شاهد تطوع للدفاع عن أنور رسلان لا يعرف فرع الخطيب
لونا وطفة
مع بداية جلسة الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر، قرأت هيئة القضاة ردها على طلب من الدفاع لاستحضار عالم ألماني كان سابقاً في سوريا ويتحدث اللغة العربية ولديه معرفة بتسلسل عمل الأفرع الأمنية. رفضت الهيئة استدعائه لأنه، كما قالوا، ذهب إلى سوريا قبل عام 2011، وبعد ذلك تغير الكثير، لذلك لم يكونوا على قناعة أنه يستطيع أن يضيف شيئاً مهماً على هذه النقطة، إضافة إلى قولهم أن الخبراء مثل مازن درويش وأنور البني سبق وقدموا الكثير من المعلومات في هذا الشأن، لذلك ترفض المحكمة استدعائه.
بعد ذلك حضر شاهد كانت قد رفضت هيئة القضاة في الجلسة السابقة استدعائه حين طلبه الدفاع لصالحه، وتتعلق شهادته بالشاهد والمدعي في هذه المحاكمة السيد عامر مطر، وذكرنا أسباب رفضهم له في التقرير السابق.
جاء الشاهد على حسابه الخاص ودون دعوة من أحد. بعد دخوله إلى قاعة المحكمة وتلاوة التلقينات القانونية عليه، طلب القضاة منه إحضار ما يثبت هويته الشخصية، وهو أمر يطلبونه للمرة الأولى من شاهد يأتي إلى المحكمة. ذهب الشاهد مع مأمور قضائي وأحضر أوراق ثبوتية له وأعطاها لهيئة القضاة.
بدأ الشاهد بقوله أنه اعتقل خمس مرات في الثورة، وأنه كان موظفاً في مدينته الرقة قبل الثورة في مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر، وأن ابن عمٍ له مسؤولٌ كبيرٌ في الدولة وكان يعمل معه، وأيضاً هو صديق طفولة للشاهد عامر مطر.
صرّح الشاهد أنه عمل مع النظام قبل الثورة ولم يمارس أي نشاط ضده ولذلك لم يكن لديه ملف أمني لدى النظام. لم ينكر وجود دكتاتورية في سوريا ولكنه أنكر معرفته بها قبل الثورة وأكد بأنه ينحدر من عائلة معظمها عمل مع النظام.
ثم تحدث عن خروجه بمظاهرة مع عامر مطر قرب البرلمان بتاريخ 05/01/2011 حيث قام العناصر برؤية هويته الصحفية أولاً ومن ثم ضربه ووضعه بسيارة تابعة لأمن الدولة. أثناء ذلك قام العناصر بالاتصال بأحدهم وسمع الشاهد قول احد العناصر عبر الهاتف: “حاضر سيدي العقيد” وكما فهم الشاهد أن المتهم رسلان أمرهم بالتوقف عن ضربهم وإبقائهم في السيارة فقط، لأن الضرب توقف فعلياً بعد هذه المكالمة. بعد ذلك تم تحويلهم إلى الأمن الجنائي وبقوا هناك ثلاث ساعات تقريباً، منها ساعة فقط في الزنزانة وساعتين مع عقيد في الأمن الجنائي. يتذكر الشاهد أن هذا العقيد اتصل بالمتهم رسلان، ومن ثم قدم لهم القهوة واعتذر منهم وقال “بتعرفوا وضع البلد” ثم أضاف الشاهد للقضاة: “أنا بعرف تركيبة النظام منيح، عناصر أمن الدولة بهي المظاهرة ما تدخلوا بعنف، كان بس بدهم معلومات”. قال بعد ذلك: “أنا بعد ما طلعت فهمت أنه العقيد رسلان قلهم يطلقوا سراحنا فوراً” لم يشرح الشاهد كيف عرف ذلك.
في اليوم التالي عاد الشاهد لمدينته الرقة ووجد ورقة وضعت على مكتبه مفادها أنه قد تم تسريحه من عمله لأسباب أمنية، وبدأت حياته تتغير كما قال.
بتاريخ 18/03/2012 خرج الشاهد من محكمة أمن الدولة بعد اعتقال في فرع فلسطين استمر 37 يوماً، اجتمع في ذات اليوم مع خمس أصدقاء آخرين وهم طُلَّاب فنون جميلة في منزل عامر مطر الذي كان قد غادر سوريا سابقاً. جاءت دورية من أمن الدولة إلى المنزل واعتقلتهم جميعاً وأخذتهم إلى فرع الخطيب، وهناك رأى الشاهد باباً كتب عليه ” رئيس قسم التحقيق” وهنا خرج المتهم رسلان بعد أن سمع ضجيجاً في الخارج وقال لعناصره: “شو جايبين كل طلاب الفنون الجميلة لهون؟”. تم إنزال الشاهد ومن معه إلى زنزانة جماعية كان فيها أكثر من خمسين معتقل، كان هناك تعذيب ولكنه ليس مُفرطاً كما قال، هنا بدى على الشاهد التوتر ولذلك قال للقضاة: “هي القصص بتعملي حالة نفسية”.
