أخبار المحاكماتبيانات المحاكمات

مرافعة المحامي مانويل رايغر

لونا وطفة

تقدم السيد مانويل رايغر كأحد محاميي الادعاء بالحق المدني وبدأ قراءة مرافعته الأخيرة بالنيابة عن موكليه السوريين من المدعين بالحق المدني .

أكد السيد رايغر أولاً على الأساس القانوني الذي يتم على أساسه محاسبة المتهم أنور رسلان على جرائم يُتهم بارتكابها، وإن صحَّ ذلك فهي جرائم ضد الانسانية وفق التصنيف القانوني لها، بيد أن القانون بحسب قوله لم يكن حاسماً في تعريف مصطلح “جريمة ضد الانسانية”، ولكن الأساس القانوني لمحاسبة المتهم يشمل عناصر الجريمة التي يعتبرها المُشَّرع حاسمة بالنسبة لتصنيفها كجرائم. إذا تم استيفاء الشروط فإن هذه الجرائم من الخطورة بمكان بحيث يمكن تصنيفها جرائم ضد الانسانية.

إذا أراد المرء مقاربة مصطلح “الانسانية” من وجهة نظر غير قانونية فإن التعريف اللغوي لها يعبر عن القدرة على التعاطف والمبالاة. التسامح واحترام الآخرين من مكونات الانسانية، وبحسب كل مصائر الأطراف المتضررة في هذه المحاكمة، فإن هذا الوصف يبدو وكأنه من عالم آخر، كما قال السيد رايغر وأضاف: “ماتت الانسانية في سوريا عندما تم إطلاق النار على متظاهرين سلميين، في أقبية المخابرات المظلمة التي لا حصر لها ولا سيما في أقبية الفرع 251 في منطقة الخطيب بدمشق”. تابع المحامي بتأكيده على مسؤولية المتهم بصفته أحد المسؤولين عن ذلك ولأجل ذلك ستتم محاكمته وفقاً لمبدأ الولاية القضائية العالمية.

توجه بعد ذلك بالشكر لكل الشهود والمدعين الذين خاطروا بحياتهم من أجل الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية قائلاً: “عندما سمعت شهادة الشهود المتضررين سألت نفسي شخصياً، كيف يمكن للمرء أن يناضل من أجل قضية عادلة ولا يستسلم أبداً؟ من أين جاءت شجاعة أنور البني وآخرين بالرغم من السجن؟ العنف؟ التعذيب وتهديد الأسرة؟ الإجابة واحدة لي ولموكليي مع قرب انتهاء هذه المحاكمة: يمكن تحقيق العدالة بطرق مختلفة، ولكن الانسانية يمكن في النهاية أن تكون أقوى وستكون في هذه المحاكمة في المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز مُستعادة جُزئياً…”.

أكد السيد رايغر على الإشارة التي ترسلها هذه المحكمة لكل أتباع أنظمة الإرهاب في العالم فقال: “ألمانيا ستحاسب المجرمين ضد الانسانية، وألمانيا دولة دستورية وأي شخص يأتي إلى هنا بماضٍ وحشيٍ يجب أن يتوقع أن يُحاسب على أفعاله”.

بعد ذلك تحدث السيد رايغر عن الواقع المرير حول عدم القدرة على محاسبة عائلة الأسد مثلاً أو عائلة مخلوف، عدا عن أنهم أصبحوا مقبولين دولياً مرة أخرى، وأكد أنه لا يمكن تحميل رسلان جرائم هؤلاء، ومن جهة أخرى لا يمكن للإجراءات المتخذة بحق رسلان أن تغير موقعهم حالياً، وهذه خيبة أمل كبيرة كما قال لكثير من السوريين.

