أخبار المحاكماتمحكمة فرانكفورت

الجلسة الثانية لمحاكمة المتهم (علاء م.) 25.01.2022 تفاصيل عمل المتهم ضمن مشفى حمص العسكري ورده على الاتهامات الموجهة إليه

محمد نجمة

دخل (علاء م.) قاعة المحكمة كما دخلها في الجلسة الأولى، مرتدياً ذات السترة وهو مكبل اليدين، ومتطأطئا رأسه خوفاً من أن تقوم عدسات الكاميرات من التقاط صورة لوجهه، وجلس في قفص الاتهام. ومباشرةً بعد خروج المصورين من القاعة خلع المتهم سترته الشتوية، وكان يرتدي البدلة الرسمية، وجلسَ على كرسي المتهم ينتظر هو ومحامو دفاعه دخول القضاة إلى قاعة المحكمة. وبعد دقائق قليلة دخلت هيئة المحكمة المتمثلة بالقضاة، وبدأت الجلسة الثانية من محاكمة المتهم في تمام الساعة العاشرة وست دقائق.

وبدأت جلسة الاستماع الثانية من حيث انتهت الجلسة الأولى، فاستكمل المتهم السرد المفصل عن حياته الشخصية والعمليّة التي كانت ضمن المشافي العسكرية السورية في حمص ودمشق والمشافي المدنية في طرطوس ودمشق.

بدأ المتهم حديثه قائلاً :كنت أعمل بمشفى حمص العسكري ، وتقدمت بطلب نقل ،  وبتاريخ 20.11.2011 تم الموافقة على طلب نقلي من مشفى حمص العسكري إلى المشفى  العسكري في المزة، حيث مارست عملي بشكل تام هناك حتى تاريخ 02.2013 عندما تم نقلي إلى مشفى طرطوس العسكري و هذا العرض لقد وافقت عليه لأنه لم يكن لدي أي خيارات أخرى 03.02.2013 بدأت العمل في مشفى طرطوس العسكري و عملت بدون انقطاع حتى عام 03.05.2014 ، وكنت قد تقدمت بطلب تمديد عقد العمل  تقريباً في نهاية شهر 11.2013 و بداية شهر 12.2013 و تم الموافقة على طلبي في منتصف الشهر الأول من عام 2014 ، و فجأة 03.05.2014 جاء قرار من الإدارة  بنقلي وبعض الزملاء الأطباء إلى مشفى تشرين العسكري ولقد عللوا ذلك بأننا الآن في أخر فترة التدريب المهني و يجب علينا استكمالها هناك و أستطيع تذكر ذلك تماماً لأننا تحدثت حينها مع زوجتي وقلت لها : حبيبتي لقد حصلت على هدية سيئة لعيد ميلادي لقد تم نقلي إلى مشفى تشرين العسكري في العاصمة دمشق.

 وبتاريخ 10.05.2014 بدأت العمل في مشفى تشرين وهناك عملت دون انقطاع حتى تاريخ 09.07.2014، وكان ذلك آخر يوم عمل لي لدى الإدارة الطبية وهو أيضاً آخر يوم عمل لي في كل المشافي في سوريا، وبتاريخ 10.07.2014 تقدمت بإجازة مرضية لمدة أسبوع واحد وفي منتصف الشهر السابع من عام 2014 كنت غائباً عن العمل لمدة أسبوعين بدون سبب ومنقطع عن الإدارة الطبية ومشفى تشرين، ولهذا السبب تم إلغاء عقدي من قبل الإدارة الطبية و من كل المشافي العسكرية. و خلال هذا الوقت تقريباً في منتصف الشهر السابع من عام 2014 و خلال الوقت الذي كنت فيه مريضاً قمت لدى وزارة الصحة في سوريا بالتقدم بطلب للاعتراف بالتدريب المهني الذي قمت به في المشافي العسكرية من تاريخ 28.01.2010 وحتى 09.07.2014 وتقدمت بطلب للسماح لي لاستكمال التدريب المهني في مشفى طرطوس (الباسل) وهو مشفى مدني، تم بالفعل الموافقة على الاعتراف بالتدريب المهني (التخصصي ) ولكن تم رفض طلب نقلي للعمل في مشفى طرطوس وعللوا ذلك بسبب أنه يتوجب علي البدء بالعمل في مشفى تل كلخ المدني، وفي منتصف الشهر التاسع من عام 2014 بدأت العمل في مشفى تل كلخ وبدون انقطاع حتى نهاية شهر ديسمبر 2014، وفي 05.01.2015 بدأت العمل في مشفى المجتهد في دمشق بعد أن تقدمت بطلب نقل لإتمام التدريب المهني في نهاية 11.2014 ، وبناء على طلبي وأمنيتي تم نقلي لدمشق لأنه كان لدي هدف كبير وهو البدء للتحضير للاختصاص، والسبب الثاني الرئيسي لدي كان أيضاً هو التقدم لطلب الحصول على فيزا في السفارة الألمانية في بيروت و كان ذلك في 26.01.2015 و كان لدي خوف كبير لعدم قبول طلب التأشيرة .

