محكمة كوبلتنز: “قاموا بربط عضوي الذكري وسقوني ماءً كثيرًا ومنعوني من التبول، كنت أظن أنني سأموت”
لونا وطفة
في جلسة الأول من الشهر السابع لعام 2021 لم يحضر الشاهد كما جرت العادة ليقدّم شهادته، بل أرسل عوضًا عن ذلك رسالة إلكترونية لهيئة القضاة يؤكد فيها عدم رغبته بالحضور كشاهد في هذه القضية. في مثل هذه الحالة يأتي أحد محققي الشرطة الاتحادية ليخبر المحكمة عن فحوى أقوال الشاهد، وفي الغالب تكون الجلسة قصيرة لعدم تمكن المحقق من الإجابة عن أسئلة لدى أطراف الدعوى كان من المفترض توجيهها شخصيًّا إلى الشاهد وتتعلق بتفاصيل شهادته.
بدأ محقق الشرطة الاتحادية بمعلومات عامة عن الشاهد، حيث اعتقل الأخير في “فرع الخطيب” لعدة أيام، وكان هذا اعتقاله الثالث في سورية في تاريخ 15/03/2012. كان يدرس في سورية وهو يكمل دراسته الآن في فرنسا. استُجوِب الشاهد مرتين، مرة من الشرطة الفرنسية، والثانية من الشرطة الاتحادية في ألمانيا. أثناء استجوابه من قبل الشرطة لم يتعرّف الشاهد على صورة “رسلان” من بين صور الأشباه التي يعرضونها على جميع الشهود والمدعين، أكد لهم أنه لا يعرف المتهم شخصيًّا وإنما من خلال الميديا فحسب، وقال لهم إنه غير سعيد باعتقال المتهمَين إياد الغريب وأنور رسلان، لأنها من وجهة نظره إشارة سيئة للمعارضة السورية بصفتهما منشقَّين عن النظام، وهو يعلم تمامًا أنهم ارتكبوا جرائم، ويجب محاسبتهم عليها، ولكن التوقيت سيِّئ بحسب رأيه. سُئل بعدها من قِبل الشرطة إن كان يعرف إياد، فأجاب بأنه لا يعرفه، ثم سُئل إن كان يعرف أيَّ أحد آخر من العاملين في أفرع أمن الدولة، فأكد أنه لا يعرف منهم سوى أبي الغضب الذي كان موجودًا أثناء اعتقاله.
قال محقق الشرطة الاتحادية إن الشاهد لم يرغب بحضور هذه المحاكمة كما يظن للسبب المذكور سابقًا، وهو عدم رضاه عنها، ولأن لديه أفرادًا من عائلته في سورية يخشى عليهم.
تحدث الشاهد للشرطة عن اعتقاله في “فرع الخطيب” وعن طريقة التحقيق معه وهو مكبَّل ومطمّش كما هي العادة، وعن ضربه أثناء التحقيق معه كلما أعطى إجابة. سُئل عن طريقة الضرب فأجاب بأنها بالأيدي والأرجل أو العصي وأحيانًا بصعقات كهربائية على الرقبة.
رفض الشاهد إعطاء تفاصيل كثيرة للشرطة الألمانية عن إحدى حالتي وفاة أخبر الشرطة الفرنسية عنها سابقًا، وطلب صراحة من الشرطة الألمانية عدم سؤاله عنها بعد أن انهار لمجرد تذكرها، وكانت تتعلق بمعتقل قُتل بجانبه بطريقة الشبح في “فرع الخطيب”، ثم طلب منهم استراحة قبل أن يُكملوا استجوابه. خمَّن محقق الشرطة الجنائية سبب رفض الشاهد التحدث عن هذه الحادثة بالتفصيل بأنه يتعلق إما بخوفه على أهله في سورية، وإما لأنه لا تزال هناك آثار نفسية حتى الآن. أما عن الحالة الثانية، فقد قال للشرطة الفرنسية إن شخصًا تعرض للضرب ببندقية في طريقه إلى المرحاض وسقط على الأرض، ومن المرجح أنه مات. عندما سأله مكتب التحقيقات الفيدرالي عن هذه الحادثة، اتضح أنها لم تحدث في “فرع الخطيب” بل حدثت في فرع أطلق عليه الشاهد اسم “فرع الميدان” والذي وفقًا للشرطة الاتحادية هو المبنى الذي يحوي الأفرع 225 و 285.
