الدراسات والأبحاث

الآلية الدولية المستقلة لجمع الأدلة على الجرئم المرتكبة في سوريا ومواجهة التحديات

المحامية ريم الكسيري

</div

</br/>
مقدمة
لم يعد يغيب عن أحد مظاهر النزاع المسلح و آثاره التي تشمل جرائم موثقة من بينها جرائم ضد المدنيين و الاعتقالات , الاختفاءات القسرية و التعذيب , استغلال الأطفال في القتال , العنف الجنسي , إضافة للهجمات بالأسلحة الكيماوية , و جميع أشكال جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية, والتهجير و الإبادة الجماعية , و قد لعب الدور السياسي بأثر بالغ بما عطل إمكانية المسائلة عن الجرائم و محاولات إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب و المسائلة القانونية , و بذلك تمت عرقلة فتح باب العدالة في الملف السوري أمام محكمة الجنايات الدولية , و أمام هذا المأزق السياسي في مجلس الأمن تدخلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء الآلية الدولية المحايدة و المستقلة للمساعدة في التحقيق و الملاحقة القضائية لمرتكبي أشد الجرائم خطورة في سوريا , مكلفة بتحديد هوية الأفراد و الجماعات و الكيانات المتورطة بالجرائم المرتكبة في سوريا.
و نتيجة لأن هذه الجرائم ذات طبيعة مستمرة إلى وقتنا هذا و تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان , فالهدف من هذه الدراسة هو تبيان أسباب فشل محكمة الجنايات الدولية و استعصاء قيام دعاوى أمام هذه المحكمة و التي تخص مرتكبي جرائم الحرب في سوريا من طرف و تبيان عمل لجان تقصي الحقائق المستقلة لحقوق الإنسان التي تم إنشاؤها منذ سبع سنوات مع عملية إطلاق الآلية الدولية بناء على قرار الأمم المتحدة و تأثيرها جميعا في المحاكمات التي بدأت في أوربا من قبل ضحايا جرائم الحرب الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة تخالف مبادئ القانون الدولي الإنساني و تبيان ما هو دور السياسية في أداء عمل المحكمة و تأثيرهم في عمل لجان تقصي الحقائق و إنشاء الآلية الجديدة و التفكير في آثرهم بالنسبة للدعاوي المقامة و التي ستقلم في عدة دول تمتلك الاختصاص العالمي لقيام هذا النوع من الدعاوي أمام محاكمها الوطنية مثل ألمانيا و فرنسا و اسبانيا و غيرهم من الدول الأوربية و أيضا في المحاكمات التي ستنشأ لاحقا في المستقبل أمام محكمة الجنايات الدولية ان تغيرت المواقف السياسية الدولية و تمكنت المحكمة من فتح باب العدالة .
و نقسم هذه الدراسة الى فرعين :
أولا – الاستعصاء القانوني أمام محكمة الجنايات الدولية في تحريك دعاوي أمام محكمة الجنايات الدولية .
ثانيا – تأثير المأزق السياسي والتحديات التي تواجه الآلية الدولية.