وفي نهاية 01.2015 كنت في دمشق حتى تاريخ 02.05.2015 الذي كان آخر يوم لي في دمشق، ومن ثم في تاريخ 24.05.2015 سافرت إلى ألمانيا. 

في عام 2012 لدى عملي في مشفى المزة العسكري في دمشق لقد قمت مع مديري المباشر في المشفى بالعمل في المشفى الفرنسي في دمشق الذي يدار من قبل (الكنيسة الكاثوليكية). وعملت أيضاً في مشفى الطب الجراحي الذي يقع في شارع بغداد في دمشق، وفي عام 2014 عندما كنت في مشفى تل كلخ قمت أيضاً بالعمل في مشفى المزينة للمدنيين، وهذه هي أسماء كل المشافي التي عملت بها عندما كنت في سوريا.

بعدها قام رئيس القضاة بسؤاله عن إذا ما كان بإمكانه أن يوضح الفرق بين المشافي العسكرية والمشافي المدنية في سوريا، فأجاب قائلاً: في المشافي العسكرية يعمل هناك الأطباء تحت ثلاث مجموعات وهي على الشكل الثالث: الأطباء في المجموعة الأولى هم الأطباء المدنيين والمجموعة الثانية هي: الأطباء العسكريين، والمجموعة الثالثة: هي الأطباء الدائمين العسكريين الذين يعملون مدى الحياة كأطباء عسكريين، أما المشافي المدنية فهناك يعمل فقط الأطباء المدنيون الذين لا ينتمون للمؤسسة العسكرية.

وقام القاضي بسؤاله إذا ما كان الأطباء الذين يعملون في المشافي العسكرية يقومون بعلاج العسكريين والمدنيين؟ فأجاب: بأن الأطباء العسكريين يقومون بمعالجة العسكريين وأهالي العسكريين على وجه الخصوص ويمكن لهم أيضاً معالجة المدنيين وفي المشافي المدنية خلال الحرب كنا نعالج الجميع على حد سواء عسكرياً كان أم مدنياً.

وسأله القاضي إذا ما كان مع نظام الأسد أم لا؟ فأجاب قائلاً: هنا يتوجب على قول الحقيقة لم أكن يوماً من الأيام أتبع لنظام الأسد ولم يكن أيضاً أي شخص من أفراد عائلتي يعمل أو يتبع لنظام الأسد.

وأكمل القاضي سؤال المتهم عن رأيه بنظام الأسد فأجاب قائلاً: بناء على ما رأيته من صور القيصر (سيزر) فهو غير مقبول أبداً لدي”. و أضاف : “في بداية المظاهرات في سوريا كنت بكل جدية أقف على الحياد وعندما بدأت هذه المظاهرات كانت بالفعل سلمية و لكن عندما بدأ العنف و سمعت أن المتظاهرين يرددون شعار بأنهم يريدون إرسال المسيحيين إلى بيروت و العلويين إلى القبر كان ذلك مؤلم لي و كانت هذه راديكالية ، وسمعت من الأقارب و الأصدقاء عن الكثير من حالات القتل و العنف و الاختطاف وطلب الفدية من عائلاتهم ومن ثم يطلقون سراحهم كنت متفاجئ وقلت في نفسي هذا إرهاب ولكن أنا ضد العنف الصادر من قبل الطرفين، لقد كنت طبيباً مقيماً وعالجت المرضى والجرحى في المشفى بكل استطاعتي و حسب معرفتي، ولم أكن يوماً في حياتي تابعاً لحزب سياسي.

