أخبار المحاكماتمحكمة كوبلنتز

موجز للحكم الذي أصدرته المحكمة الإقليمية بكوبلنتز بحق المتهم إياد غريب

الصحافية الحقوقية لونا وطفة

باسم الشعب صدر الحكم

أدين المتهم إياد الغريب بالمساعدة والتحريض على التعذيب والحرمان الشديد من الحرية كجرائم ضد الإنسانية ، وفقًا للمادة السابعة الفقرة الأولى رقم خمسة ورقم تسعة من القانون الجنائي الدولي. حكم على المتهم بالسجن 4 سنوات و 6 أشهر.

الموضوع غير مألوف ولكن سنعيد الحكم متزامناً بترجمة عربية للجمهور.

حكم على المتهم إياد الغريب بسبب اقترافه جريمة ضد الإنسانية لمدة أربع سنوات ونصف سجن.

التعليل الشفوي:

المتهم لم يدلي بإفادته شفهياً في المحكمة ولكنه قام بإعداد بيانٍ مكتوبٍ بناءً على اقتراح محاميه بشأن عرض صور قيصر في هذه القضية وشرح فيه أسباب عدم انشقاقه باكراً. هذا التصريح أعطي للمجلس القضائي وقمنا بتقديره.

أولاً بالنسبة للسيد الغريب فقد ولد  في دمشق بتاريخ 25/5/1976 وهو سني وعائلته من الموحسن والتي زار فيها المتهم المدرسة ولكنه لم يحصل على شهادة تخرج. منذ عام 1994 وحتى عام 1995 عاش مع أحد أقاربه في دمشق وعام 1996 التحق بالعمل في منطقة نجها وعمل بتدريب مهني لسنتين مع المخابرات السورية. تدرب المتهم على استعمال السلاح وأنواع مختلفة من القنابل.

في العام الثاني من تدريبه تدرب ليصبح مدرب رياضة، ومن تاريخ 10/7/1996 وحتى 15/12/2012 كان المتهم يعمل مع مديرية المخابرات العامة. حتى نهاية 1997 عمل كمدرب لأنه وبحسب معطياته الخاصة كان مُدرِّباً جيداً. اقتبس من المتهم قوله واصفاً عمله: “لابد من إكراه الناس على أن يتحملوا أكثر”.

في العامين 2004 و 2005 حصل على تدريب في مكافحة الإرهاب حيث تعلم مداهمة المنازل في المدن الكبرى والأرياف ونصب الكمائن والتحايل وخطف أشخاص مسلحين وغير مسلحين واعتقال وحماية أشخاص مهمين وبشكلٍ أساسي اقتحام المنازل ومعارك الشوارع.

في شهر شباط 2010 وصل المتهم إلى رتبة رقيب وبدأ عمله في الفرع 251 حيث كان يعمل في قسم الأديان وكان مسؤولاً عن أربعة أحياء في دمشق وكانت مهمته مراقبة المساجد والتجسس على الأئمة وكان يرسل المعلومات التي كان يحصل عليها لرئيس قسم الأديان كمال الأحمد.

في صيف العام 2011 تم نقله إلى قسم الزبداني في عملٍ مكتبي، ولأن العمل هناك لم ينل إعجابه تم نقله وعاد بداية إلى قسم الأديان في الفرع 251 وبعد ذلك بتاريخ تموز 2011 تم نقله إلى قسم آخر بالفرع 251 وهو قسم الأربعين، وعمل في هذا القسم بحسب أقواله حتى كانون الثاني 2012.

في هذا الوقت انشق المتهم دون زوجته وأطفاله الأربعة وقامت المخابرات السورية بالبحث عنه وسألت زوجته وأخيه عنه. وفقاً لنتائج القضاة لم تستطع المخابرات منع عائلته من الفرار، حيث التحقت زوجته لاحقاً به من خلال استخدامها لهوية ابنة عمها، هيئة المحكمة لم تستطع التحقق من فترة هروبه والتي قال فيها بحسب روايته الخاصة أنه سافر إلى تركيا في شباط 2013 وأنه بتاريخ 25/2/2018 سافر إلى ألمانيا عبر اليونان ولم نستطع التحقق من ذلك أيضاً، وقد تم ذلك له عن طريق لم شمل العائلات بحسب القانون الألماني لأنه أرسل ابنه البالغ من العمر 16 عاماً قبل ذلك إلى ألمانيا.

المتهم متزوج ولديه 6 أطفال ويعيش على مساعدات الدولة ولديه إقامة مؤقتة من أجل اللجوء. في السجل الجنائي هناك ملف واحد له بخصوص حالة واحدة من التسبب بالإصابات الجسدية. في 25/5/2018 في مدينة هيرمزكيل مكان إقامته السابق نشب شجار بين ابنه وطفل آخر انتهى بضرب المتهم الغريب للطفل الآخر على وجهه وحكم عليهبدفع 5 يورو في اليوم لمدة 20 يوم أي ما يصل لمئة يورو غرامة.