أولا – الاستعصاء القانوني أمام قيام دعاوي في محكمة الجنايات الدولية بخصوص جرائم الحرب المرتكبة في سوريا .
يتحدد اختصاص محكمة الجنايات الدولية على أساس النوع الجرمي الذي يتم فيه التحقيق حتى تباشر ملاحقة مرتكبي الجرائم و محاكمتهم و قد حدد اختصاص المحكمة في الجرائم الأكثر خطورة و التي تتمثل في جرائم الإبادة الجماعية و جرائم ضد الإنسانية و جريمة العدوان النظام الأساسي للمحكمة إلا أن محكمة الجنائية الدولية لا تتمتع باختصاص تلقائي لتحريك الدعوى من تلقاء نفسها و يجب أن يتم تحريك الدعوى ضد مرتكبي هذه الجرائم الحرب من قبل جهات حددها النظام الأساسي للقيام بهذه المهمة و بإحدى الطريق التالية :
1- إحالة القضية و تحريك الدعوى من قبل الدولة الطرف في المحكمة:
تم الاتفاق في نظام روما الأساسي على إعطاء حق إحالة الدعوى من الدولة الطرف في النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية و ذلك بغية تشجيع الدول غير المصدقة إلى التوقيع على نظام روما الأساسي حتى تستطيع القيام بتحريك اختصاص محكمة الجنايات الدولية , و عليه فإن أي دولة طرف في نظام روما أن تقوم بإحالة أي حالة إلى محكمة الجنايات الدولية طبقا لأحكام المادة 14 من النظام الأساسي للمحكمة و التي نصت على :
أ‌- أن تكون الدولة طرفا في نظام روما الأساسي :
1-يجوز للدولة الطرف أن تحيل إلى المدعي العام أي حالة يبدو فيها أنها جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت و أن تطلب إلى المدعى العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيها إذا كان يتعين توجيه الإتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم .
2-تحدد الحالة قدر المستطاع الظروف ذات العلاقة و التي مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من السندات .
و عليه فإنه يحق لكل دولة طرف في نظام روما الأساسي أن يحيل إلى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل في اختصاص محكمة الجنايات الدولية , و تقرر ما إذا كانت هناك أية متابعة جزائية ضد شخص أو عدة أشخاص سواء كانوا فاعلين أصليين أو مساهمين في تلك الجرائم .
ب‌- حالة ما لم تكن الدولة طرفا في نظام المحكمة :
في الحالة التي لا تكون فيها الدولة طرفا في نظام روما الأساسي كما هو الحال بالنسبة لسوريا فانه يتوجب عليها أن تتقدم بإعلان لمحكمة الجنايات الدولية يتضمن قبول هذه الدولة لاختصاص المحكمة و بما أن سوريا هي ليست طرفا في نظام روما الأساسي و لم تقم بإيداع قبول لاختصاص المحكمة و من الواضح أنها لن تقوم بذلك فإن هذا الباب مغلق أمام محكمة الجنايات الدولية .
2 – تحريك الدعوى بقرار المدعي العام من تلقاء نفسه للمحكمة الجنائية الدولية :
طبقا للمادة 153 من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية التي نصت على أنه :
أ‌- يحق للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة .
ب‌- بحال استنتج المدعي العام أم هناك أساسا معقولا للبدء في إجراءات التحقيقات يقدم إلى دائرة ما قبل المحكمة طلبا للإذن بإجراء التحقيقات مرفقا بأي مواد داعمة يجمعها و يجوز للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى دائرة ما قبل المحكمة و هي الدائرة التمهيدية وفقا للقواعد الإجرائية و قواعد الإثبات .
إلا أن صلاحيات المدعي العام مقيدة في تحريك الدعوى بوجود عدة أسباب لمبادرته في البدء بالتحقيق و حصوله على إذن بالتحقيق من الدائرة التمهيدية على أن تكون الدولة طرفا في نظام محكمة الجنايات الدولية و على اعتبار أن قيام المدعي العام بتحريك الدعوى من تلقاء نفسه يحتاج إلى أن تكون سوريا دولة طرفا في نظام روما الأساسي , أو أن تمنح الاختصاص لمحكمة الجنايات طواعية و هذا لم ينجح و بذلك يكون هذا الباب مغلقا أمام إقامة دعوى بحق مرتكبي جرائم الحرب في سوريا .
ج – الإحالة من جلس الأمن :
يتمتع مجلس الأمن بصلاحية الإحالة أيضا إلى جانب الدولة الطرف في نظام روما الأساسي و المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية و حق تحريك الدعوى بإحالتها إلى المحكمة و نصت المادة 13 في الفقرة ب منها على أنه يجوز” أن يحيل مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة الى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت ”
و في هذه الحالة يكون لمجلس الأمن السلطة التقديرية لتكييف الجرائم المرتكبة و الانتهاكات الجسيمة طبقا للقانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان على أنها تشكل تهديدا للسلم و الأمن الدوليين .
و قد قيدت المادة 17 من ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الثالثة منها و التي تعطي لمجلس الأمن إصدار قراره في مثل هذه الحالة بأغلبية تسعة من أعضاء مجلس الأمن كحد أدنى و يجب أن تشمل هذه الأغلبية أصوات الأعضاء الدائمين متفقة .
كما يمكن لمجلس الأمن كذلك الطلب من المحكمة بقرار يصدر بموجب الفصل السابع بوقف أي إجراء أو تحقيق لمدة عام قابل للتجديد حسب المادة 16 من نظام المحكمة .
و يبدو واضحا في الملف السوري تأثير السياسة على إجراءات تحريك الدعاوي أمام محكمة الجنايات الدولية حيث فشلت محاولات مجلس الأمن الدولي لإحالة الوضع في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية لأسباب سياسية .
ان تأثير السياسة يعني عدم استقلالية المحكمة بوصفها هيئة قضائية , كان الأجدر بها عدم تقييد ممارسة اختصاصها و تحريك الدعوى فيها إلا بناء على القانون و عدم ربط هذه الاختصاصات بجهات و هيئات سياسية من شأنها أن تعرقل عمل سير هذه المحكمة التي أعدت لحفظ السلام و الأمن العالميين .
و إن ربط مجلس الأمن بهذه الآلية في العمل يعني تسيس القضايا المعروضة على المحكمة و إخراجها من الإطار القانوني كما حدث في سوريا , و من الجلي و الواضح أن ربط المحكمة بقرار الإحالة من مجلس الأمن يعني إبقاء الوضع الراهن لما هو عليه لأوقات غير محدودة دون اتخاذ مجلس الأمن لأي خطوة من شأنها تحريك الدعاوي لأن دور مجلس الأمن معطلا بارتباطه باستعمال حق الفيتو .
و لا بد من الإشارة إلى سلطة مجلس الأمن هي سلطة تقديرية واسعة طبقا للفصل السابع و هذا ما يجعل سلطته مطلقة و لا تتقيد بمبدأ الشرعية بقدر ما تتقيد بالتسييس و ضغط الدول التي تمتلك حق الفيتو كروسيا و الصين و غيرها .