عندها طلب منه القاضي بناء على جوابه أن يشرح كيف بدأ العنف في عام 2011 وكيف حدث فأجاب: لقد سمعت إطلاقاً للنار في كل المدينة، بدأ المتظاهرون يخرجون بشكل دوري في كل يوم جمعة مظاهرات وكانوا يطلقون عليها أسماء تعريفية، وهذا كان حتى الشهر التاسع من عام 2011 عندها بدأ العنف ولكنني لم أكن شاهداً ولا أعلم من هو الطرف الذي بدأ بالعنف. فسأله القاضي بأنه حتى ولم يكن شاهداً على أعمال عنف بأم عينه فلا بد أن يكون لديه فكرة عما حدث ويحدث ومن هو الطرف الذي بدأ بالعنف هل هو نظام الأسد؟ وكيف كان تصوره الشخصي عن الحالة السياسية في البلد آنذاك. فأجاب قائلاً: “عندما بدأت الأحداث في حمص كان يأتي إلينا في غرفة الطوارئ الكثير من الجنود المصابين في يوم الجمعة على وجه التحديد وكانت الإصابات جراء قذف المتظاهرين لقوات النظام بالحجارة وكان هناك أيضاً كدمات على أجسامهم وكان أيضاً يُحضر إلينا بعض من المدنيين المصابين بعيارات نارية”. فسأله القاضي إذا ما تغير أي شيء في روتين العمل في مشفى حمص العسكري بعد أن بدأت الأحداث في حمص مثل إطالة ساعات العمل. فأجاب المتهم بأن التغيير الذي حدث بنظام العمل وساعات العمل الطويلة كانت أحد الأسباب التي جعلته ينتقل للعمل في دمشق بعد أن قام زملاؤه الأطباء هنا بوصف دمشق بأنها هادئة وآمنة.

فسأله القاضي إذا ما كان يتم التعامل مع المصابين المدنيين من المتظاهرين داخل المشفى بطريقة مختلفة عن المصابين العسكريين، فأجاب أنه عندما يتم إحضار المصابين من المتظاهرين إلى المشفى يتم إحضارهم من قبل المخابرات العسكرية، ويتم إحضارهم مقيدين، وجميعهم بدون أسماء، وإنما استبدلت الأسماء بأرقام، ويمكننا التحدث معهم، إلّا فيما يخص أمور العلاج. وعلى شكل خاص في مشفى حمص العسكري في قسمنا قسم الجراحة العظمية كان هناك تعليمات من قبل رئيس الأطباء بأنه لا يسمح لنا بمعالجة هؤلاء المصابين من المدنيين أو المتظاهرين بدون وجود طبيب عسكري يرافقنا ويراقبنا، وذلك لسبب جداً مهم، ففي الأيام الأولى من الشهر السادس من عام 2011 أُحُضرَ لنا مُصاب وتوجب علينا معالجته في قسمنا فكانت إصابته في اليد، وبعدها بفترة وفجأة جاء رئيس القسم إلينا وكان يسألنا وهو يصرخ: من رأى هذا المريض من رأى هذا المريض؟ والبعض أجاب رأيته، والبعض أجاب بلا، وعلمنا بعدها أن المريض قد هرب من المشفى وبسبب الهروب وضع رئيس القسم والمشفى تحت الضغط من قبل المخابرات العسكرية، وبعدها أصدر رئيس القسم تعليمات وأوامر واضحة بأنه يجب عند معالجة أي مريض أو مصاب أن يكون هناك طبيب مقيم من التبعية العسكرية ليكون شاهداً ومراقباً، وكان يتم إحضار هؤلاء المصابين من المتظاهرين إلى أقسام معينة في المشفى كان أحد هذه الأقسام سجن وهو ليس مستحدث بل تم إنشاؤه قديماً ويقوم بحراسة هذا السجن شخصان مسلحان تابعان للمخابرات العسكرية.