في القضية الحالية تم اعتقاله في مدينة سفايبروكن بتاريخ 12/2/2019 ووضعه في الحبس الاحتياطي، وتم الإفراج عنه بتاريخ 17/5/2019 من السجن الاحتياطي. وبناءً على القرار الصادر من محكمة العدل الاتحادية بتاريخ 6/6/2019 تم سجنه مرة أخرى بتاريخ 15/8/2019 وهو رهن الحبس الاحتياطي والمحاكمة منذ ذلك الحين.

تقدير الوقائع:

تقدير الوقائع يستند بشكل أساسي على أقوال المتهم لدى المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء ولا سيما لدى الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية بتاريخ 16/8/2018.

تم التحقق مع محكمة العدل الاتحادية العليا عن قرارها بتاريخ 6/6/2019 المتعلق بقبول تصريحات الغريب لدى مكتب التحقيقات الجنائية وأكدت قبول الأقوال، وأيضاً ذكرت بالتفصيل رقم الصفحة والفقرة (الصفحة 13 الفقرة الأولى) ولم يخرج من المحكمة الابتدائية خلاف ذلك ولم يحصل القضاة على أي إفادات إضافية من الغريب.

لابد لنا من أجل أن نفهم القضية بشكل أفضل، أن نتطرق للوضع في سوريا قبل اعتلاء بشار الأسد الحكم.

سوريا هي دولة تعيش فيها طوائف متعددة, قبل العام 2011 كان المواطنون مكونين بالدرجة الأولى بنسبة 60 إلى 70% من السنة و 11% من العلوية والبقية أقليات مختلفة مثل الدروز والمسيحية واليزيديين. كانت الفرصة الوحيدة للارتقاء عند العلويين هو الجيش ولذلك كانوا يمثلون غالبية أفراده.

عام 1970 اعتلى الأب حافظ الأسد بانقلاب عسكري الحكم، وفي عام 1973 تم تثبيت حزب البعث كحزب حاكم من خلال تعديل دستوري ولم يكن هناك أي إمكانية لمقاومة عائلة الأسد وعائلة مخلوف. الأداة الرئيسية لهم للاحتفاظ بالسلطة كانت أجهزة المخابرات، انغرست هذه الأجهزة في المجتمع بأسره وخلقت حالة من الخوف وعدم الثقة. ساهمت حالة الطوارئ التي أُعلن عنها عام 1963 باعتقال الناس وحبسهم في السجون، بيد أن حظر التعذيب كان ضمن القانون ولكن هذا لم يشكل مانع أمام المخابرات لتعذيب المعتقلين، وفي الحالات التي لم تكن المخابرات كافية لذلك لم يكن لدى حافظ الأسد مانع من استخدام الجيش. بدأ ذلك في مجزرة حماه عام 1982 حين أمر حافظ الأسد الجيش بقصف المدينة وقُتِل الكثير من المدنيين وبهذا تم خنق كل محاولة لمقاومة العائلة.

عام 2000 تولى بشار الأسد السلطة وفي الأشهر الأولى تحسن الوضع قليلاً، تُدعى هذه الفترة أيضاً بإسم ربيع دمشق، تم فعلاً الإفراج عن معتقلين سياسيين وتأسيس صحافة مستقلة، ولكن في صيف 2001 عاد بشار ليمارس سياسة والده وتم سحب الحريات السياسية وعادت الاعتقالات، حيث اعتقل العديد من الأشخاص في إيلول لعام 2001. السنوات التالية لذلك هيمنت عليها حرب العراق وأدت لاضطرابات في المنطقة وتقارب سوري إيراني، علماً أن بشار الأسد أفلح في إعادة العلاقات مع دول أخرى في تلك الفترة. مع انطلاق الربيع العربي نمت الطموحات لدى السوريين، فقام الناس بالكتابة على الانترنت وخرجوا بالمظاهرات ولكن لم تكن تلك الأوضاع السائدة في عموم سوريا. في شهر آذار 2011 تصاعد الموقف في سوريا، تحديداً في درعا حيث كُتبت شعارات من قِبل أطفال على الجدران، قامت قوات الأمن والمخابرات بالرد على ذلك بمنتهى القسوة وتم اعتقال هؤلاء الأطفال الذين كتبوا من قبل المخابرات العسكرية وتم إطلاق سراحهم بعد فترة ولكن مع آثار تعذيب رغم اعتقالهم لفترة قصيرة نسبياً، تلا ذلك الكثير من المظاهرات في جميع أنحاء سوريا.