ثانيا- تأثير المأزق السياسي و التحديات التي تواجه الآلية :

نتيجة للمأزق السياسي في مجلس الأمن و عجزه عن إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية , على اعتبار أن المجتمع الدولي ملزما بشأن المساءلة التي نص عليها القانون الإنساني و حقوق الإنسان كان لابد للجمعية العامة للأمم المتحدة من التدخل لإتخاذ قرار بإنشاء الآلية الدولية المحايدة و المستقلة للمساعدة في التحقيق و الملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن أشد الجرائم خطورة و المرتكبة في سوريا بموجب القانون الدولي من آذار عام 2011 م فجاء قرار إنشاء هذه الآلية نتيجة لعدم إمكانية تحريك الدعوى بحق مرتكبي جرائم الحرب في سوريا و إغلاق باب العدالة للأسباب التي تم ذكرها سابقا من ناحية و من ناحية أخرى لتلافي العجز في الوضع السوري من خلال إقرار هذه الآلية التي لم تحل محل محكمة الجنايات بالطبع و إنما هي بمثابة مرحلة تحضيرية للدعاوي التي ستقام لاحقا في المستقبل , و يعتبر هذا القرار سابقة من نوعها فقد تم اقتراحها بشكل خاص فيما يتعلق بالوضع السوري و لم يتم اتخاذ مثل هذا القرار في أوضاع أخرى مماثلة .
و هنا يبدو لنا من الواضح التساؤل عن بعض التحديات التي تتعلق بعمل الآلية يمكن أن نفصل التحديات على الشكل التالي :

1- الهيكلية والتمويل :
رغم مرور حوالي العام على صدور القرار بإنشاء الآلية إلا أن تشكيلها وهيكليتها ما زالت متعثرة ولم يتم تحديد المسؤول عنها إلا مؤخرا وما زالت هيكليتها غامضة ونظام عملها الداخلي لم ينجز كما أن التمويل المفترض لعمل الآلية للسنة الأولى لم يتم جمعه كاملا , وهذا التعثر أدى إلى خفوت الاهتمام بالآلية وتراجع بكمية الآمال التي علقت عليها