وبعدها طرح القاضي سؤاله عن إذا ما كان يعلم السبب لإحضار هؤلاء المتظاهرين المعتقلين إلى هذا المشفى العسكري فأجابه، أنا لم أكن أسأل لماذا، ولكن كنت اسمع من عناصر المخابرات العسكرية، التي كانت تحضر هؤلاء المصابين، بأن منهم من كان يقوم بإطلاق النار على المخابرات أو الجيش، ومنهم من كان ينوي رمي قنبلة وأنا كنت مجبراً على السماع فقط من طرف واحد ولا أستطيع السماع من الطرف الثاني لأنه من غير المسموح التحدث مع المصاب ولم نستطع التعرف عليهم شخصياً لأنهم كانوا يأتون إلينا ليس بأسمائهم وإنما كأرقام. وبعد سؤال القاضي المتهم عن ماذا تعني هذه الأرقام، أجاب بعدم معرفته عن معناها أو إلى ماذا ترمز، وذكر المتهم أن ملفات العلاج لهؤلاء الأشخاص كانت موجودة فقط لدى رئيس الأطباء ولكن هذه الأرقام كانت من ثلاث خانات، والمخابرات العسكرية هي من تقوم باتخاذ القرارات بخصوص المرضى أيضاً بعد أن يقوم الأطباء بعلاجهم، ويجب عليهم (الأطباء) أن يشاركوا عناصر المخابرات معلومات مثل مدة العلاج وبناء عليها يقوم عنصر المخابرات باتخاذ القرار ببقاء المريض في المشفى أو أخذه لمكان آخر.

وبعد سؤال القاضي للمتهم عن الفرق بين المخابرات العسكرية والجيش، وكيف كان يميزهم، أجاب المتهم: كل ما أعرفه أن المخابرات العسكرية لا يرتدون اللباس العسكري بل كانوا دائماً بلباس مدني، وهكذا كنت أستطيع التمييز بين الجيش والمخابرات العسكرية، ولكن أستطيع القول بأن المخابرات العسكرية يتمتعون بسلطة أكبر من الجيش والشرطة. وأكمل قائلاً: لم أرى يوماً أنه قد أفرج عن أي مريض مباشرة من المشفى، وكانت المخابرات العسكرية دائماً واقفة إلى جانبنا أثناء قيامنا بعلاج المرضى لأنهم المسؤولون المباشرون عن هؤلاء المرضى أو المعتقلين، فبعد العلاج كنت أذهب إلى الأشخاص المسلحين من المخابرات وأقول لهم بأن الشخص صاحب الرقم هذا يمكن أن يخرج، ومن ثم يقوم رئيس القسم بكتابة تقرير الخروج، وكانوا يخرجون من المشفى بمرافقة عناصر المخابرات العسكرية أو الجيش بسياراتهم، ولكن لا أعلم إلى أين يتم اقتيادهم ولا متى.

وسأله القاضي إن كان بالرغم من عدم رؤيته أي مريض يتم الإفراج عنه من المشفى مباشرة فهل كان يعلم ماذا حدث أو سوف يحدث مع هؤلاء المرضى، فأجاب بأنه لا يعلم ولكنه سمع بأن البعض منهم قد مات في المشفى ولكن لا يعلم الأسباب التي أدت لوفاة هؤلاء الأشخاص ولم يكن يستطيع السؤال حتى، وأنه لم يملأ ولا لمرة واحدة شهادة وفاة لأحد لأن هذه الوظيفة من اختصاص طبيب الطب الشرعي.

وبعد سؤال القاضي له إذا ما كان يعمل في المشفى أطباء من كل الطوائف الدينية والمذهبية أجاب المتهم: لم نكن لنهتم بهذه التفاصيل بين بعضنا البعض قبل الحرب في سوريا وإنما بعد الحرب ظهرت هذه الأشياء وبدأنا نتحدث بها بالخفاء، ولكن أنا كنت أعالج المرضى والمصابين دون التطلع إلى ديانتهم أو مذهبهم، وكان هناك أيضاً أطباء من الطائفة السنية في مشفى حمص العسكري. وكنا دائماً تحت المراقبة من قبل المخابرات العسكرية، وهذا ما قاله لنا رئيس الأطباء بأننا نحن الأطباء المدنيين نخضع للمراقبة المباشرة من قبل المخابرات العسكرية.