15/3/2011 كانت أول الاحتجاجات في دمشق.

18/3/2011 تظاهر الكثير من الناس في درعا، فهجمت قوات الأمن واعتقلت المئات وكان هناك جرحى أيضاً واثنان أو ثلاثة قتلى، لم يتم الإعلان عن أي إصلاحات بعد ذلك، بل على العكس زاد التواجد الأمني في درعا. في 23/3/2011 أُطلِق النار على المتظاهرين ووقع الكثير من الضحايا. الاحتجاجات في درعا وصلت للآلاف. بتاريخ 1/4/2011 وقع أول الضحايا في دمشق وريفها وفي دوما قتل ما لا يقل عن 4 أشخاص بعد إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وفي حين أن بعض المتظاهرين رموا بعض الحجارة على قوات الأمن، بيد ألَّا أحد منهم حمل سلاحاً في ذلك الوقت، وهذا ينطبق على الكثير من المظاهرات السلمية حينها، حتى أن بعضهم حمل أغصان الزيتون.

لكي يتمكن النظام من الرد على ما يحدث تم في عام 2011 تأسيس خلية الأزمة التي اجتمع فيها أهم الأعضاء في المخابرات السورية وكان بشار الأسد نفسه يترأس الخلية، ومن ضمن أعضائها كان رئيس مكتب الأمن الوطني، المخابرات العسكرية، المخابرات الجوية، المخابرات السياسية، جهاز المخابرات العامة ووزيري الدفاع والداخلية. ابتداءاً من شهر نيسان كانت هذه الخلية من يتخذ القرارات بشأن المظاهرات والتعامل مع المعارضة وقامت بصياغة خطاب موجه لأفرع المخابرات بتاريخ 18/4/2011 وكان مما جاء فيه “فترة التسامح قد انتهت”، وفي هذا التعميم تم إعطاء معلومات صريحة لكيفية التعامل مع المتظاهرين وعدم إطلاق سراح المعتقلين منهم، وورد فيه عن ذلك: “لابد من مواجهة هذه المظاهرات بقوات الأمن ولكن إن تطلب الأمر أيضاً بالجيش، المتظاهرون المسلحون يجب مواجهتهم باستخدام السلاح”. عقب اجتماع لجنة التنسيق العسكرية المركزية بتاريخ 20/4/2011 تم تشديد التعليمات وجاء أيضاً فيها: “من الضروري البدء بمرحلة جديدة، من المهم مكافحة ذلك بكل الوسائل وحسم المعركة” اقتباس آخر: “لابد من وضع خطط واضحة ومفصلة لمواجهة الاحتجاجات وخصوصاً في درعا وريف دمشق وحمص”. هذه الخطط كانت قابلة للتنفيذ ليس فقط من المخابرات وإنما أيضاً من قبل الجيش. بناءً عليه فقد ارتفع عدد الضحايا المدنيين بشكل كبير.

بتاريخ 23/4/2011 وقع عدد كبير من الضحايا واستخدم عناصر الأمن إلى جانب الغاز المسيل للدموع الذخيرة الحية. بتاريخ 25/4/2011 اقتحمت القوات السورية مدعومة بالجيش مدينة درعا وقتل يومها ما يقارب 200 شخص، وحين خرج الناس في درعا بتاريخ 29/4/2011 لتقديم المساعدات للمتضررين والتظاهر قامت قوات الأمن بإطلاق النار عليهم. نهاية نيسان 2011 وقعت في أماكن أخرى حوادث مشابهة. في دوما مثلاً كان هناك مداهمة أُطلق النار فيها وجُرح فيها الكثير. بسبب سلوك النظام هذا قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في شهر أيار بفرض عقوبات على سوريا ومع ذلك ازداد عدد المعتقلين. بعد ذلك تم استخدام قوات مقربة للنظام كالشبيحة. في شهر تموز 2011 تم تأسيس الجيش السوري الحر للتصدي للنظام والدفاع عن المدنيين، جزءٌ من الجيش الحر كان منشقون عن الجيش النظامي، وقد تمكنت المحكمة من التأكد أن المنشقين الذين أحجموا عن رمي الرصاص على المتظاهرين أُعدموا. في تموز 2011 اقتحم النظام مدينة حماه وقتل العديد من المدنيين. آب 2011 تصاعدت الأمور. بتاريخ 5/8/2011 أدان مركز قيادة القوات المسلحة رد الفعل المتساهل من الأمن على المظاهرات واتخذت خلية الأزمة قرارات أخرى لمواجهة المتظاهرين وجاء في تعميمها: “على جميع قوات الأمن التنسيق سوية لمواجهة المظاهرات”، بناءً على هذا التعميم كان يتعين إلقاء القبض على كل المتظاهرين، وبعد عمليت التفتيش كان لابد من اعتقال كل المتآمرين، وكان يتعين أيضاً إرسال أسماء المعتقلين إلى مدير مكتب الأمن القومي في خريف 2011، تلا ذلك مظاهرات مع محاولات قمع لها وبدأت المظاهرات تأخذ طابع يتسم بالعنف. مثال على ذلك “وهو ليس مثال على عنف المتظاهرين” في دوما مثلاً قامت الحكومة بقطع الكهرباء والماء وشبكة الانترنت عن المواطنين وفي نهاية أيلول قام الجيش بمحاصرتها. منتصف تشرين الأول أخذت الجامعة العربية المبادرة لموازنة الأمور بين النظام والمعارضة وقدمت بعض المقترحات كانسحاب القوات السورية والدبابات وإطلاق سراح 3500 معتقل والسماح للجامعة العربية ووسائل الإعلام بإعداد تقارير عن الوضع في سوريا، وافق النظام على بعض هذه المقترحات.

