*مقلات رأي

مؤتمر أستانا وحدود الدور الروسي

شكليا يتعاظم الدور الروسي في سوريا , ويبدو للرائي أن روسيا تتحكم بمسارات الحلول ومستقبل سوريا ,

فهي تبدو شكليا كذلك صاحبة القوة العسكرية العظمى على الأرض , والممسكة بالقرار السياسي للنظام السوري وتوجهه وتقوم بالتحكم بمفاتيح القرار عبر إجراء التغييرات والمناقلات في الأجهزة الأمنية والعسكرية , وتنشئ وحدات عسكرية وأمنية جديدة ,

وعلى الصعيد العالمي يبدو كذلك للناظر وكأن العالم سلّم لبوتين القضية السورية , وترك له تقرير مصير السوريين ,

وعلى المسار السياسي يبدو للمتابع أن مسار أستانا الذي ابتدعه ويمسك به الروس هو المعول عليه للحلول , وتراجع وهج جنيف ودور المجتمع الدولي على هذا الصعيد .

فهل هذه هي الحقيقة ؟ وهل ما يترائى أمام الجميع هو الواقع ؟

لا أعتقد ذلك أبدا , بل أن الحقيقة تناقض الظاهر تماما ,

أعتقد أن الواقع أن بوتين هو أكثر المتخبطين والعاجزين في مسار الملف السوري , وأن دوره تنفيذي فقط وليس تقريري , وكل هذه البروبغندا العسكرية على الأرض أو إعلامية بالأخبار  التي تنشرها حول دورها السياسي ودور قاعدة حميميم التي أصبحت ناطقة بلسان إيران والنظام  أكثر مما هي ناطقة برغبات روسيا ما هي إلا ستارا ليخفي عجزها الفاضح عن التحكم بأي تفصيل في مسار لملف السوري ,ولا بأي بجزء منه .

فعلى الصعيد العسكري تظهر حقيقة واضحة أن كل الآلة الحربية الروسية الجهنمبة بكل قدراتها تقف عاجزة تماما أمام أمتار قليلة في سوريا إذا توفر دعم بسيط للمقاتلين فيها, وبالتالي فإن كل آلتها الحربية لا تساوي شيئا وغير مجدية أو مؤثرة حقيقة , وما هي إلا آلة تدمير هوجاء دون هدف ولا انتصار , بل من الواضح كذلك أن إيران والنظام هم من يمسكون بقرار آلة الحرب الروسية وليس بوتين , فالمعارك الطاحنة شمال حماه وجنوب أدلب وفي الساحل لا تخدم أبدا المصالح الروسية , وإنما تخدم مصالح إيران والنظام , فما مصلحة روسيا أن تخرق اتفاقيات خفض التصعيد مع تركيا وتضعها بموقف محرج ؟ وما مصلحتها أن يسيطر النظام وإيران على هذه المناطق؟ ومن الواضح أن إيران تزج بالآة الحربية الروسية والتشكيلات التي شكلتها روسيا بهذه المحرقة وتقف متفرجة تنتظر قطف ثمارها بكلا الحالتي فإن انهزمت روسيا فسيكون شيئ جيد لإيران في ظل التنافس وتخوف إيران أن ينقلب عليها الدور الروسي , وإن انتصرت روسيا فإيران من يمسك بالأرض ويسيطر عليه عبر مليشياتها بعد أن تكون الميليشيات الروسية قد استنزفت للآخر ,

وعلى الصعيد الداخلي ورغم كل البروبغندا التي تطلقها روسيا فإن الإيرانيين هم من يمسكون الأرض عبر المليشيات والمرتزقة المأجورين , فإيران لديها الأموال لجمع المليشيات وتشغيلها بينما روسيا ليس لديها أي أموال لتصرفها على ميليشياتها وتعتمد في تمويلها على النظام والرواتب التي يعطيها وهذه تمولها إيران , كما أن التغيير الديمغرافي يتسارع لمصلحة إيران إن كان بتجنيس تابعيها ومواطنيها كسوريين أو بالاستيلاء على الأراضي والعقارات وبالتالي يصبح الجميع بأمرة إيران وليس لروسيا , ولهذا نرى أن كل قوة روسيا لم تستطع حماية العناصر الذين جندتهم لمصلحتها في مناطق المصالحات , وهؤلاء ما زالوا يتعرضون للملاحقة والاعتقال والقتل والمحاكمات من قبل إيران والنظام ولم تنجح مصالحاتهم مع روسيا أن تحميهم أو تردع النظام أو المليشيا الإيرانية عن ملاحقتهم ,

وعلى الصعيد السياسي لم تستطع روسيا بعد أكثر من سبع سنوات على بدء مفاوضات جنيف وأكثر من سنتين على قرار تشكيل لجنة من أجل كتابة دستور أن تفرض على النظام الانخراط بها أو التنازل عن شرط واحد من شروطه , ودائما كان النظام هو من يستخدم الروس لتبرير رفضه الدخول بأي مفاوضات ورفضه التنازل عن أي شرط باللجنة الدستورية ولم تنجح كل محاولاتها للضغط على النظام لتقديم شيئ يظهرها بمظهر الممسك أو المؤثر بالقرار , لكن عبثا فلم يعطها النظام هذه الأفضلية , وواضح كذلك أن روسيا هنا كذلك هي أداة بيد إيران , وليست صاحبة قرار .

وعلى الصعيد الدولي لم تكسب روسيا أي شيئ , فلم تعد إلى لعب دورها القديم بالسياسة العالمية , ولم تعاد عضويتها بمجموعة  ج 8 ولم يقبل أي طرف غربي المشاركة بمفاوضات أستانة , ولم تخفف العقوبات الأوروبية عليها , ولم يتحسن اقتصادها بل على العكس ازدادت وتيره تراجعه , كل ما كسبه بوتين أنه أعاد للأذهان صورة القيصر الموغل بالإجرام والمخترع لأبشع أدوات التعذيب قاطبة مع صورة راسبوتين يتلاعب به كيفما يشاء ,

ولأن بوتين يعرف حجم خسارته في سوريا فلم يجد شيئا ليتباهى به أمام العالم سوى أنه يحارب الإرهاب , وأمام شعبه أنه يجرب أسلحة جديدة مما يزيد الطلب على الأسلحة الروسية بالعالم وأن عناصر جيشه تكتسب خبرة عملية ,

برأيي أن مؤتمرات أستانة ما هي إلا سراب خلقته روسيا لنشر وهم أنها قادرة على إرواء عطش السوريين للأمان, وأول الموهومين من هذا السراب هو بوتين والروس أنفسهم ,  وبعض السوريين الذين يشعرون بالعطش ولم تروِهم كل دماء السوريين التي أريقت على مذبح أستانا بكل أرقام انعقادها, أو عن وهم في رؤوس البعض منهم , وعن مشاركة مدروسة ومخططة في رؤوس البعض الآخر بأوامر من المشغلين الأتراك أو الخليج لتكبير دورهم في ظل وجود مساحات فراغ يرغبون بتعبئتها كلاعبين أقليميين صغار وغياب تام لاستراتيجية غربية قادرة على إحداث تغيير حقيقي ,

المحامي أنور البني رئيس المركز السوري للدرسات والأبحاث القانونية