وبعد سؤال القاضي له عن إذا ما كان هناك تمييز في العلاج بين المدنيين والعسكريين المصابين، أجاب المتهم بأنهم كانوا يعالجون المرضى المدنيين والعسكريين على حد سواء وبنفس المستوى العلاجي، وأضاف بأن المدنيين المصابين الذين يتم إحضارهم من قبل المخابرات العسكرية يصلون وهم مغمضو الأعين ومكبلو الأيدي، و أنهُ رأى  مرتين أو ثلاث مرات عناصر المخابرات العسكرية تقوم بضرب المعتقلين المرضى، بالإضافة إلى أنه كان شاهداً على حالات تعذيب قام بها طواقم الممرضين التابعين للمؤسسة العسكرية بعد أن تقوم المخابرات العسكرية بتحريضهم على المعتقلين والمرضى. وذكر أنه في إحدى المرات أحضرت المخابرات العسكرية شخصاً مصاباً مغمض العينيين ومكبل اليدين، وعندما نزل من السيارة قامت المخابرات العسكرية بضربه وشارك بذلك أيضاً بعض الممرضين وكانوا يقولون بصوتٍ عالٍ إنه إرهابي وكان لديه النية لصناعة قنبلة. وعلق على هذا بالقول: كان كل ذلك يؤلمني بشدة ولم أستطع فعل أي شيء لإيقافه.

وأضاف قائلاً: لقد كنا نعالج المرضى وهم معصوبو الأعين، ولم يكن لدينا الصلاحية لنقوم بإزالة العصبة عن أعينهم أثناء العلاج. وعلى سبيل المثال حين يأتي شخص مصاب، في البداية يقوم رئيس الأطباء أو رئيس القسم بإعطائنا تعليمات العلاج، يتم شرح ذلك للمريض، ومن ثم نبدأ بالعلاج. وكنت مثلاً أطلب من المريض بكل لطف أن يقوم برفع يده أو قدمه ولكن يبقى المريض معصوب الأعين. فسأل هنا القاضي: هل هذا شيء جيد وطبيعي طبياً بأن يبقى المريض معصوب العينيين أثناء العلاج؟  فأجابه المتهم بأنه إنسانياً غير مقبول أبداً، ولا يوجد داعٍياً أبداً إنسانياً أو طبياً أن يبقى المريض معصوب العينيين، وهذا سيء للمرضى المعتقلين. فأضاف القاضي سؤال جديد: بما أنك ترى ذلك غير إنساني، وغير جيد، أن تبقى العينيان معصوبتين أثناء العلاج لماذا لم تقم أنت بإزالة عصبة العين عن أعين المريض؟ فأجاب المتهم بأنه لم يجرؤ على ذلك لأنه كان خائفاً جداً من أن يتم اعتقاله من قبل المخابرات العسكرية، فسأله القاضي عن شعوره بالخوف من أن يتم اعتقاله من قبل المخابرات العسكرية، أجابه المتهم: حسب معرفتي بالوضع في سوريا منذ ولادتي، وليس فقط خلال الحرب، من يتم اعتقاله من قبل المخابرات يتم بكل تأكيد ضربه، وتعذيبه، وسجنه، بالإضافة إلى أني أخاف على حياتي وحياة عائلتي، ولقد رأيت الناس الذين تم اعتقالهم ومن ثم جاؤوا إلينا إلى المشفى للعلاج كيف كانت حالتهم سيئة وكيف تم ضربهم بقسوة.

وبعد أن قام القاضي بضرب مثال عن السجون في ألمانيا لمحاولة فهم طبيعة السجون في سوريا قام المتهم (علاء م.) بمقاطعته فوراً قائلاً: “سيدي القاضي أنت تتحدث عن ألمانيا بلد القانون”. فانتقل حينها القاضي لسؤال المتهم عن المصابين إذا ما كانوا من المتظاهرين، أو من التابعين لقوات الأسد، فأجاب المتهم بأنه كان يعالج دائماً من الطرفين. ولدى سؤال القاضي عن جنس وأعمار الأشخاص الذين كان المتهم يقوم بعلاجهم داخل المشفى، أجاب المتهم بأنهم كانوا فقط رجالاً تتراوح أعمارهم ما بين 24 عاماً وحتى الخمسون عاماً. حينها سأل القاضي المتهم: كيف لك أن تعرف إذا كان عمر المصاب 24 وليس على سبيل المثال 22 عاماً؟ فأجابه: أستطيع التخمين من خلال أشكالهم بأن أعمارهم تتجاوز العشرين عاماً.

