unsere Auswahl für Sieغير مصنف

محاكمة “كوبلنز” وضعف الاهتمام الإعلامي العربي

المحامي ميشال شماس

إنها المرة الأولى في العالم التي يمثل فيها ضابط وعنصر سابقين في المخابرات السورية أمام المحكمة الإقليمية العليا في مدينة كوبلنز الألمانية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سجون ومعتقلات الأسد، بين عشية وضحايا تحولت مدينة “كوبلنز” إلى قبلة لمراسلي وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية جاؤوا من مختلف دول العالم ليسمعوا وينقلوا للعالم وقائع جلسات أول محاكمة من نوعها تجري في العالم ضد مسؤولين أمنيين في نظام الأسد متهمين بتعذيب معتقلين واغتصابهم وقتلهم تحت التعذيب.

تميزت الجلسة الأولى بحضور العديد من وكالات الأنباء وسائل الإعلام العربية والألمانية والعالمية المرئية منها والمكتوبة وحضور ممثلي بعض المنظمات الدولية والسورية المعنية بحقوق الانسان، ومع تواصل المحاكمة لوحظ انخفاض في عدد الوسائل الإعلامية التي تغطي وقائع جلسات المحكمة، حيث اقتصرت المتابعة الإعلامية على بعض وسائل الإعلام الألمانية والعالمية. ومن بين المواقع الإعلامية العربية والسورية التي اهتمت بمتابعة المحاكمة برز موقع “ليفانت” الذي استمر بتغطيته المباشرة لوقائع جلسات المحاكمة من خلال مراسلته الصحفية المجتهدة السيدة “لونا وطفة” التي دأبت على حضور كافة الجلسات والتقارير التي كانت تعدّها عقب كل جلسة، وكذلك تغطية النشاطات المرافقة لجلسات المحاكمة واللقاءات التي كانت تجريها مع الناشطين والمحامين الذين حضروا الجلسات. وكنت شخصياً مع كثير من السوريات والسوريين ننتظر موعد البث المباشر الذي كانت تجريه الصحفية “لونا وطفة” عقب انتهاء كل جلسة حتى نعرف أهم ما جرى في هذه الجلسة أو تلك، كما كنا ننتظر تقريرها المفصّل عن وقائع ما حدث في الجلسة بالتفصيل، ولولا متابعتها المشكورة، لما استطعنا معرفة ماذا يدور في داخل قاعة المحاكمة. ولا يسعني بهذه المناسبة إلا توجيه التحية للسيدة لونا وطفة على جهودها المتواصلة لنقل حقيقة ما يجري في محاكمة كوبلنز التي تهم جميع السوريات والسوريين ولاسيما الضحايا وذويهم الذين يأملون ان تفتح هذه المحاكمة الطريق أمام تحقيق العدالة لكل السوريين ومحاسبة الجناة.

من حقنا كسوريين أن نسأل القائمين الوسائل الإعلام “السورية” المحسوبة على المعارضة من قنوات تلفزيونية ومواقع وصحف الكترونية عن سبب ضعف اهتمامهم بالتغطية المباشرة لجلسات هذه المحاكمة المهمّة لجميع السوريين والاكتفاء بمتابعة الحدث من خلال ما تنقله وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأجنبية أو نشر بعض التقارير عنها، وأقصد هنا بحديثي تلك المؤسسات الإعلامية التي لديها امكانيات مادية كبيرة التي لن تعجز أبداً عن تكليف مراسل لها لتغطية جلسات هذه المحاكمة المهمة وتنقل ما يجري فيها للمشاهدين السوريين الذين تتحدث باسمهم.. أليست هي وسائل اعلام سورية، وأعلنت عن نفسها أنها تمثل صوت السوريين وقضاياهم في الشتات والداخل؟ أليست هذه المحاكمة تشكل قضية سورية بامتياز وتهم السوريين جميعاً؟ أم المسؤولين في تلك المؤسسات الإعلامية ليسوا راضين عن هذه المحاكمة كما لوحظ في طريقة تناول البعض أخبار هذه المحاكمة، أم لأن ممولي تلك المؤسسات لهم رأي أخر؟

