قال المحقق للشاهد: “يا خاين، أنا بحط رصاصة براس كلب ولا بحطها براسك لأنك خاين!”
لونا وطفة
أشرنا سابقاً أن كلا الادعائين بالحق العام والمدني كانا قد انتهيا من استدعاء شهودهما ضد المتهم، وبدأ الدفاع فعلاً باستدعاء شهوده منتصف الشهر العاشر تقريباً، إلا أن شاهداً ضد المتهم حضر في جلسة السابع عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، الأمر الذي كان مُستغرباً من جهة الدفاع ، وهذا ما حاول الشاهد توضيحه في شهادته.
طلب محامي الشاهد من هيئة القضاة إبقاء هوية موكله مجهولة بسبب خوف الأخير على أخٍ له عمل في مجال حقوق الإنسان وهو معروف جداً وربما يكون لايزال معتقلاً لدى النظام في سوريا، لذا فإن الكشف عن هويته سيعرض الأخ لخطر كبير، الأمر الذي قبلته المحكمة.
بدأ الشاهد بشكر الجمهورية الألمانية والشعب الألماني على مساعدتهم في مواجهة السفاحين في سوريا، ومن ثم شكر المحكمة التي سمحت له بالحضور بعد سبعة أشهر من تقديمه طلب المثول أمامهم كشاهد! بعد هذه المقدمة شرح للمحكمة كيف تم اعتقاله من قسم الأربعين وتجربته في فرع الخطيب.
قال الشاهد أنه اعتقل وشريكه من متجر يملكانه بتاريخ 07/04/2012 بعد أن دخل عليهم قرابة العشرين عنصر أمني واقتادوهما سوياً إلى قسم الأربعين، ولم يفت العناصر سرقة ما أتيح لهم من بضاعة المحل. تعرض الشاهد وشريكه للضرب المبرح أثناء نقلهم إلى القسم وبعد وصولهم إليه، وأيضاً للصعقات الكهربائية، ضُرب على كليته أيضاً، الأمر الذي سبَّب خروج دم منه أثناء التبول، وعندما رأى أحد العناصر ذلك أخبر المحقق الذي يعتقد الشاهد أنه كان حافظ مخلوف، وتم نقل الشاهد مع شريكه -الذي بدأ يختنق- إلى مشفى حرستا العسكري في ذات اليوم بسبب سوء حالتهما الصحية بعد التعذيب.
في المشفى وضعا في الطابق السابع، ومنعا منعاً باتاً من ذكر أسمائهم بل أعطيت لهم أرقام فقط، بقيا يومين هناك، ملزمان طيلة الوقت بإبقاء عصابة العينين على وجههما.
استطاع الشاهد سماع أصوات التعذيب في المشفى، كما أنه تعثَّر مرةً بجثة وهو في طريقه إلى المرحاض.
بعد يومين أخبره أحد العناصر أنه سيخلى سبيله، لم يكد الشاهد يصدق ذلك وخاصة بعد التحقيق الذي حدث معه في قسم الأربعين من قِبل ضابط لديهم كان قد انتحل صفة ضابط في الجيش الحر وادَّعى انشقاقه إلا أنه كان لا يزال يعمل مع أمن الدولة، بيد أن الأمر انطلى على الشاهد بعد إتقان العنصر لدوره الكامل في الكذب عليه وإخباره أنه سيخرج على الفور.
بعد ذلك نُقل إلى فرع الخطيب معصوب العينين، وتعرض كما آخرين لـ”حفلة الترحيب” التي لم يتحدث عنها كثيراً لأنها كما قال: “معروفة جيداً، كما أنهم معروفون في هذا الفرع بكرههم للشعب السوري والعنف الذي يمارسونه”. وضع بعدها في زنزانة جماعية وصفها بشكل دقيق وقال أن عدد المعتقلين فيها بلغ تقريباً 200 شخص، روائحهم جميعاً سيئة للغاية نتيجة الاكتظاظ وانعدام الهواء وسوء الظروف الصحية. طلب الشاهد دواءً لكليته هناك ولكنهم لم يعطوه. تحدث عن سماعه لأصوات التعذيب والأوضاع الصحية الكارثية لبعض المعتقلين نتيجة التعذيب، وتحدث أن بعضهم مات أيضاً، غير أنه لم ير جثثاً في فرع الخطيب، كما ذكر رؤيته لابن وأبيه معتقلين هناك، لم يتجاوز عمر الفتى الخمسة عشر عاماً، تعرض كلاهما -الأب وابنه- للتعذيب أمام أحدهما الآخر وبدت آثار التعذيب واضحة عليهما، كما تحدث عن معتقل بلغ من العمر 85 عاماً اعتقل بالنيابة عن ابنه المطلوب لهم. وأكد للقضاة أنه سمع أصوات تعذيب نساء، الأمر الذي كان أشد عليهم كمعتقلين رجال من تعذيب العناصر لهم بشكل شخصي.
