كلمة رئيس المركز في ندوةٍ نُظّمت على هامش مؤتمر “دعم الشعب السوريّ” في بروكسل، في آذار/ مارس 2021
في البداية أودّ أن أعرضَ أمامكم جزءًا من شهادة الشاهد (زد 30) أمام المدّعي العامّ الألمانيّ وأمام محكمة “كوبلنتز” في ألمانيا في أيلول/ سبتمبر 2020، والتي جاء فيها أنّ أكثر من 800 ألف جثةٍ لضحايا مدنيّين/ات سوريّين/ات قتلهم النظام السوريّ تحت التعذيب في المعتقلات أو بالقصف العشوائيّ والبراميل المتفجّرة أو قنصًا في الشوارع، ودفنوا في مقابرَ جماعيّةٍ حول دمشق بطريقةٍ لا إنسانيّة لإخفاء الجرائم.
وأودّ أن أذكّركم بأنّه لا يزال أكثر من 150 ألف سوريٍّ مغيّبين قسريًّا في معتقلات النظام السوريّ يواجهون أفظع وسائل التعذيب والظروف اللاإنسانيّة، وللأسف معلوماتنا تقول إنّ عددًا ليس بقليلٍ منهم قد قتل تحت التعذيب، وهذا يعني أنّ ملايين السوريّين/ات لا يزالون ينتظرون خبرًا عن أحبّتهم أو أهلهم ليعرفوا مصيرهم.
هذه الحقائق القليلة والبسيطة والواضحة تؤكّد لنا جميعًا أنّه لا يمكن بناء سلامٍ بين هؤلاء الضحايا وأهلهم مع المجرمين ومَن والاهم وأيّدهم قبل أن تأخد العدالة مجراها ويُحاسَب المسؤولون عن هذه الجرائم الفظيعة، وتؤكّد أيضًا أنّه لا يمكن للسوريّين/ات حتى أن يفكروا بالعودة إلى سيطرة المجرمين/ات نفسهم الذين عذّبوهم وقتلوهم ودمّروا ممتلكاتهم ونهبوها وهجّروهم من وطنهم، وإلى سيطرة رئيس عصابةٍ اعترف وتباهى أمام العالم أنّ هذه الجرائم جعلته يربح مجتمعًا أكثر تجانسًا ويتباهى بجريمة التغيير الديموغرافيّ التي ارتكبها بعد جريمة التهجير القسريّ بأنّه أنجز سورية المفيدة، بحسب تعبيره الإجراميّ.
السوريّون/ات لم يهربوا من الفقر أو الوضع الاقتصاديّ، وإنّما هربوا من عصابة مجرمين منفلتة العقال استولت على البلاد بالقوّة، وصاغت القوانين لتحميها من أيّ عقابٍ أو مساءلةٍ عن جرائمها؛ فالدستور السوريّ يمنح حصانةً كاملةً لرئيس الجمهوريّة عن أيّ جريمةٍ يرتكبها. وقانون إدارة أمن الدولة بالمرسوم 14/ 1967 يمنح حصانةً لعناصر الأمن عن الجرائم التي يرتكبونها ولا يمكن ملاحقتهم إلا بإذنٍ من مدير الإدارة. وقانون أصول المحاكمات العسكريّة والمرسوم 69/ 2008 يمنح حصانةً لعناصر الجيش والأمن العسكريّ ورجال الشرطة والأمن السياسيّ والجمارك والضابطة العدليّة عن الجرائم التي يرتكبونها ولا يمكن ملاحقتهم قبل الحصول على إذنٍ من رئيس الأركان أو وزير الدفاع. وإنّ أيّ عملٍ أو نشاطٍ أو وظيفةٍ مدنيّةٍ تستوجب الحصول على الموافقات الأمنيّة قبل إجرائها،
لذلك عصابة المجرمين/ات ترتكب ما شاءت من جرائم بحقّ السوريّين/ات من دون خوفٍ أو قلقٍ من محاسبةٍ أو عقابٍ.
فهل أصبحت الصورة واضحةً لكم الآن ممّا هرب السوريّون/ات؟
هربوا من عصابة مجرمين/ات استولت على بلدٍ برمته لتعصر ثرواته لمصلحتها وتجيّرها لزيادة قوّتها وإجرامها بمواجهة الشعب السوريّ من خلال قهره وإهدار كرامته وحريّته وحتى حياته لتستمرّ بالسلطة والنفوذ. ولا يمكن أبدًا اعتبار أنّ سورية يمكن أن تكون وطنًا مجدّدًا قبل ذهاب هذه العصابة وتغيير هذه القوانين التي تحمي المجرمين.
نأمل أن يكون قراركم كما هو شعار مؤتمركم “دعم الشعب السوريّ” وهذا يعني حكمًا أن نكون جميعًا بمواجهة هذه العصابة من المجرمين/ات ونعمل كلّنا ما يمكننا لإبعادهم عن مستقبل بلدنا وأجيالنا القادمة، وجعلهم يواجهون العدالة جرّاء ما اقترفته أيديهم من جرائم ضدّ الإنسانيّة.
هذا هو الطريق الوحيد لدعم الشعب السوريّ وإعادة السلم الأهليّ لوطننا ولعودتنا جميعًا إليه.
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوريّ للدراسات والأبحاث القانونيّة