*النشاطات

نص كلمة رئيس المركز أنور البني في جلسة المحاسبة بحضور وزراء وسفراء الدول الأوروبيّة

الكلمة التي ألقاها رئيس “المركز السوريّ للدراسات والأبحاث القانونيّة”، أنور البني، في الجلسة المخصّصة للبحث في مسألة المحاسبة عن الجرائم المرتكبة في سورية وملاحقة المجرمين في 14 آذار/ مارس 2019، بحضور وزراء وسفراء الدول الأوروبيّة والدول المشاركة في مؤتمر “بروكسل”.

أيّها السادة:

شكرًا لدولتي “ليختنشتاين” و”سويسرا” والدول المشاركة وللمفوضيّة الأوروبيّة لتنظيم هذه الفعاليّة ودعوتنا إلى الحديث فيها، وشكرًا لجميع السادة الوزراء والسفراء وممثّلي الدول الذين تحدّثوا عن أهميّة المحاسبة وضرورتها في مستقبل سورية.

أنا سأتحدّث عن خطورة عدم تحقيق العدالة بالوقت المناسب؛ فقد سبق أن تعهّد العالم لنفسه بعدم تكرار ما حدث في “الهولوكوست” و”رواندا”، لكن ما الذي حصل بعدها؟! ازدات الجرائم بشاعةً وازدادت اتّساعًا وحصدت عددًا أكبر من الضحايا؛ بسبب أنّ التجارب السابقة للعدالة التي جاءت بعد ارتكاب مثل هذه الجرائم، إمّا تمّ تغييب العدالة بالحلّ السياسيّ أو جاءت انتقائيّة من الطرف المنتصر أو جاءت متأخرةً كثيرًا، ممّا أفقدها تأثيرها كما أفقدها دورها في أن تكون رسالة تحذير المجرمين، بل ربما كانت رسالة تشجيعٍ لهم.

كان تحقيق العدالة يخضع إلى المصالح السياسيّة أو الاقتصاديّة التي ربما كانت تحقّق مكاسبَ على المدى القصير بتجاهل العدالة ولكن سيكون تأثير ذلك مدمّرًا على المدى البعيد.

آن الأوان الآن أن نغيّر هذه السياسة، وأن نرسل رسالةً واضحةً للمجرمين ضدّ الإنسانيّة في سورية، ورسالة تحذير للمجرمين المحتملين في المستقبل في العالم. إنّ زمن الحصانة والإفلات من العقاب قد انتهى. وعدم التأكيد على هذه الرسالة سيعطي الضوء الأخضر لكلّ المجرمين الآن والمحتملين في المستقبل الذين نعرف أنّ جميعهم يمكنهم أن يرتكبوا ما شاؤوا من الجرائم ضدّ شعوبهم فلا أحد يهتمّ أو على الأقل لن يفعل أحدٌ شيئًا مع كلِّ ما يرتّبه ذلك من أخطارٍ مدمّرةٍ على العالم.

أنا هنا أحمل صوت مثات الآلاف من السوريّين ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة التي ارتكبها مسؤولون لا يزالون                              يمارسون نفوذهم وسلطتهم على الأرض ويستمرّون بارتكاب الجرائم. هؤلاء الضحايا ينتظرون منكم رسالة أملٍ بأنّهم سيصلون إلى حقّهم بالعدالة.

نحن نقاتل بالقانون الذي صنعته الحضارة البشريّة وبالطرق السلميّة للوصول إلى حقوقنا. الإرهاب هو عدونا جميعًا، بل ربّما كان عدونا قبل أن يكون عدوكم. ومحاربة الإرهاب لا تكون بالوسائل العسكريّة فحسب، بل بعدم ترك الضحايا نهبة لليأس والإحباط وانسداد أفق الوصول إلى العدالة، ما يجعلهم أرضًا خصبةً للمتطرّفين والمنظّمات الإرهابيّة.

أنا هنا بما أحمل من أملٍ للضحايا أطالبكم في هذا المؤتمر بموقفٍ واضح والتزامٍ بتحقيق العدالة ومحاسبة مجرمي الحرب والمجرمين ضدّ الإنسانيّة وتقديم كلّ الإمكانات وكلّ ما يلزم من الدعم للجهات والهيئات والمنظّمات التي تعمل على ذلك، وتشجيع الدول التي لديها الصلاحيّة العالميّة لمحاسبة المجرمين على استعمالها، وتبنّي ودعم كلّ مآلات الإجراءات القضائيّة التي جرت وتجري في أوروبا والعالم لمحاسبة المجرمين. وهنا أتوجّه بالشكر إلى دولتي ألمانيا وفرنسا والسلطات القضائيّة فيهما لتصديها الشجاع لهذه المهمّة.

وأطالبكم بموقفٍ واضحٍ والتزام بعدم التعامل أو مكافأة أو إعادة تأهيل مجرمي الحرب والمجرمين ضدّ الإنسانيّة تحت أيّ مسمّى أو بسبب أيّ عذر. هذا هو الموقف الوحيد الذي يمكن أن يحقّق رسالة الحضارة ومبادئ الإنسانيّة التي بذلت جهدًا ووقتًا كثيرًا لبنائها خلال العقود الماضية. إن تجاهل ذلك سيقوّض البنيان الدوليّ الذي بُني ليحفظ السلم العالميّ، وسيجعله من غير جدوى أو قيمة.

اترك تعليقاً