*محكمة برلين

الجلسة الخامسة لمحاكمة المتهم موفق.د

عقدت المحكمة الخاصة بالمتهم موفق د. في العاصمة الألمانية برلين جلستها الخامسة، وذلك يوم الجمعة الجمعة في الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر. وبدأت الجلسة في الساعة التاسعة والنصف، حيث أدلى الشاهد م.س. بشهادته.

افتتحت القاضية الجلسة بتعريف الشاهد على شروط وقواعد تقديم الشهادة في المحكمة وطلبت

منه التعريف عن نفسه.

قبل بدء الشاهد بالتعريف عن نفسه، طلب محامي دفاع المتهم موفق الدواه منه أن يشرح له سبب تغيير اسمه من م.ع. إلى م.س.، فأشار الشاهد أن اسمه في الهوية. هو اسمه الثلاثي والاسم المتداول بين أهالي المخيم هو اسم العائلة الكبيرة التي ينتمي إليها.

الشاهد م.س. يبلغ من العمر ٤٢ عاماً، ولد في مخيم اليرموك وترعرع هناك. بعد قيام الثورة السورية ضد نظام الأسد اتفق م.س. مع مجموعة من أصدقائه على توثيق الأحداث وأرشفتها بشكل مستقل وغير تابع لأي جهة سياسية أو اجتماعية وباشروا بذلك رغم علمهم بأن نشاطهم الصحفي يشكل خطراً على حياتهم. بقيت ناشطاً في مخيم اليرموك حتى عام ٢٠١٨ حيث اضطررت إلى الفرار منه بعد الغارات الروسية السورية عليه. بعدها استقلت الباص وغادرت إلى إدلب، تركيا حيث أقمت فترة من الوقت حتى تمكنت من اللجوء إلى السويد في آب ٢٠٢١.

بعد ذلك طلبت القاضية من الشاهد الحديث عن يوم الحادثة وسألته إن كان متواجداً في مكانها لاستلام طرد المعونات.

بدأ الشاهد بسرد خلفية الحادثة قبل الخوض في تفاصيلها فقال: موفق الدواه من الناس الذين شاركوا في الحصار على مخيم اليرموك وتسبب في معاناة أهله وتجويعهم.

في شهر شباط ٢٠١٤، أي بعد انتهاء الحصار وبعد السماح بدخول المعونات الغذائية لأهالي مخيم اليرموك، عقد اتفاقاً بين المجموعات المسلحة في مخيم اليرموك مفاده إيقاف إطلاق النار في أوقات توزيع المعونات على السكان، أي ما بين الساعة الخامسة صباحاً والخامسة مساءً. بالإضافة إلى ذلك تم تحديد مناطق السيطرة بين الجيش السوري والقيادة العامة والجيش الحر وتعهد الطرفين بعدم تجاوز الحد الفاصل بين المنطقتين، ألا وهو بناء مخبز المحبة في مخيم اليرموك.

في يوم ٢١ آذار ٢٠١٤ تسلل موفق الدواه مسلحاً إلى سطح بناء مخبز المحبة (توثيق من قبل الشاهد عن طريق الفيديو) وبالتالي نقض الاتفاق الحاصل بين الأطراف المسيطرة في مخيم اليرموك وأثار استفزاز قوات النظام، الذي هو بدوره قد غضب على سكان مخيم اليرموك. وقد قتل ابن أخ المتهم، المدعو عماد الدواه، إثر إطلاق النار يومها.

في اليوم التالي ذهب أهالي مخيم اليرموك كالمعتاد لاستلام المعونات الغذائية وبعدها ذهبوا لتشييع جثمان قريب المتهم، عماد الدواه.

في يوم ٢٣ آذار، يوم وقوع الحادثة، تجمع الناس بالقرب من ساحة الريجة، حيث كان يسمح لهم بالتقدم على شكل أفواج مؤلفة من عشر أشخاص- هنا أضاف الشاهد أن الآونروا مشتركة في الجريمة، حيث إن الموزعين كانوا يأخرون التوزيع وبهذا قد ساهموا بتضخم كتلة الناس المتجمعين لاستلام الطرود.

أما أنا، فكنت أقف خلف الخزان الأصفر (صندوق كهربائي معطل موجود في منتصف شارع اليرموك تحدياً على جهة اليمين ومكانه معروف للكثير من سكان المخيم) محاولاً توثيق عملية استلام المعونات بحيث أتمكن من التصوير ولا أحد يراني، حفاظاً على حياتي.

في ساعات ما بعد الظهيرة رأيت المتهم وبحوزته سلاح ثقيل، أكبر من الذي اعتدنا أن نراح يحمله، كونه مسلح دائماً. عندها كان بإمكاني الفرار للاختباء في بناءٍ مهجور يبعد عن الخزان الأصفر مترين فقط وبعدها سمعت دوي الانفجار.

هنا بدأت القاضية باستجواب الشاهد عن تفاصيل الواقعة:

القاضية: من هو عماد الدوا؟

الشاهد: ابن أخته أو ابن أخاه.