2- العلاقة بين الآلية ولجان تقصي الحقائق والتحقيق والمنظمات الدولية :
بالرغم من أن لجان التحقيق عملت بجهود عالية المستوى لمدة سبع سنوات تمكنت من خلالها من جمع العديد من الأدلة و قدمت فعليا العديد من التقارير لانتهاكات و جرائم موثقة في سوريا , إلا انه لم يكن هناك نتيجة ملموسة من هذه التوثيقات للأسباب التي ورد ذكرها سابقا في شأن تحريك الدعوى أمام محكمة الجنايات الدولية
الأسئلة التي تتبادر للذهن هي كثيرة جدا , ما هي طبيعة العلاقة التي ستكون بين الآلية الجديدة ولجنة التحقيق التي أنشأتها الأمم المتحدة عبر مجلس حقوق الإنسان منذ عام 2011 وما مصير آلاف الوثائق والشهادات والأدلة التي جمعها فريق التحقيق ؟ وهل سيتوقف عمل الفريق بعد إنشاء الآلية الجديدة أم يستمر تحت مظلتها؟ وما مصير الوثائق والأدلة التي جمعتها فريق التحقيق باستعمال الأسلحة الكيماوية؟ وما مصير التحقيق والوثائق والأدلة التي جمعها الكثير من المنظمات الدولية كالمركز الدولي للمساءلة والعدالة ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان ؟ وهل ستنشئ الآلية فريق تحقيق أم تكتفي بجمع الأدلة من المنظمات وللجان التحقيق الأخرى ؟ وهل سيطال جمع الأدلة وتوثيقها لكل المجرمين بما فيها الدول الخارجية كروسيا وإيران وحزب الله وتركيا والتحالف الدولي أم سيقتصر على جهة أو جهات محددة ؟
كل هذه الأسئلة ما زالت تدور بذهن الجميع على ما أظن , والسؤال الأساسي هو متى سيتم الإجابة عنها ؟
و على اعتبار أن فريق عمل الآلية سيكون من قامات قانونية رفيعة المستوى فإنه من المهم جدا تكامل عمل الفرقاء كلهم بحيث يكون من شأن لجنة تقصي الحقائق تقديم التقارير التي توصلت اليها نتائج عمل فريق الآلية من جمع الأدلة و حفظها و تحليلها بهدف عرضها على المحاكم الدولية و الوطنية , و على أن لا يتعارض ذلك بين عمل كل من الفريقين , بحيث لا يتجاوز الأمر أيضا إغفال سبع سنوات من العمل الدؤوب للجنة تقصي الحقائق , و أن يكون لفريق عمل الآلية الرجوع إلى تلك الملفات و التقارير عدم اغفالها , و أن تتمثل الآلية بدورها على أنها الخطوة الأولى نحو تحقيق العدالة .وكذلك عمل المنظمات الدولية المستقلة
و على اعتبار أن الآلية تعمل بشكل رسمي كهيئة فرعية أسستها الجمعية العامة للأمم المتحدة و تملك المقدرة على عقد الاتفاقات مع الدول و الكيانات الأخرى , فهل سيشكل هذا العامل ضغطا سياسيا من نوع آخر على عملها بحيث يعتبر معوقا آخر في وجه العدالة أم أن فريق العمل سيتجاوز هذه الحيثية من خلال الشفافية و الحيادية في عمله ,

اجتماعات تحدث ولقاءات وندوات ولكن حتى الآن لا يوجد جواب لكل هذه الأسئلة

 

3- علاقة فريق عمل الآلية مع المنظمات السورية :

لعل التساؤل الأبرز هو عن طبيعة العلاقة بين الآلية والمنظمات السورية المعنية بالتوثيق ورصد الانتهاكات , لأن السوريين يشعرون باليأس والإحباط وعدم الجدوى ,
بما أن فريق عمل الآلية يمتلك علاقة خاصة متكاملة مع اللجنة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن سوريا , و التي أصدرت العديد من التقارير حوا الجرائم المرتكبة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا , و التي تعاملت بحيادية تامة مع كافة المنظمات الناشطة في مجالات حقوق الإنسان و نظرا لأن علاقة المنظمات السورية مع لجان تقصي الحقائق كانت منفصلة و ذلك احتراما لمبدأ حيادية عمل لجان تقصي الحقائق و كان أمرا معقولا و مقبولا بالنسبة للطرفين , إلا أن الأمر مختلف تماما مع فريق عمل الآلية الذي يمتلك اختصاص جمع الأدلة المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني و حقوق الإنسان بغية حفظها و توثيقها من أجل تحقيق العدالة أمام المحاكم الدولية أي من أجل إقامة دعاوي لاحقا أمام هذه المحاكم , و من المعلوم أن المنظمات السورية لديها الكثير من هذه الأدلة التي تم جمعها بأثمان غالية عبر سنين من هذه الانتهاكات , كما يعود لهذه الآلية إعداد الملفات من أجل تيسير تسريع الإجراءات الجنائية العادلة و المستقلة , فإنه من غير المعقول أن تبقى المنظمات السورية مجرد مصدر لهذه الأدلة أو مجرد متابع لما سيحدث من سير عملية الآلية إذ لا بد أن تكون جزءا من عمل هذه الآلية و يبدو أنه معوق آخر جدي في مسار عمل فريق الآلية بحال تم منع هذه المنظمات من القيام بدورها المتكامل مع فريق الآلية الجديدة , و احتراما للجهود المبذولة في شأن جمع الأدلة و التوثيقات التي قامت بها هذه المنظمات , إضافة لأن القضية السورية هي قضيتهم كسوريين بالدرجة الأولى و لذلك لا بد من قبولهم كجزء لا يتجزأ من فريق قبولهم كجزء من فريق الآلية و عملهم و السماح لهم بالقيام بدورهم المتكامل مع فريق الآلية الجديد .