ولكن وبالنسبة لأحد موكليه فقد أدت هذه المحاكمة مهمة بالغة الأهمية أيضاً، فالمتهم مسؤول بشكل مشترك عن إذلاله -أي الموكل- وهو الشخص المسؤول بشكل مشترك عن الآثار النفسية الدائمة لديه، وهو الآن في قفص الاتهام لأجل ذلك. هو في السجن، ومن المحتمل أن يبقى هناك لفترة طويلة جداً، هذه المحاكمة أعادت له -أي الموكل- كرامته التي حاول المتهم ومساعدوه انتزعها منه، وأعادت له أيضاً إيمانه بالعدالة جزئياً كما وضح المحامي. وأضاف قائلاً: “قصة موكلي مختلفة عن كل ما سمعناه هنا، فهو لم يعتبر نفسه ناشطاً ولم يعرف لماذا اعتقل أو لماذا كان اسمه بين المطلوبين للمخابرات السورية، وهذا إن دلَّ على شيء فيدل على وحشية النظام السوري والاعتقال التعسفي ضد السكان المدنيين في سوريا، ويدل على التعسفية اللاإنسانية للمتهم بحكم منصبه في فرع الخطيب”.

أشار المحامي لتجربة موكله السيئة في فرع الخطيب، ومدى الأثر النفسي السيء الذي تركته، والذي بحسب وصف موكله أسوأ بكثير من التعذيب الجسدي الذي تعرض له، ونقل عن موكله قوله في شهادته أمام المحكمة: “لازلت أعيش داخل الزنزانة رقم 5، في زنزانة الموت، ولازالت عائلتي تعيش معي هذا التعذيب النفسي. يكاد لا يمر علي يوم دون التفكير في السجناء هناك، الصور المروعة التي رأيتها في هذا السجن دائماً ما تدور في رأسي. أنا لست أنا الآن”. وأضاف المحامي: “لن يستطيع موكلي أبداً نسيان الوقت الذي قضاه في أقبية التعذيب في سجن الخطيب، وستبقى حياته دائماً تحمل علامة الفرع 251!”.

رغم كل ما سمعناه من تفاصيل مؤلمة في شهادات الشهود في هذه المحاكمة، يؤكد المحامي أننا لم نقارب بعد آلاف قصص المعاناة الإنسانية التي ساعد المتهم في ارتكابها، وأكمل بقوله: “لم يتمكن موكلي أ.م من دخول ألمانيا والمثول أمام هيئة القضاة ليخبركم عن تجربته السيئة في فرع الخطيب، وكيف تم تعذيبه بواسطة الدولاب هناك، لم يستطع القدوم ليخبركم في هذه القاعة كيف تبعثر جسد ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات فقط بهجوم بالبراميل المتفجرة من قبل النظام السوري”. شدَّد المحامي على هيئة القضاة ضرورة أخذ هذا في الاعتبار عند اتخاذ الحكم، وبرأيه فإن المتهم قد درس القانون وبالتالي هو يعرف الدستور والوضع القانوني في سوريا كما يعرف منع التعذيب.

ختم المحامي السيد رايغر مرافعته الأخيرة بقوله: “كان واضحاً للمتهم تماماً الفظائع التي تورط فيها لعقود، وخاصة بعد عام 2011، كان يسمع صرخات من غرف التعذيب كل يوم، وشاهد السجناء وإصاباتهم أثناء التحقيقات، لم يكن أنور رسلان “الرجل الجيد في فرع الخطيب”، ولم يكن الشخص الذي لا نفوذ له، ولم يكن الجندي الصغير الذي أُجبر على التعاون.

أنور رسلان كان عميلاً لمدة طويلة جداً وساعد في تنفيذ الجرائم لنظام مجرم، والذي وصل لذروة وحشيته بعد الثورة السورية عام 2011، ولا زال كذلك حتى يومنا هذا، ومن المحتمل أنه تغيَّر من الداخل، ولكن فقط عندما انقلبت وحشية النظام على قريته. لم تكن عملية انشقاقه عن النظام نابعة من الإنسانية، بل كانت نابعة من الأنانية. لأجل ذلك أوافق طلب الادعاء العام بالحكم على المتهم بالسجن مدى الحياة وتشديد خاص بخطورة الجرم مع تحميله كافة تكاليف المحاكمة وتكاليف الادعاء”.