أعطت الحكومة السورية انطباعاً أنها تُهاجَم من قِبل إرهابيين من الخارج، حيث أنه وكما قال المتهم الغريب تم دسُّ أسلحةٍ ضمن المتظاهرين ليقال أنهم إرهابيون، وأيضاً ذهب أعضاء من المخابرات السورية إلى المستشفيات وقاموا بالتمثيل أنهم عُذِّبوا وسُمح لوسائل الإعلام بتصويرهم، وأثناء زيارة بعثة الجامعة العربية للفرع 251 تم نقل المعتقلين من هناك. وعلى الرغم من مساعي الجامعة العربية كان الوضع قد تفاقم نهاية 2011 وبداية 2012.

أريد أن أختصر وسأذكر بعض الأمثلة، شباط 2012 كان هناك مظاهرة في منطقة المزة في دمشق قُتل فيها شخص واعتُقل العشرات. في ذات الشهر تعرضت مدينة حمص لقصف صاروخي عدة مرات، وأيضاً في حمص في شهر آذار2012 ذُبح أناسٌ وقُتل أطفالٌ وبالغون على أيدي القوات الحكومية، ونسبت الحكومة عمليات القتل لمجموعات إرهابية.

استنتاجاتنا تقوم بالدرجة الأولى على ما أوردته الخبيرة ثورمان والشاهد إنغلز من منظمة سيجا وعبرهم تم إعطائنا تقارير اقتبست منها ما يتعلق بخلية الأزمة. أيضاً كان هناك دور لما قاله الصحفي رويتر والسيد مازن درويش والأستاذ أنور البني مشكورين.

والآن لدور أجهزة المخابرات السورية: كانت تلعب دوراً هاماً في قمع المظاهرات، وكما ذكرت آنفاً كانت تمثل أداة النظام للاحتفاظ بالسلطة حتى في عهد حافظ الأسد. كان هناك خمس أجهزة مخابرات: مكتب الأمن الوطني وهو جهاز التنسيق، المخابرات العسكرية، الجوية، المخابرات العامة، ومكتب الأمن القومي، الأجهزة الأربعة الأخيرة مركزية ولها أفرع في دمشق وأنحاء البلاد الأخرى. الفروع الأمنية المختلفة كان لديها سجون يُمارس فيها التعذيب حتى في عهد حافظ الأسد. وسائل التعذيب كانت كالضرب الجماعي بالأيدي والأرجل أو باستخدام أدوات كالعصي والدولاب حيث يتم زج الضحية داخل دولاب ويبقى الجزء الأعلى منه مكشوف مع اليدين والقدمين والرأس، ووسيلة الشبح حيث يتم تعليق الضحية لساعات أو أيام من يديها وتلامس رؤوس أصابع قدميها الأرض.