بعدها طلب القاضي منه أن يقوم بوصف مشفى حمص العسكري من حيث شكل البناء، فقال المتهم بأنه مؤلف من أربعة طوابق، وفي كل طابق يوجد قسمان على اليمين وعلى اليسار، مع قبو، وفي كل طابق يوجد قسم اختصاصي، وأما قسم العظمية والجراحة العظمية الذي كان يعمل به فكان يوجد في الطابق الأرضي، وكان يقابله على الجانب الآخر بالطابق الأرضي من المشفى قسم الإسعاف. وكان مشفى حمص العسكري يستوعب بين 200 إلى 300 مريض، أما القسم الذي كان يعمل به فكان يستوعب 40 مريضاً، وكان هناك ما يقارب 100 عامل من أطباء مدنيين وعسكريين وممرضين. وقال إن بعض المصابين يتم اعتقالهم بعد علاجهم مباشرةً، ووضعهم إما في غرفة في الطابق الأول يقوم بحراستها أشخاص مسلحين ينتمون للمخابرات العسكرية، وهذا الطابق كان يضم قسم الجراحة العامة، أو في غرفة ثانية كانت في قسم الشرطة العسكرية، و هي عبارة عن سجن في مواجه قسم الإسعاف. وبناء على خطة العمل اليومية يتم توزيع الأطباء المدنيين على قسم الإسعاف، وأشار المتهم أنه كان يتوجب عليه بناء على خطة توزيع العمل المناوبة في قسم الإسعاف. عندها سأله القاضي: بحسب ادعاءات المدعي العام ورد أن كل الانتهاكات والجرائم التي حصلت كانت تتم في قسم الإسعاف، وأنت قد ذكرت سابقاً بأنك رأيت أن بعض المرضى يتم ضربهم؟، فأجاب المتهم: بالفعل كما قلت سابقاً لقد رأيت عناصر من المخابرات العسكرية يقومون بضرب وإيذاء المرضى المدنيين أمام باب قسم الإسعاف، وتم ضربهم على الوجه والبطن وتم لوي أرجلهم.  فسأله القاضي حينها إذا كانت هذه الضربات تتم على الأجزاء المصابة من الجسم، فأجاب بأنه لم ير ذلك، فسأله القاضي إذا ما رأى أن هؤلاء المرضى المعتقلين قد تم ضربهم على الأعضاء التناسلية، فأجاب بأنه لم يرَ ذلك أيضاً. واستكمل القاضي بذكر أن الكثير من التقارير تتحدث عن عمليات قتل وتصفية لهؤلاء المرضى المدنيين أو الجرحى داخل بناء المشفى، فأجاب المتهم بأنه كان يعلم بذلك ولكن كان مصدر أخباره هو الإعلام، وأما بالنسبة للأشخاص الذين ماتوا داخل المشفى فكانت تلك الأخبار تتناقل سراً بين الأطباء المدنيين، ولم يعلم أيضاً عن أي حالات تصفية من قبل المخابرات العسكرية داخل بناء المشفى ولكن ماتت الضحايا متأثرة بجراحها. وقال أيضاً : أستطيع تذكر قصة بأن أحد الأشخاص جاء لنا بسبب إصابة بالفخذ وتم إجراء عملية جراحية له، ولكن بعد العملية بيومين قام مدير المشفى بجمعنا و إخبارنا بأن المريض قد توفي وذلك بسبب إصابته بذبحة صدرية، ولكن لم أصدق ما قاله الطبيب على الرغم من أنه طبياً من الممكن أن يحدث هذا بعد أي عملية جراحية ولكن يمكن منع حدوث الذبحة الصدرية أو الجلطة في حال تم إعطاء المريض الدواء الصحيح و العلاج الصحيح، و لم أصدق أنه توفى نتيجة الجلطة الصدرية لأنني كنت حاضراً أثناء العملية الجراحية مع رئيس القسم، وهذه الحالة الوحيدة التي كنت حاضراً عليها، ولكن سمعت الكثير من زملاء عملي عن حالات وفاة أخرى لأسباب مرضية مختلفة ولكن لم أكن أصدق أنهم توفوا طبيعياً ودائماً كنت أفكر أن السبب هو عدم إعطائهم الدواء الصحيح أو أنه لم يتم علاجهم بالشكل الصحيح.