أما بالنسبة إلى وسائل الإعلام العربية فلا يمكننا أن نرتجي منها الشيء الكثير، على اعتبار أن معظمها إن لم يكن جميعها وسائل إعلام غير مستقلة، فهي إما حكومية بالكامل أو ممولة من جهات قريبة من السلطة، وهي بهذه الصفة لا تستطيع  إلا أن تعبر عن مصلحة السلطة الحاكمة، أو سياسة الممولين لها، وبعض الإعلام العربي ربما يخشى من تغطية وقائع هذه المحاكمة التي قد تطال يوماً حكاماً ومسؤولين عرب متورطين النزاع السوري سواء من خلال تقديم الدعم لنظام الأسد أو القوى والميلشيات المعارضة له والمشتبه بارتكابها جرائم حرب وإبادة وتهجير وجرائم ضد الإنسانية من قتل وتعذيب واغتصاب بحق السوريات والسوريات.

بالعودة إلى وسائل الاعلام الألمانية فلم يكن غريباً أن تهتم بهذه المحاكمة كالقناة الألمانية الأولى Das Erste والقناة SWR ومجلة Der Spiegelو Die Zeit، كما شوهد مراسل قناة Dw الألمانية في بون  يتابع بعض الجلسات، فالمحاكمة تجري على الأراضي الألمانية وفي محكمة ألمانية وقضاتها ألمان، يضاف إليها ما تشكله هذه المحاكمة من حساسية في وجدان الشعب الألماني تجاه الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها النازية خلال الحرب العالمية الثانية، هذا الشعب الذي يريد صادقاً من خلال هذه المحاكمة مواصلة التطهر مما ارتكبته النازية بحق الشعب الألماني والبشرية كواجب أخلاقي وقانوني وإنساني.

وحدها قناة دويتشه فيله DW العربية لم تولِ الاهتمام الكافي لهذه المحاكمة الهامة، بل اكتفت بنشر بعض الأخبار عن المحاكمة على موقعها الالكتروني، والغريب أن هذه القناة ألمانية وموجهة للناطقين باللغة العربية، وهناك حدث مهم في ألمانيا يهم القارئ العربي والسوري أن يطلع على تفاصيله. ألا يكفي هذا لأن يقوم مسؤولي القناة بمتابعة هذا الحدث ونقله للمشاهد العربي وتحديداً للاجئين السوريين الذين يقارب عددهم المليون نسمة في ألمانيا والكثير منهم كان ضحية للتعذيب ومنهم من فقد قريباً له تحت التعذيب في سجون الأسد والميلشيات المسلحة، أم أن الموقف الشخصي لبعض مسؤولي القسم العربي المؤيدة ضمناً لنظام الأسد قد لعب دوراً في صرف اهتمام القناة عن أول محاكمة من نوعها تجري في العالم ضد مسؤولين أمنيين في نظام الأسد متهمين بتعذيب معتقلين واغتصابهم وقتلهم تحت التعذيب؟

إننا كسوريات وسوريين عموماً وخصوصاً نشطاء حقوق الانسان والكتاب والصحفيين والإعلاميين والمؤسسات إعلامية معنيون جداً بإنجاح هذا المسار القضائي الجاري الآن في أوروبا لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب وضد الإنسانية في سوريا ولاسيما محاكمة “كوبلنز” التي تتجاوز في أهميتها والنتائج التي ستترتب عليها ودلالتها مجرد محاكمة عنصرين سابقين من المخابرات السورية لتشمل نظام القمع الأسدي بأكمله وأن هذه المحاكمة ستشكل محطة أساسية  على طريق مكافحة الإفلات من العقاب في انتهاكات حقوق الإنسان البالغة الخطورة ليس في سوريا وحسب، بل وعلى مستوى العالم ايضاً.

لهذه الأسباب وغيرها، فإن الواجب يفرض علينا مضاعفة جهودنا لإنجاح هذا المسار القضائي لقطع الطريق نهائياً أمام من تسبب بمأساتنا من أن يكون له دور في إعادة بناء سوريا مستقبلاً، وحرمانهم من أي ملاذ أمن، ولتكون هذه المحاكمة نقطة انطلاق مهمة في مسيرة تحقيق العدالة لجميع الضحايا.