واصل بشار الأسد استخدام كل هذه الأدوات والأساليب على من يعارضه، وكوسيلة لتحقيق هذا الغرض ألحق بذلك وسائل أخرى بداية الثورة كالاعتقالات التعسفية الواسعة، فازداد عدد المعتقلين وضحايا التعذيب في السجون. في حين كان غرض الأفرع الأمنية سابقاً الوصول إلى المعلومات، احتل مركز الصدارة منذ 2011 غرضٌ آخر وهو تدمير المعارضة وازدادت الظروف سوءاً في مؤسسات الدولة، حيث أن المعتقلين لم يلقوا حتفهم فقط بسبب التعذيب بل أيضاً بسبب التجويع وسوء الرعاية الصحية والجروح التي تُركت دون عناية طبية تُذكر حيث لم يكن هناك أي نوع من الرعاية الطبية إلا بنطاق ضيق. كانت أقراص الدواء تُرمى داخل الزنزانة مثلاً، إمكانية نقل معتقل إلى مشفى للعلاج كانت تخيف المعتقلين لدرجة أنهم يخفون جراحهم والسبب في ذلك يعود إلى أن المشافي العسكرية كتشرين والمزة 601 وحرستا لم تقدم العلاج لأحد بل كانت تعذبهم أكثر. جثث من قضوا تحت التعذيب كان يتم تجميعها داخل المشافي العسكرية وبعد اندلاع الانتفاضة بوقت قصير تم تكليف مصورين عسكريين لتصوير هذه الجثث التي كاانت معلَّمة بأرقام لإيراد دليل أنهم ماتوا فعلاً ولم يتم إطلاق سراحهم، ومع مرور الوقت ازداد عدد الضحايا. في نجها تحديداً في شهري تشرين الأول والثاني لعام 2011 تم حفر مقابر جماعية بعمق 6 أمتار وعرض 2 لـ 4 أمتار وطول 100 إلى 200 متر، مثلها أيضاً في منطقة القطيفة وتم نقل الجثث بشاحنات كبيرة ودفنهم على عجل ولم يتم إخبار عائلات الضحايا عن مصير أقربائهم، وأيضاً لم يكن من الممكن الوصول إلى أي معلومة إلا من خلال وساطات أو رشاوى لإطلاق سراح المعتقلين.

أُذَكِّر مرة أخرى بما يتعلق بتقدير الأدلة، استنتاجنا يقوم بالدرجة الأولى على أقوال الشهود كالشاهدة غارانس لو كين التي نقلت لنا معلومات عن عمل قيصر ومعاونه سامي وتمكنا من إدراج أقوال سامي عن طريق المفتش الجنائي الذي استمع لأقواله سابقاً. في ملفات قيصر تمكنا أيضاً من التأكد من وجود 6821 ضحية من بين 26935 صورة في جلسة البروفيسور روتشيلد الذي قدم تحليل الطب الشرعي للمحكمة، وأقول بشكل شخصي هنا، أنا لن أنسى هذه الصور أبداً.

بالعودة إلى الفرع الأمني 251 فهو يتناسب تماماً مع الصورة العامة لأفرع المخابرات، يسمى أيضاً بالفرع الداخلي بسبب طبيعية عمله أو بالخطيب بسبب موقعه، وهو فرع تابع للمخابرات العامة ويخدم أغراض المراقبة لأجهزة المخابرات الأخرى وحزب البعث. وكان يترأسه توفيق يونس والفرع مسؤولٌ عن الأمن الداخلي ويقع في شارع بغداد على مقربة من مشفى الهلال الأحمر. الفرع مكون من بنائين بينهما فناء داخلي وهناك قبو واحد يتبع لأحد هذين المبنيين ويوجد فيه سجن الفرع وهو مكون من عدد من الزنازين الانفرادية والجماعية وفيه أيضاً غرف للتحقيق، وأيضاً هناك غرف تحقيق أخرى في الطوابق العلوية وتم اعتقال رجال ونساء بشكل منفصل عن بعضهم البعض. في حالات معينة كالمظاهرات يتم اعتقال أعداد كبيرة من الأشخاص فيتم إنزالهم من الحافلات إلى فناء السجن وهنا يتعرضون لما يُدعى بحفلة الاستقبال، هذا يعني أن المعتقلون سيتم ضربهم من قِبل كل عنصر أمن موجود إما بالأيدي أو بالأدوات كالعصي والهراوات، وكانوا يُضربون بشكل عنيف لدرجة كسر الأضلع، أو ضرب الرؤوس بالحائط حتى الإغماء، وكان يجب أن يبقوا هناك لساعات حتى يتم أخذهم إلى مكتب معين حيث يُجبرون على خلع ملابسهم ويسلِّمون هناك كل أغراضهم الشخصية. للتحقق من عدم وجود أشياء في أجسادهم كان يجب أن يقوموا بحركة القرفصاء عدة مرات. بعد أن يتم فحصهم يرتدون جزء من ملابسهم ويتم أخذهم إلى الزنزانات، بعضهم وُضع بشكل جماعي في منفردات بعرض متر وطول مترين تقريباً. الظروف داخل الزنزانات كانت كارثية ومكتظة جداً، لم يكن بإمكان المعتقلين النوم هناك إلا عبر أسلوب معين ابتدعوه بأنفسهم كأن يتناوبوا في الجلوس والاستلقاء أو يعقدوا أقدامهم. أحياناً يكون المرحاض داخل الزنزانة مفصولاً فقط بستارة وغير كافي للعدد الموجود، وإن لم يكن المرحاض داخل الزنزانة فكان يُسمح لهم بالخروج إلى المرحاض مرة أو مرتين باليوم، ماء الشرب كان من الصنبور الموجود في المرحاض أيضاً ولم يكن بإمكانهم الاستحمام.