بعد يومين أُخذ إلى جلسة تحقيق سُئل فيها عن اعتقال سابقٍ له عام 2011 لصالح الفرع 227، وقال له المحقق حينها: “أنت ما رح تتوب؟ أو منورجيك الله شخصياً!!”، إحدى التهم التي وجهت له كانت “تشكيل عصابة لخطف العناصر الأمنية”. بعد ذلك بدأ الضرب والتعذيب أثناء التحقيق بطريقة الفلقة على القدمين، ومن ثم طلب المحقق من العنصر إنزال الشاهد إلى الأسفل عند “أبو غضب” وهو سجان مسؤول عن التعذيب، قام الأخيرمع آخرين بضرب الشاهد ضرباً مبرحاً طال جسده كله، وأيضاً المناطق الحساسة، بالإضافة للإهانات والشتائم والبصق عليه، استمر ذلك قرابة الأربع ساعات كان خلالها معصوب العينين ومقيد اليدين إلى الخلف، وبعدها أُعيد إلى الزنزانة.
أعيد التحقيق معه بعد أسبوع وبدأ يأخذ اتجاه الإخبار عن أسماء أخرى، إلا أن الشاهد رفض الاعتراف لهم بشيء أو إعطائهم أي اسم.
حُقق مع الشاهد قرابة الأربع مرات في فرع الخطيب وتعرض للتعذيب الشديد لأنه رفض الاعتراف بشيء. في إحدى المرات قال للمحقق بعد أن أنهكه التعذيب: “إما عطيني ورقة بيضاء وقع عليها، أو حط رصاصة براسي واقتلني!” فأجابه المحقق: ” يا خاين، أنا بحط رصاصة براس كلب ولا بحطها براسك لأنك خاين!” وضح الشاهد للقضاة ذلك بقوله: “كل هالشي لأني طلعت طالب بالحرية!”.
خرج الشاهد من الفرع بتاريخ 26/06/2012 بعد أن دفع أهله رشوة لواسطة، عبارة عن نصف محضر لهم قيد الإنشاء. بعد خمسة عشر يوماً من خروجه من فرع الخطيب، توجه هو والواسطة إلى فرع الخطيب ليأخذ سيارته المحتجزة هناك، دخلا إلى مكتب رئيس قسم التحقيق وكان آنذاك المتهم أنور رسلان، الذي سألهما إن كان هناك أحد آخر في ملفه، فأجابوه بوجود شريكه في الملف، فقام رسلان بتوجيههم إلى مكتب آخر.
بعد خروجهم من الفرع قال الشاهد للواسطة بأنه استطاع تمييز صوت ذلك الشخص، أي أنه كان موجوداً سابقاً بإحدى التحقيقات التي خضع لها الشاهد وهو معصوب العينين، فقال له الواسطة بأن هذا الشخص هو رئيس قسم التحقيق. وعن هذه النقطة سأله القضاة متى كان رسلان حاضراً في التحقيق وإن كان هو المحقق الذي حقق معه أم لا، فأجاب الشاهد بأنه كان حاضراً في الاستجواب الثالث معه ولكنه لم يكن المحقق الذي حقق معه وإنما كان حاضراً بنقاش مع محققين آخرين عن معتقل آخر في ذات غرفة التحقيق، بمعنى أن الشاهد عُذَّبَ بحضور المتهم.
هذه الجملة أثارت لغطاً من جهة الدفاع، بعد أن قدموا وثيقة للشاهد وطلبوا منه الإطلاع عليها، وهي عبارة عن ملخص لشهادة الشاهد التي قام بتوثيقها المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية عن طريق المحامي أنور البني بمقابلة مصوَّرة. ورد في الوثيقة أن الشاهد قال حينها أن رسلان هدده بشكل شخصي وأمر عناصره بأخذ الشاهد لشبحه، الأمر الذي نفاه الشاهد في المحكمة وقال هو لربما خطأ في الترجمة ولكن رسلان لم يهدده بشكل شخصي ولم يكن هو المحقق الذي أمر بذلك، وإنما كان حاضراً في ذات غرفة التحقيق أثناء تعذيب الشاهد من آخرين، أي أن المتهم شهد تعذيب الشاهد.
الدفاع وجد الأمر إشكالياً، لاختلاف ما قاله الشاهد في المحكمة عمَّا وثَّقه المركز السوري من أقواله، وطلب بناءً عليه استدعاء البني للشهادة مرة أخرى للوقوف على هذا الأمر. ستدرس هيئة القضاة الطلب وترد عليه في جلسة لاحقة.
لتوضيح هذه النقطة تم التواصل شخصياً مع السيد أنور البني وسؤاله عن ذلك، وأوضح البني لنا أن شهادة الشاهد مسجَّلة كمقابلة مصورة، والوثيقة التي تحدث عنها الدفاع هي ملخص لتلك الشهادة، وأكد أن ما ورد فيه يطابق تماماً ما قاله لهم الشاهد سابقاً والمقابلة لا تزال موجودة في حال طلبتها هيئة القضاة، أو استدعي البني للشهادة مرة أخرى.
وعن سؤال الدفاع للشاهد لماذا تأخر حتى حضر إلى المحكمة، قال الشاهد أن موعداً حُدِّد له بتاريخ 28/07/2021 مع الشرطة الجنائية الألمانية لأخذ أقواله، الأمر الذي أُلغي لاحقاً ولم يعرف لماذا، لذلك لا يستطيع الإجابة عن سؤال لماذا تأخر حضوره إلى المحكمة والذي تم هذه المرة عن طريق محامٍ قام هو بتعيينه وليس عن طريق الشرطة الجنائية الاتحادية، لأجل ذلك تم الاعتماد فقط على أقواله لدى المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، لعدم وجود أقوال له لدى الشرطة، المحكمة أيضاً لم تقم بتوضيح هذه النقطة خلال الجلسة.