الدراسات والأبحاث

الديكتاتوريات ولعبة الأقليات


الأقليات العرقية والدينية والقومية هي لعبة الديكتاتوريين المفضلة وسلاحهم السري لتثبيت حكمهم واستجلاب الدعم الخارجي وإرهاب وقمع مجتمعاتهم وقمع وسحق المعارضين ,
فإن كان الديكتاتور من أغلبية المجتمع فإنه يستخدم الأقليات وحقوقها كفزاعّة لحشد الأغلبية معه وتحشيدها تحت شعارات مواجهة التطلعات المختلقة للأقليات . ويستخدم ذلك كسلاح للقضاء على الأصوات المعارضة لحكمه وتكون تهمة التعاطف أو دعكم حقوق الأقليات هي السلاح الأمضى ضدهم , كما حدث ويحث في الجزتئر والمغرب مع الأقلية الأمازيغية والطوارق , والسعودية مع مع الأقلية الشيعية , وإيران مع الأقليات العرقية كالعربية والكردية والتركمان أو الدينية كالمسيحية والمسلمين السنة والأيزيدية , وتركيا مع الأقليان الكردية والعلوية , وروسيا مع المسلمين السنة , لتنسحب هذه المعادلة على كل الديكتاتوريات في أفريقيا وأمريكا الجنوبية .
وإن كان الديكتاتور من إحدى الأقليات فإنه يحاول التلاعب بالأقليات الأخرى وتخويفها بالأغلبية ليحشدها إلى جانبه , ويخترع قصص مظلوميات وتهديدات بالإبادة ليبرر سيطرته على المجتمع وقمعه وسحق خصومه , ويستخدم هذه القصص كمبرر وذريعة كقميص عثمان لشن الحروب على الأغلبية وسحق المعارضين , وسوريا والعراق سابقا والبحرين خير مثال على ذلك ,
وفي الحالات التي لا يكون في المجتمع غير الديمقراطي أغلبية عددية لأحد فإن المجتمع يظل يعاني من عدم استقرار تفرضها التجاذبات الإقليمية والدولية والقوى وأوزانها , ويبقى استقراره الصوري معرضا للاهتزاز والانهيار بأي لحظة يختلف فيها ميزان القوى أو تشتد الصراعات حوله فيصبح ساحة لهذه القوة , كلبنان واليمن .
ودائما يكون موضوع الأقليات مدخل للتدخلات الخارجية وأحدى أهم وسائل الضغط والمساومات والابتزازات على الصعيد الإقليمي والدولي
وقد مارس كل الديكتاتوريين لعبة الأقليات لجلب الدعم الخارجي حينا أو استدرار التعاطف الداخلي لتثبيت حكمهم وقمع شعوبهم وخنق الحريات والإعلام وإسكات كل الأصوات المعارضة .
ولعل النظام السوري كان الأبرع بهذه اللعبة الدموية والأكثر إجراما بهذا المجال فمنذ بداية الثورة السورية عام 2011 بدأ لعبته على لسان الناطقة باسمه بثينة شعبان حيث بشرت باللعبة الطائفية لحشد طائفتها أولا والأقليات الأخرى ثانيا وإخافة الأغلبية بوصمها بالإرهاب والتطرف , واستمرت اللعبة بعد ذلك إلى التضحية بالمسيحيين بمناطق يبرود وومعلولا وصيدنايا وبلودان حيث سفكت دماء كثيرة لتمريير هذه اللعبة على العالم , وتواصلت اللعبة إلى دماء أبناء طائفة النظام نفسها حيث سفكت دماء لتخويفها بحمص واللاذقية وطرطوس وسهل الغاب لرصها وحشدها مع النظام , وكانت اللعبة الأكبر مع الأكراد بدعم وتسليم حزب ال PYD المناطق الكردية ليقمع الأكراد لمصلحة النظام ويؤسس لحرب كردية كردية وكردية عربية ويخيف الجار الكردي بهذا التمدد المسلح لأكراد ويخلق إلهاء جديدا أمام دول الجوار والسوريين , ولم تسلم من لعبة الأقليات لا الطائفة الدرزية التي تلاعب بها عبر حدودها مع محافظة درعا وتخويفها من الإسلاميين القادمين إليها من هناك أو عبر تفتيتها بواسطة أدواته من نفس الطائفة في لبنان وداخل السويداء , ولا الطائفة الاسماعلية من هذه اللعبة واستخدم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بمسرحيات الكر والفر والهجوم والانسحاب حول مدينة السلمية لتخويف الاسماعلييين وتحشدهم مع النظام وهم المعروفين تاريخيا بمعارضتهم له .