وردًا على سؤال القاضي عن ماذا كان يفعل في أوقات فراغه عندما كان يعمل في مشفى الحمص العسكري، أجاب المتهم بأنه كان يركز في دراسة الاختصاص وتعلم اللغة الألمانية، وقبل الحرب كان يمارس السباحة ولكن بعد الحرب لم يعد ذلك متاحاً له و خصوصاً بعد الشهر التاسع من عام 2011 أصبح الوضع مختلفاً في حمص فلم يعد كل شيء متاحاً والمواد الغذائية كانت قليلة وذلك كان أيضاً سبب لانتقاله هو وعائلته إلى دمشق فكانت دمشق هادئة ومختلفة تماماً حسب قوله حيث كان يستطيع الذهاب إلى المطاعم والعيش بشكل طبيعي حتى الشهر التاسع من عام 2012.

بعدها قام القاضي بسؤاله عن إذا ما كان يشرب المشروبات الكحولية أو كان يدخن، فأجاب نعم كان يشرب الكحول من وقت إلى آخر ويدخن سجائر من نوع المالبورو، ولم يكن يدخن الماريغوانا أو أي نوع آخر. فقال له القاضي بأن كل المدخنين يحملون بشكل دائم ولاعة سجائر في جيوبهم ومن الطبيعي أيضاً أن تكون الولاعة موجودة لديك أثناء أوقات العمل والدوام، وقال له أيضاً بأن أول التهم الموجهة إليه أنه في صيف عام 2011 قام في إحدى المرات بسكب مادة الكحول على قضيب ذكري لطفل يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، وبعدها قام بإحراقه في الولاعة، فأجاب المتهم بأنه لم يقم بفعل هذا الشيء. وردًا على سؤال القاضي إذا ما رأى أي شخص آخر يفعل هذا الشيء قال: لا، حينها سأله القاضي عن إذا ما قام بضرب أحد المرضى المدنيين على مناطق الإصابات في الجسم فأجاب بالنفي، وبعدها توجه القاضي إليه بسؤال عن إذا ما قام بضرب أحد المرضى المدنيين بحبل القثطرة البولية، فأجاب المتهم بنفي أن يكون قد فعل هكذا شيء أبداً. وقام القاضي أيضاً بسؤاله عن العملية الجراحية التي قام بها لأحد المرضى المدنيين في مشفى حمص العسكري بدون تخدير وأجاب بالنفي وقال مستغرباً: كيف لشخص أن يقوم بعملية جراحية لشخص أو مريض دون تخدير، فقال له القاضي: أنت تعلم بأنه يوجد هناك شهود يقولون غير ذلك ويقولون إنك مذنب كيف ترد على ذلك؟ فأجابه مُتسائلاً: هل يتوجب علىّ قول القصة كاملة؟، فقال له القاضي: لديك الحق بقول القصة الكاملة، ولكن يجب عليك أن تعلم بأننا سنجلس هنا حتى تمام الساعة الثالثة عصراً.  

ولدى سؤال القاضي للمتهم إذا ما كان يعالج مرضى معتقلين في فرع 261 في حمص أجاب بالنفي وقال: لم أكن هناك أبداً ولم أقم بزيارة هذا الفرع، فأنا لم أعمل في حمص في أي مكان آخر غير المشفى والعيادة الخاصة التي يملكها عمي أبو زوجتي.

بعدها قام القاضي بقراءة السير الذاتية التي تقدم بها المتهم (علاء م.) للسفارة الألمانية في بيروت أثناء تقديمه لطلب التأشيرة، وقد وجد القاضي اختلافاً بالسير الذاتية الثلاث ففي أحدها كتب المتهم أنه كان يعمل لدى مشفى تشرين بدون ذكر العسكري، وفي الأخرى ذكر وصف العسكري، وفي إحداها كتب أن الحالة العائلية خاطب، وفي الاثنتين الباقيتين لم يذكر ذلك، فطلب المتهم (علاء م.)  بعرض السيرة الذاتية على شاشة المحكمة لأنه لا يتذكرها، وبالفعل قام القاضي بعرضها، فأنكرها المتهم بالكامل، وقال للقاضي هذه السيرة الذاتية غير صحيحة لعدم وجود توقيع خطي بالأسفل.

وفي تمام الساعة الثالثة وخمس دقائق عصراً قام القاضي باختتام الجلسة، على أن يتم استكمال الجلسة في تاريخ 27.02.2022