وأيضاً لم يكن هناك ضوءٌ للنهار يدخل للزنزانات التي كانت إما مظلمة تماماً أو أن كان المصدر الوحيد للضوء مصباحٌ داخل الزنزانة مُضاء 24 ساعة وبالتالي لا يمكن للمعتقلين التمييز بين الليل والنهار، وبسبب قلة النظافة كان هناك مشاكل جلدية لديهم دون علاج، ولم يكن هناك أي شكل من أشكال العناية الطبية. الهواء في الزنزانة كان مزرياً بسبب كثرة العدد. الطعام لم يكن كافياً وإنما فقط ليبقوا على قيد الحياة، وكان بإمكانهم سماع صرخات التعذيب بكل الأوقات ولم يحصلوا على أي معلومات عن اعتقالهم. الاستجوابات غالباً تواجد فيها محقق واحد وسجَّان وعندما لا تعجب المحقق الإجابة يتم ضرب المعتقل من السجَّان وأحياناً قبل أن يعطي أي جواب أصلاً، هذا التعذيب كان يتم بموجب تعليمات أعطيت أو بمحض الروتين. كان هناك استخدامٌ لصعقات كهربائية أو ركل وضرب بالكابلات أو على الأقدام “الفلقة” والتي استخدمت كثيراً. يتم ضرب الضحية أيضاً في حالة الدولاب والشبح الذي لم يكن فقط وسيلة لتعليق الضحية بل أيضاً لتعذيبها وضربها، يضاف إلى ذلك أقوال شهود بأنه تم توجيه تهديدات لهم ولأهلهم في سوريا.

في هذا الفرع كان المتهم موجود منذ عام 2010 وكان في قسم الأديان، ثم انتقل إلى فرع في الزبداني ومن ثم عام 2011 انتقل إلى قسم الأربعين وهو قسمٌ ينتمي شكلياً إلى الفرع 251 ويُدار من قبل حافظ مخلوف، يتمتع مخلوف بقدر كبير من المسؤولية بسبب القرابة مع بشار الأسد. العناصر فيه هم وحدات تدخل سريع لمهام خارجية كمداهمات واعتقال على الحواجز أو في المظاهرات. المتهم وصفه بقوله: “فرع مافيوي”. الظروف السائدة في الفرع 251 لم تخفى على المتهم وحتى أثناء وجوده في قسم الأربعين، حيث كان يعلم أن هناك عمليات تعذيب للمعتقلين وكان يسمع صرخاتهم حتى من الكافيتيريا التابعة للفرع كما أخبر الشرطة الجنائية.

في الشهر التاسع أو العاشر عام 2011 كان المتهم يعمل لصالح قسم الأربعين وكان هناك في منطقة دوما اعتصام عند الجامع الكبيربلغ حوالي 3000 لـ 6000 متظاهر جلسوا بشكل سلمي، لمكافحتهم تم استخدام 1000 عنصر أمن من وزارة الداخلية والجوية والفرع 251 والمخابرات العسكرية، القسم 40 كان مُمثلاً من 250 شخص من بينهم المتهم نفسه. أفراد القسم 40 على الأقل كان لديهم الأمر ليطلقوا الرصاص الحي وحافظ مخلوف أمر بذلك شخصياً وبحسب أقوال المتهم فقد قال مخلوف: “من يحب الرئيس فليبدأ بإطلاق النار”. توجه مخلوف بسيارته المرسيدس بنز إلى المظاهرة وشتم المتظاهرين وفتح النار عليهم، خمسةٌ منهم قتلوا، كان هناك ست أو سبع عناصر أمن أطلقوا النار أيضاً، الغريب لم يُطلق النار بل تراجع إلى الصفوف الخلفية. قوات الأمن، ومن بينهم المتهم، طاردت المتظاهرين واعتقلت الكثير منهم وبعدها تم نقل المتظاهرين من دوما إلى الفرع 251 وتم ضربهم في الحافلة، وبعد وصول الحافلات إلى الفرع 251 تم إخضاعهم لحفلة الاستقبال حتى لحظة دخولهم البناء، ما يعني أن المتظاهرين تم ضربهم بشكل عنيف وأحياناً باستخدام أنابيب معدنية. لم يكن بإمكان هيئة القضاة الحسم إن كان المتهم قد قام بضربهم شخصياً ولكن ولعدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم في هذه المظاهرة فإن هيئة القضاة تنطلق لصالح المتهم المشاركة باعتقال 30 متظاهراً، وأيضاً لأنه ذكر حافلات وليس حافلة واحدة فهي تنطلق لصالح المتهم بحافلتين، وهنا تنطلق المحكمة -بحسب شهادة سابقة بأن الحافلات تتسع لـ 15 إلى 20 معتقل- لصالح المتهم في كل حافلة بـ 15 شخص تم تعذيبهم وإلحاق أضرار جسدية بهم أثناء التحقيق معهم. كافة المعتقلين كانوا خاضعين لظروف كارثية وكان عليهم أن يسمعوا صراخ المعذبين الآخرين طوال الوقت ولا يعرفون شيئاً عن مصيرهم أو إن كانوا سيخرجون أحياء أم لا.