القاضية: متى بدأ توزيع المعونات في ذلك اليوم؟ وكم كان عدد الناس هناك؟

الشاهد: لقد كنت هناك في حوالي الساعة العاشرة صباحاً وقد بقيت حتى المساء، جميع الناس كانوا يذهبون إلى نقطة التوزيع آملين أن يعودوا منها على قيد الحياة. لا يمكنني أن أحدد عدد الناس المتجمعين يومها، فالكثير منهم كانوا يملون طول الانتظار ويذهبون إلى بيوتهم دون أن يحصلوا على أي معونات.

القاضية: هل رأيت موفق الدواه يومها؟

الشاهد: نعم بالطبع، كنت أراه على الجهة المقابلة من الشارع وقد سبق وقلت إنني رأيته مع سلاحه الثقيل، قذيفة ال ب١٠، و يمكنني أن أخبرك من أين حصلت على معلومتي بخصوص نوع القذيفة. أنا أديت خدمتي العسكرية في سورية كعسكرية إدارية ولكنني لدي أصدقاء من العساكر وذوي الخبرة وهم من حددوا نوع القذيفة وليس أنا، فأنا لا أملك عيون صقرٍ، ثم أن الفكرة الوحيدة التي كانت تشغلني في لحظتها هي النجاة.

القاضية: هل رأيته يحمل السلاح؟

الشاهد: طبعاً، كانت بجانبه قذيفة ضخمة وكان يحملها في وضع الجلوس، عندما رأيته سارعت بالاختباء.

القاضية: هل رأيت موفق الدواه بشخصه؟

الشاهد: نعم بالطبع! لا يختلف اثنان على كونه موفق الدواه، فهو من أصحاب السوابق المعروفين في مخيم اليرموك، ثم أنه كان يسكن بالقرب من منزل أختي وزوجها.

القاضية: هل سمعت صوت القذيفة؟

الشاهد: طبعاً! كان دوياً مجنوناً تبعته أصوات صراخ واستنجاد.

بعد زوال الدخان وجدت الناس منبطحين على الأرض ومن بينهم قتلى وجرحى وسادت الفوضى من جديد وبدأ إطلاق النار.

بعدها سارعنا بإنقاذ الناس ونقلهم إلى المشافي وأنا كنت مع المسعفين الذين نقلوا الجثث إلى مشفى فلسطين التابع للهلال الأحمر الفلسطيني. وقد وثقت الكثير بواسطة هاتفي النقال والتقطت العديد من الصور للجرحى وللشهداء الذين أعلنا عن أسمائهم فيما بعد.

وهنا سألته القاضية عما إذا كان هناك أطفال من بين القتلى والجرحى، فأجاب: نعم، هناك طفلاً قد خرجت أحشائه بالكامل وبعد أن تم إغلاق جرحه وبسبب تدهور حالته الصحية نقل ووالده إلى خارج مخيم اليرموك بهدف العلاج.

القاضية: كم كان عدد الموتى؟

الشاهد: سبعة أشخاص فارقوا الحياة في يوم الحادثة وآخرين ماتوا متأثرين بجراحهم بسبب نقص الموارد الطبية في المخيم.

بعدها قامت كل من القاضية ومستشاريها بسؤال الشاهد عن أسماء القتلى والجرحى وعرض الصور عليه للتعرف على بعضهم. بالإضافة إلى عرض خريطة مخيم اليرموك على الشاهد لتحديد نقطة توزيع المساعدات ومسار حركة الأهالي في ذلك اليوم. وقام المدعي العام بدوره بسؤال الشاهد عن العلامات المميزة التي جعلته متأكداً أنه من أطلق القذيفة هو المدعي عليه موفق الدواه.

في هذه الأثناء كان محامي الدفاع يطرح أسئلة وصفها الشاهد بالغير منطقية وبأنها لا تخدم القضية، حيث سأله إن كان يعدل صور الجرحى بواسطة الفوتوشوب قبل أن ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، والجدير بالذكر أن جميع الصور والفيديوهات المنشورة من قبل الشاهد تحتوي على شعاره الخاص لحفظ حقوق ملكية التصوير.

هنا استنفذت طاقة الشاهد م.س. وقال: جميع صور المتهم التي عرضت على الآن، كانت يرتدي فيها زياً عسكرياً ويحمل سلاحه- فهل تظنون أنه كان يوزع الورود في مخيم اليرموك؟؟

وهنا صرخ في وجه المتهم متسائلاً: “عشان شو؟ عشان سيدك بشار؟ خليه ينقذك هون”. وهنا طلبت القاضية استراحة لكي يهدأ الشاهد وبعدها تابعت الاستجواب بمنهى الهدوء.

القسم الأخير من الاستجواب كان عبارة عن رسوم بيانية توضح شوارع مخيم اليرموك وهنا قام الشاهد برسم الخريطة بنفسه لعدم دقة خرائط غوغل وعدم استخدامها في مخيم اليرموك. وطلب منه كل من القاضية ومحامي الدفاع تحديد مكان اختباؤه لكي يستطيعوا فهم الفيديوهات المسجلة من قبله.