انتهت شهادة محقق الشرطة الاتحادية خلال أقل من ساعة، بعد ذلك بدأت هيئة القضاة بقراءة محضر استجواب الشاهد لدى الشرطة الفرنسية في تاريخ 17/03/2017 وهنا المعلومات التي لم ترد في شهادة محقق الشرطة الاتحادية، أما باقي الشهادة فهي ذاتها:
- ما هي أسباب هروبك من سورية؟
بعد الثورة اعتقلت ثلاث مرات، بعد ذلك هددني الأمن السوري أنه لن يقوم باعتقالي مرة أخرى، إنما سيقوم بتصفيتي. كنتُ خائفًا، لذلك غادرت سورية.
- بدأت المظاهرات عام 2011، ماذا حدث معك حينها؟
الأمر بدأ قبل ذلك، مع بداية الربيع العربي قمنا بعدة اعتصامات أمام السفارة الليبية، وبعدها المصرية، وكان الأمن موجودًا دائمًا هناك. عندما بدأت المظاهرات في سورية نادينا في إحدى المظاهرات والتي استمرت قرابة نصف ساعة “سورية بدها حرية”. بعد ذلك قُتِل شخصان في درعا، وهذا جعلنا نستمر بالمظاهرات. تظاهرنا أمام الجامع الأموي وهاجمَنا الأمن، ثم تظاهرنا بعدها في دوما حيث قُتِل شخصان أيضًا برصاص الأمن. بعد ذلك انتشرت المظاهرات في كل مكان، وكانت وظيفتي تصوير وتوثيق المظاهرات. في نهاية شهر آذار شاركت بمظاهرة في منطقة الميدان وتم اعتقالي، عُذِّبت يومين وتعرضت لصعقات كهربائية. لم يتأكدوا أنني كنتُ مشاركًا فأُطلق سراحي بعد أربعة أيام. بعد فترة وجيزة بدأ الأمن يبحث عن أسماء معينة وقررنا أنه من الضروري تنبيه الناس وحمايتهم. في تاريخ 14/08/2011 اعتقلت مرة أخرى، بقيت شهرين وأيضًا عُذبت بالكهرباء وبالضرب على قدمي.
بعد إطلاق سراحي في بداية عام 2012 كان الوضع قد اختلف تمامًا في الخارج، إذ أصبح هناك الجيش الحر وكنتُ مهتمًّا أن أكون معهم لذلك انتقلت إلى منطقة الزبداني ووثقت عملهم، لقد كان ذلك جيدًا، كان الناس هناك أحرارًا. سافرت أيضًا إلى حمص وإدلب، ثم عدت إلى الزبداني. بعد اشتباكات بين الجيش النظامي والحر عدت إلى دمشق، وفي تاريخ 15/03/2012 اعتقلني “فرع الأربعين”، بقيت يومين هناك وعُذِّبت تعذيبًا شديدًا، كنت أفقد الوعي فيسكبون الماء علي لأستفيق ثم يكملون تعذيبي. بعد ذلك نُقِلتُ إلى “فرع الخطيب” وهناك بقيت أربعة أيام. كنت مع ما يقارب 150 معتقلًا آخرين داخل الزنزانة. في “فرع الخطيب” قاموا بربط عضوي الذكري وسقوني ماءً كثيرًا ومنعوني من التبول، كنت أظن أنني سأموت. في النهاية ادّعيت الجنون، كانوا يصعقونني بالكهرباء فأضحك لأقنعهم أني جننت. وضعوني في زنزانة منفردة. في نهاية آذار أطلقوا سراحي، وبعدها خرجت من سورية.