والنظام العراقي التابع لإيران على عهد المالكي استخدم دماء الأيزيدين وشرف نساءهم وقودا لدعم وتبرير التدخل الإيراني السافر وتشكيل الميليشيات الشيعية التابعة لإيران ,وطبعا نظام الملالي الإيراني الذي تلاعب بكل الأقليات الشيعية بالمنطقة مضحي بدمائها في سوريا واليمن والعراق والبحرين والسعودية والإمارات من أجل تدعيم ديكتاتوريته داخليا وصرف النظر عن المشاكل الهائلة الداخلية للنظام مع حاجات شعبه وتوسيع حدود هيمنته الخارجية ليحمي نظامه داخليا .
وكذلك السيسي بمصر يحذو حذو النظامين السوري والعراقي لتدعيم محاولة تأسيس ديكتاتورية بعدما شعر بأن هذه اللعبة تعطي نتائج إيجابية عند العالم , فبعد عودته من لقاء ترامب بالسعودية تتم مهاجمة باص لطلاب صغار مسيحيين ويبدأ الحشد والتحشيد واستدرار التعاطف والدعم وموجة جديدة من القمع والإقصاء وخنق الحريات والتضييق على النشطاء وتعديل بالقوانين لفرض ديكتاتورية قانونية .
ومع أن ألاعيب هؤلاء الديكتاتوريين مكشوفة تماما للجميع إلا أنه ما زال هناك من يروج لأكاذيب هؤلاء الديكتاتوريين ومن يصدقها ومن يعرف الحقيقة ولكن هذه الأكاذيب تخدم مصالحه فيتعاطى معها . ستبقى لعبة الأقليات هي المفضلة لدى الديكتاتوريين , وستبقى دماء الأقليات مهدورة على مذبح السلطة لهؤلاء الديكتاتوريين ما دام العالم يتعامل مع الضحايا والجرائم من باب نوعية الضحية ودينها أو طائفتها أو قوميتها ومادام يتعامل مع المجرم بنفس المعيار المختل .
ما لم يعتمد العالم المعيار الأساسي لحقوق الإنسان من حيث لا تمييز بين إنسان وآخر لا من حيث الدين أو العرق أو القومية أو اللون أو المذهب أو الجنس , حيث أن المجرم هو مجرم مهما كان انتماءه ولا يمكن تغيير وصف جريمته أو السماح له بالإفلات من العقاب بسبب انتمائه الديني أو القومي أو الطائفي ,
وكذلك الضحية لها نفس الحقوق والقيمة مهما كان دينها أو قوميتها أو طائفتها أو جنسها ,
ما لم نتخلص من مسألة تمييز القاتل أو الضحية على أساس دينهم أو عرقهم أو طائفتهم فسنبقى في دوامة الدم والقتل والدمار والتبرير.
الالتزام بالقواعد الأساسية التي تعتمد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان للتعامل مع المجرمين والضحايا وإدانة المجرم مهما كان دينه أو قوميته ومساندة الضحية مهما كانت دينها أو قوميتها هو الذي يمكن أن يوقف دوامة القتل ويرسل الرسالة الصحيحة أنه لا يمكن تبرير القتل والجريمة والإفلات من العقاب تحت أي ذريعة ,
في القانون الدولي الإنساني لا يمكن استخدام تعبير الأقلية والأكثرية لأن الجميع هم كائن لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الالتزامات أينما كانوا.
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية

اترك تعليقاً