بقي في فرع الخطيب من الساعة السادسة مساءً وحتى الساعة العاشرة صباحاً، طلبه حينذاك كما قال “العقيد أنور رسلان” وكان لطيفاً معه وقال له: “أنتوا ما عليكم شي وفيكم تروحوا ع البيت” وصف الشاهد المتهم بالمثقف وبأنهما تناقشا بالكتابة والكتب، وبعد ذلك أمر بإطلاق سراحهم فوراً. في الخارج وقف مساعد أول وكان غاضباً جداً كما قال الشاهد وقال له: “الموضوع مو بإيدي، لو كنت مكان العقيد لرجعتك!!”. أضاف الشاهد أنه تفاجئ كثيراً بوضع الزنزانات في أمن الدولة مقارنة مع المخابرات الجوية والعسكرية، وحتى بحقوق الإنسان، ففي أمن الدولة يحق لك استعمال المرحاض، أما بالمخابرات العسكرية والجوية فمرة واحدة بعد ثلاث وجبات، عناصر أمن الدولة، كما وصفهم، لم يكونوا لطفاء ولكنهم لم يكونوا سيئين جداً. الإجراءات الأمنية في فرع الخطيب جعلت الشاهد يضحك حينها وحينما سُئل داخل السجن لماذا يضحك؟ فقال لهم أنه رأى ما هو أسوأ من ذلك بكثير! وأكد مرة أخرى أنهم عندما اعتقلوا من فرع الخطيب تعامل العناصر معهم بعنف ولكنه لم يكن مفرطاً، بل وتعاملوا وفق إجراءات أمنية والتي لم يفعلها فرع أمني آخر، كتسجيل بياناتهم بشكل قانوني مثلاً أو عدم وضع عصابة على أعينهم وهذا ما جعله يتعرف على فرع الخطيب ويرى باب قسم التحقيق ويرى رسلان شخصياً. نقاشه مع رسلان استمر حوالي 15 دقيقة، قال له رسلان فيها: “لا تنصدم أنك حتعيش تجربة تانية لأنك حتطلع ما رح تعيشها، شفت كيف؟ شو مطالبكم؟ شو بدكم؟” فأجابه الشاهد: “بلد مستمرة بحكم أمني بهي الطريقة ما رح يمشي حالها” ثم سأله رسلان إن كان أحد من العناصر قد تعرض له بالضرب أم لا، ومن ثم انتهى النقاش وأمر بإطلاق سراحه كما زعم الشاهد.
سُئل الشاهد عن اعتقال عامر مطر وما يعرفه عن الأمر، فقال أنه كان المسؤول عن الحملة الإعلامية لإطلاق سراح مطر بعد أن اعتقل الأخير في الشهر الرابع لعام 2011. هذه الحملة كانت أحد أسباب اعتقال الشاهد لاحقاً كما قال، ثم أضاف بأن والد مطر اتصل بأحد المقربين من النظام بعد اعتقال ولده وهو أيضاً صديق للمتهم رسلان، قام هذا الشخص، بحسب الشاهد، بترتيب زيارة العائلة لابنهم في فرع الخطيب، وهي سابقة في الأفرع الأمنية كما وضَّح الشاهد. استقبلهم المتهم رسلان وكان لطيفاً جداً معهم وطلب لهم الطعام وجعلهم يجلسون من ابنهم، بعد خروج مطر من هذا الاعتقال استقبله الشاهد في مدينة الرقة، وبحسب كلمات الشاهد، لم يبدُ على مطر أي آثار تعذيب أو سوء معاملة.
سأله القضاة من أين علم بمكالمة الأهل مع هذا الواسطة؟ فأجاب بأنه كان حاضراً عندما اتصلوا به وسمع المكالمة، وأضاف: “أنا كنت هنيك وبأكد الحادثة ويلي بيقول غير هيك يواجهني!!”.
سُئل عدة أسئلة من قبل القضاة لتحديد مدى معرفته الفعلية بفرع الخطيب، وأشار الشاهد أنه ليس من دمشق لذلك يعرف فقط أن فرع الخطيب يقع في شارع بغداد، ومع ذلك حاول وصف المكان الذي رآه ولم يتوافق وصفه كثيراً مع وصف الشهود السابقين.
سُئل بعدها إن كان قد تحدث مع أحدهم عن شهادته في المحكمة ، فأجاب بنفي أي تأثير عليه وقال بأنه كتب مقال عام 2019 يتحدث فيه عن اعتقال السلطات الألمانية للمتهم رسلان وبأنه ضد ذلك، ثم أضاف: “في 1200 ضابط أمن بسوريا وكانوا بيشتغلوا مع ماهر الأسد، بس يجيبوهم ويحاسبوهم فينا نحكي بوقتها بمحاسبة رسلان!!”.