4- علاقة الآلية بالمحاكمات الجارية و التي ستجري مستقبلا في المحاكم الوطنية أو الدولية :

لأن الآلية لا تعتبر محكمة و ليست لديها أي سلطة تكون لتحاكم المجرمين و أن عملها يرتكز على جمع الأدلة و توثيقها على مستويات تقنية عالية لتعرض بعد ذلك على المحاكم و الهيئات القضائية و الدولية و التي تركز على أخطر الجرائم المرتكبة في سوريا , و هي جرائم الحرب و الإبادة الجماعية و الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية , و على الرغم من أن وظيفة فريق العمل للآلية الجديدة كوسيط محايد مستقل و صلة وصل بين الأدلة الجرمية للجرائم المرتكبة و الملاحقات القضائية غير المؤكدة في المستقبل , فهل ستكون عقبة و ثغرة في أداء عملها إن كانت صلاحيات إحداث الآلية لا تسمح لها بالتعاون و التفويضات و مشاركة الأدلة مع منظمات حقوق الإنسان لخدمة هذا الأداء من طرف و مع الفريق القانوني الذي يعمل على إقامة الدعاوي أمام القضاء الوطني في أوربا من طرف آخر , و بالرغم من أنها يجب أن متاحة لأنه إذا كانت الغاية المرجوة و الأولى للآلية أن تشكل صلة وصل ما بين الجهود المبذولة لجمع الأدلة التي تمت بالتزامن مع ارتكاب الجرائم و الفعل الجرمي و بين المحاكمات الجنائية في نهاية الأمر , فهل ستقتصر وظيفتها على الالتزام بتسجيل و حفظ الأدلة وجمعها بصورة ممنهجة , بما فيها شهادة الشهود و الأدلة الجنائية وفقا لمعايير القانون الجنائي الدولي و هذا مما يعني صلاحية هذه الأدلة لاستعمالها في المحاكمات الجارية في عدة دول في أوربا , و بالتالي يتوجب على فريق العمل للآلية دعم الفريق القانوني الذي يقوم أيضا بجمع الأدلة لإقامة العديد من القضايا بمواجهة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا , و يبدو واضحا أنه يتوجب على الآلية أن لا تترك هذا الأمر ثغرة بل أن تساعد في تشكيل وضم فريق من المنظمات الدولية القائمين على العمل في جمع الأدلة من أجل الشروع في محاكمات متعددة أمام القضاء الوطني الأوربي و خصوصا أن عمل الآلية أن تعرض المعلومات و الأدلة على المحاكم أو الهيئات القضائية الوطنية و الإقليمية التي لها أو قد يكون لها في المستقبل الولاية القضائية على أشد الجرائم خطورة و المرتكبة في سوريا .
و برأينا أنها تعتبر ثغرة واسعة إن تم الحد من تبادل المعلومات و الأدلة أمام المحاكم الهيئات القضائية , و بالأخص أنه يوجد عدة محاولات تدعو لتوسيع نطاق تبادل المعلومات لتشمل آليات تقصي الحقائق و برامج التعويضات و مشاريع تحديد الأشخاص المفقودين , و من الواضح أنه لا يوجد هناك خطة معينة لفريق عمل الآلية إن كان سيشارك الأدلة و المعلومات الواردة في ملف حالة واحدة مع ولايات قضائية متعددة , و لذلك يبدو من الضرورة إنشاء فريق من المنظمات يعمل على تنظيم العلاقة بين المنظمات السورية و فريق عمل الآلية و لجان تقصي الحقائق و هذا الأمر يعتبر ضرورة تقنية أيضا أكثر من مجرد ثقة في التعامل ما بين المنظمات السورية التي لم تلقى الى الآن صدى لصوتها في العمل على الملف السوري , و دعم ثقة الشعب السوري بأن هناك منظمات دولية تسعى لتوثيق و حفظ الأدلة التي تحمي حقوقه بمعاقبة و ملاحقة مجرمي الحرب و مرتكبي جرائم ضد الإنسانية في سوريا .
و بالنتيجة نجد أن الآلية هي سابقة من نوعها كما قلنا سابقا في تاريخ القضاء الدولي و لذلك في حال لم تتمكن من أداء عملها و مهامها ما بين جمع الأدلة بغية استخدامها في المحاكمات التي تحدث الآن أو قد تحدث لاحقا , يخشى أن تتحول إلى عقبة أخرى في تحقيق العدالة أن مكنت من جمع الأدلة و تكديسها دون تحقيق الغاية المرجوة و إذا أدت عملها من خلال التحالفات السياسية و الظروف السياسية العالمية و التي تتحكم بإغلاق باب العدالة أمام الشعب السوري .
هذه التحديات والتساؤلات نتمنى الإجابة عليها سريع لما للوقت من أهمية في مفهوم العدالة فالعدالة المتأخرة تفقد جزء كبير من معناها

اترك تعليقاً