًا “.. إلا أن الأعمال البطولية العديدة التي كانت ولا تزال تحدث في سوريا ولا تزال في المنفى من قبل عدد كبير من السوريين هي في نفس الوقت شهادة حزينة على أبعاد الظلم الذي ساد سوريا وقت الجريمة، وللأسف، يستمر حتى يومنا هذا كما أكدت السيدة أويمشن، ومن أمثلة هذه الأعمال البطولية ذكرت الأعمال التي قام بها موكليها، والنشطاء والمدنيين ومنظمي المظاهرات في سوريا، وشباب درعا الذين تجرأوا على الرسم على الحيطان عبارات الحرية وتعرضوا للتعذيب جرَّاء ذلك، والمدعون من أمثال حسين غرير وفراس فياض الذين خاطروا بحياتهم لعمل تسجيلات أفلام للمظاهرات وطرق قمعها، والأطباء الذين عالجوا المصابين في المستشفيات الميدانية، وزملاء السجن الذين كتبوا أرقام الآخرين ليقوموا بإبلاغ ذويهم عن مصيرهم، والسجناء الذين وضعوا سرَّا فتات الخبز في جيوبهم ليطعموه للسجناء الآخرين، والأب الذي وقف لحماية ابنه واعتقل بدلًا عنه، ومحامون مثل أنور البني ومازن درويش الذين سجنوا بسبب مناصرتهم لحقوق الإنسان، وأخيراً وليس آخراً السيدان قيصر وسامي الذين يواجهان خطر الموت المستمر لتهريبهم 55000 صورة من سوريا توثق فظائع النظام.

ختمت السيدة أويمشن بقولها: “دور موكلي والعديد من الآخرين يظهر بوضوح شديد كيف كانت الأمور في سوريا وكيف تسير الأمور حتى يومنا هذا:

البلد البائس هو البلد الذي يحتاج دائماً إلى أبطال“*.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه الجملة مقتبسة من الكاتب الألماني بيرتولد بريخت الذي كان هو نفسه لاجئًا في منفاه في الدنمارك خلال فترة الرايخ الثالث.

.