ثم أعاد القضاة سؤالهم لأن الشاهد لم يجبهم عليه، فقال بأنه شخصية عامة ومعروفة في سوريا وصحفي معروف وبالطبع لن يسمح لتأثيرات سخيفة بالتأثير عليه كما قال.
سُئل مرة أخرى إن كان قد تواصل لربما مع أهل المتهم فأجاب بالنفي، ثم سُئل من دفع تكاليف رحلته؟ فأجاب بأنه تكلَّف بكل التكاليف وحده، وأكمل بقوله “شخص كان من الممكن أن ينهي حياتي ولكنه لم يفعل بل على العكس كان جيداً معي وعاملني باحترام!” وقصد بذلك المتهم رسلان وبأن ذلك كان هو الدافع لقدومه للشهادة دون دعوة.
لم يكن لدى أي أحد من أطراف الدعوى أسئلة للشاهد، ولذلك تم صرفه بعد قرابة الساعتين. بعد خروجه تحدث أحد محامي الادعاء بالحق المدني مُعرباً عن عدم قناعته بكل ما قاله هذا الشاهد وبرأيه كان واضحاً أنه لم يكن معتقلاً في الخطيب ومعلوماته غير صحيحة، ورأى المحامي أن دافع الشاهد للقدوم غير مقنع بالمطلق. وهنا طلب محامي الدفاع عن المتهم الإذن بالتحدث وكانت المفاجأة أنه وافق محامي الادعاء بالحق المدني في رأيه من جهة أنه يرى شهادة هذا الشاهد غير مقنعة. ردة فعل محامي الدفاع على شهادة هذا الشاهد، والتي كان من المفترض أن تكون لصالح موكله المتهم، كانت مفاجِئة لجميع الحاضرين في القاعة، خاصة أن محامي الدفاع هو من طلب إحضار هذا الشاهد في المقام الأول قبل أن ترفض هيئة القضاة استدعائه ويأتي بنفسه دون دعوة رسمية من المحكمة.
بعد ذلك بدأ القضاة بقراءة استجواب تم مع أحد الشهود من قبل الشرطة الفرنسية، ولكن الشاهد لن يأتي ولذلك قرأوا أقواله لدى الشرطة الجنائية.
تحدث هذا الشاهد في أقواله عن مشاركته في المظاهرات بداية عام 2011 دعماً لثورات الربيع العربي واستمرت مشاركته في المظاهرات لاحقاً. نتيجة لذلك اعتقل مرتين.
الاعتقال الأول في الشهر الثامن عام 2011 حيث لم يعلم أين كان، وبعد شهرين نقل إلى سجن عدرا. أما اعتقاله الثاني فكان أولاً في قسم الأربعين ومن ثم بالخطيب ونُقل بعدها إلى فرع المخابرات العامة في كفرسوسة.
تعرض الشاهد للتعذيب بطريقة الفلقة والدولاب وأيضاً برمي الماء الحار عليه، وبعدة طرق أخرى، كما سمع أصوات الآخرين عندما تم تعذيبهم ولكنه لم يرَ جُثثاً. قال للشرطة أن على جهازه الخليوي صورٌ تُظهر آثار التعذيب بعد أن خرج من المعتقل.
بعد ذلك قرأ القضاة تحليلين للقانون الجنائي السوري يثبت فيهما اعتراف القانون السوري بجرائم الحرمان من الحرية والتعذيب والعنف الجنسي والإكراه مع ذكر النصوص القانونية المتعلقة بها.
للتوضيح فإن قراءة هاذين التحليلين هو أمر مهم في إطار المحاكمة، لأن بواسطتهما يتأكد الوعي والإدراك بالجريمة المرتكبة لدى الجاني وبالتالي يحق للقضاة تجريم أي شخص ساهم أو شارك أو ارتكب هذه الجرائم لأن قانونه يجرمها أيضاً وبالتالي هو مدرك أنه ارتكب جريمة.
بعد ذلك قرأ القضاة السيرة الذاتية للمتهم والتي كتبها باللغة الإنجليزية وأرسلها مع طلبه للجوء إلى الخارجية الألمانية. كما عرضوا أيضاً وثيقة معلومات شخصية للمتهم منذ عام 2019.
في نهاية الجلسة أعلنت هيئة القضاة انتهاء كل الطلبات ،والانتهاء رسمياً من تقديم الأدلة والاستماع لها. غداً ستكون الجلسة الأولى من المرافعات الأخيرة والتي سيفتتحها الادعاء العام، يليه في الجلسات التالية محاميا الادعاء بالحق المدني وموكلوهم من المدعين، وفي تاريخ السادس من الشهر الأول للعام القادم ستكون مرافعة الدفاع عن المتهم، ومن المتوقع أن يصدر الحكم بالمتهم يوم 13/01/2021 ولكن لم يتم تأكيد الموعد بعد من قبل القضاة.