كعضو من جهاز المخابرات الذي كانت مهامه قمع المظاهرات، كان المتهم على علم بما يحصل وكان يعلم أنه يتم نقل المتظاهرين إلى الفرع 251 وكان يعلم ماذا سيحل بهم. المتهم كان يعمل في هذا الفرع منذ شهر شباط عام 2010 وكان يدخل ويخرج من مبنى الفرع وسمع صراخ المعتقلين من الكافيتيريا كما قال بنفسه، وكان يعلم الظروف السائدة ابتداءاً من آذار عام 2011 واقتبس منه: “ازداد عدد العقوبات وكان يحق للسجانين فعل ما يحلو لهم”.

التقدير القانوني:

المتهم مدان بالمساعدة والتحريض على بارتكاب جرائم ضد الانسانية وهيئة المحكمة تنطلق من وجود هجوم موسع ضد المدنيين نهاية عام 2011، وكجزء من هذا الهجوم ساهم الغريب باقتراف هذه الجرائم ومنها التعذيب بحسب المادة السابعة من القانون الجنائي الدولي الفقرة الأولى رقم خمسة، وأيضاً الحرمان من الحرية بحسب المادة السابعة من القانون الجنائي الدولي الفقرة الأولى رقم تسعة.

لم يكن لدى المتهم أي أسباب تبرر ذلك وهيئة المحكمة قامت بفحص ذلك بحسب المادة 35 من القانون الجنائي الألماني وقامت بالنفي. كان من الممكن أن يخضع المتهم لعقوبات لو خالف الأوامر المباشرة ولكن المحكمة لم يثبت لها أن المتهم بذل أي جهد لذلك أو أنه سيواصل ذلك مضطراً، ولم يقم المتهم بالإدلاء بأي أقوال بهذا الخصوص. لم يتحدث عن إمكانية الانسحاب منذ البداية ومن المشكوك به لدى هيئة المحكمة أن يكون هذا السلوك من المتهم سليفت الأنظار علماً أنه كان هناك 250 عنصر آخر أو كان يستطيع أن يزعم أنه أُصيب أو تعثَّر أو ادعى مرضاً قبل هذه العملية، وبالتالي يبقى الموضوع لدينا فعلاً جنائياً غير مبرر.

مقدار العقوبة:

أؤكد هنا أن المتهم لا يمثل هنا نيابة عن جرائم النظام الفظيعة بل بسبب الحصة التي أسهم بها مضطراً في هذه الجرائم. بحسب القانون الجنائي الدولي المادة السابعة الفقرة الأولى فإن الجاني يتعرض لعقوبة ماسة بالحرية خمس سنوات وفق الرقم خمسة من هذه الفقرة، وعقوبة ماسة بالحرية لمدة لاتقل عن سنتين وفق الرقم تسعة من الفقرة ذاتها. ولأن الفعل الأصلي الذي ساهم فيه المتهم يندرج تحت هذه المادة فإن نطاق العقوبة يتراوح بين 5 إلى 15 سنة. وقد قامت هيئة المحكمة بتعديل هذه العقوبة نظراً لظروفه انطلاقاً من المادة السابقة الفقرة الثانية، لتصبح ما بين 2 إلى 15 سنة. هذا التعديل لصالح المتهم يرجع إلى ما يلي:

_المتهم قام بإخضاع نفسه بنفسه فيما قدمه إلى المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء وإلى الشرطة الجنائية الاتحادية وإدانته قائمة أساساً على أقواله، لذلك لابد من المراعاة وخاصة أن عمله مرتبط بهيكلية معينة وكان لابد له من الإذعان لذلك.

_أخذت المحكمة بعين الاعتبار أنه قام بالانشقاق في كانون الثاني 2012 أي بوقت مبكر.

 _لم يكن للمدعى عليه لحظة ارتكابه للفعل أي سوابق جنائية.

ولكن لم يكن ذلك كافياً لنا بموجب المادة السابعة القسم الثاني لتخفيض الحد الأقصى للعقوبة، ومع ذلك، فإن حقيقة أنه ساعد وحرَّض على الجرائم كان سبباً كافياً لتخفيض العقوبة على النحو المذكور أعلاه، وبحسب المادة 49 من القانون الجنائي الألماني فإن أقصى عقوبة ممكن في هكذا نوع من القضايا قد يصل إلى 11 سنة و3 أشهر سجن.

قلنا أننا في نطاق عقوبة ممتد ما بين سنتين إلى 15 سنة ولكن هناك إمكانية لتعديل العقوبة بناءً على المادة 46 الفقرة ب من قانون العقوبات الألماني وفي حين أن المتهم نفسه لم يدلي بأي تصريحات خلال المحاكمة الرئيسية، إلا أنه ساهم في الإضاءة على جرائم أخرى أثناء استجوابه وأدلى بأقوال عن طبيعة مهام المتهم الثاني أنور رسلان، وقال أنه تم ضرب شخص في الفرع 251 حتى الوفاة بقطعة معدنية وأنه تم نقل عشر جثث من شهر خمسة حتى شهر ستة عام 2011 من الفرع 251 وقد تم تضمين هذه الأقوال في لائحة الاتهام ضد أنور رسلان، التي لم يكن من الممكن إثباتها وإسنادها إلى رسلان لولا أقوال الغريب. لهذه الأسباب المحكمة تم تحديد هامش العقوبات الفردية واستخلاص عقوبة من ستة أشهر حتى 11 سنة و3 أشهر. قامت هيئة المحكمة بتقدير الظروف المحيطة وقدَّرت لصالح المتهم أن الفعل مساعدة وليس فعل أصلي. ولابد من الإشارة هنا أنه لولا أقوال الغريب لما كان من الممكن إدانته، وراعت المحكمة الوضع النفسي الذي كان فيه حين عمل مع النظام ولكنه أيضاً انطلق بصفة طوعية من العمل المكتبي إلى العمل الميداني، راعت أيضاً المحكمة أثناء تقدير الحكم عدد الأشخاص الذين كانوا موجودين في الفرع 251 وما لم يكن في صالحه هو حقيقة ارتباط أفعال جنائية به وحقيقة ارتكابه لذلك من جهة اعتقال ثلاثين شخصاً تعرضوا لظروف لا يمكن وصفها. لقد ساعد الغريب بنوعين مختلفين من الجرائم ضد الإنسانية وفقاً للمادة السابعة الفقرة الأولى من القانون الجنائي الدولي وهما التعذيب والحرمان الشديد من الحرية. بناءً على الأسباب المخففة سابقة الذكر، فقد توصلت المحكمة لتقدير العقوبة، وهي أربع سنوات ونصف، وهكذا تكون أسباب الحكم الشفهية انتهت.

توجهت بعد ذلك القاضية كيربر بالحديث مع جهة الدفاع عن المدان إياد الغريب وسألتهم إن كانوا يريدون تلاوة تعليمات بشأن استخدام وسائل الطعن القانونية بنسختها القصيرة أم المفصلة وطلب الدفاع النسخة المختصرة.

(الخطاب موجه من القاضية كيربر مباشرة لإياد الغريب):

يمكنك الطعن بالحكم خلال أسبوع إما بصفة خطية أو بإدراجها ضمن محضر المحكمة المحلية في كوبلنز، ولأنك ضمن الحبس الاحتياطي فمن الممكن أيضاً إدراج ذلك في محضر المحكمة الابتدائية التي تتواجد في اختصاصها.

يجب أن يكون الطعن باللغة الألمانية ويجب أن تصل الصيغة الخطية للمحكمة ضمن أسبوع ولا يكفي لذلك ختم البريد. لابد أيضاً من تعليل الحكم ويجب أن تقدم طلب إلى أي مدى تريد الطعن ولا يكفي من أجل تعليل هذا الطعن تصريحاً موقعاً منك بل لابد من تقديم تصريحات الطعن لديوان المحكمة أو مذكرة موقعة من قِبل المحامي بعد ذلك بشهر واحد ويبدأ من تاريخ تبليغ الحكم خطياً.

_هل هناك حاجة لأي توضيحات أخرى أو أي معلومات تفصيلية أكثر؟ (السؤال من القاضية كيربر لجهة الدفاع عن الغريب). نفى المحامي شوستر الحاجة لذلك. (السؤال وجه أيضاً لجهة الادعاء والتي أيضاً لم تطلب تفاصيلاً أكثر).

القاضية كيربر: هناك أيضاً تعليمات أخرى بخصوص تمديد الحبس الاحتياطي. إن كان هناك شكوى ضد ذلك، فيجب تقديمها باللغة الألمانية إلى المحكمة الإقليمية العليا أو ديوان المحكمة الابتدائية التي يتواجد سجن الغريب في اختصاصها.

صرَّح الادعاء أنه لن يتخذ أي إجراءات قانونية ضد الحكم.

انتتهت جلسة النطق بالحكم ضد إياد الغريب في يوم 24/2/2021 تمام الساعة 11:15 صباحاً.