المعتقلون في أروقة السياسة – إخفاء الجرائم والانتهاكات
المحامية سحر حويجة
المقدمة : في زحمة المؤتمرات التي يشهدها الملف السوري، من جنيف 8 إلى أستانة 8، وبانتظار مؤتمر سوتشي، في سياق المساعي الجارية لإيجاد حل ينهي النزاع في سوريا . .
طرحت قضية المعتقلين في سجون النظام السوري، على طاولة المفاوضات التي بدأت في جنيف برعاية دولية, كجزء من الملف الإنساني إلى جانب قضايا المخطوفين والمفقودين ووقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الى المناطق المحاصرة. و تم النظر إلى الملف الإنساني، من قبل المعارضة: على أنه غير قابل للتفاوض, بل هو إجراء ضروري لبناء الثقة ، وعلى ضرورة فصل المسار الإنساني عن السياسي، لغاية الإسراع بتنفيذ الملف الإنساني حتى لا يكون موضوعاً للمساومة. غير أنه مضت أكثر من 5 سنوات على قرارات مؤتمر جنيف الأول، وأكثر من سنتين على القرار 2254 وثماني جولات من المفاوضات، ومازال الملف الإنساني عالقا ويتم ترحيله مع الملف السياسي والعسكري أينما حلا من جنيف إلى الأستانة. ولم نلحظ بعد تقدم يذكر على صعيد ملف المعتقلين. حيث مازال النظام يمسك بملف المعتقلين كأحد الأوراق القوية والهامة في التفاوض.
تناقش في هذا البحث, مصير ملف المعتقلين في سياق المفاوضات والتسويات الجارية. نسلط الضوء على الانتهاكات والجرائم التي ارتبكت بحق المعتقلين من الزاوية الحقوقية والقانونية وأثرها على الحلول والتسويات المطروحة من جهة ومن جهة أخرى أثر التسويات السياسية على مجرى العدالة ومحاسبة المسؤوليين على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت بحق المعتقلين في سجون النظام السوري .
القمع الشرط الجوهري واللازم لاستمرار نظام الاستبداد:
تشكل و سائل القمع والاعتقال والتعذيب الممنهج، جزءً جوهرياً من سلوك الأنظمة الشمولية اتجاه المجتمع ، وأحدى الدعائم الضرورية لحكم الاستبداد، لقطع الطريق على المعارضة المحتملة من التشكل والتبلور، و قمعها في حال تشكلت . حيث يعمل النظام الاستبدادي لتوفير كل العناصر المادية من أذرع أمنية و سجون ووسائل قمع، إضافة إلى البنية القانونية التي تعطيه الشرعية في ممارسة القمع, بكل صوره وأشكاله . الذي يزداد عنفاً ووحشية طرداً مع تزايد حجم المعارضة .
بدأ تاريخ القمع في سوريا مع بداية حكم الاستبداد، منذ ستينات القرن الماضي، أنجب النظام منذ نشأته قانون الطوارئ و الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية أمن الدولة ـ والمحاكم الميدانية ، لترويع المجتمع والتحكم به والحكم على أبنائه بالسجن والموت، دفع ثمنها غالياً كل من يعارض ولو كانت شبهة.
منذ بداية الانفجار الثوري، طالت الاعتقالات المتظاهرين والنشطاء والمعارضين السلميين ، حيث قضى الكثير منهم تحت التعذيب، كان النظام يسلم الجثث إلى ذوي المعتقلين ، في رسالة فاضحة، على مصير كل من يتجرأ على المشاركة في الحراك الثوري ضد النظام، لغاية إخماد الانتفاضة الشعبية.
تحت ضغط المطالب الشعبية في ظروف الحراك الثوري السلمي، ألغى النظام السوري ، قانون الأحكام العرفية الغني عن التعريف، غير أن الشعب السوري لم يتنفس الصعداء، ولم يقطف ثمار نضاله في وجه الاستبداد، بعد أن سجل سيف القمع والاعتقال التعسفي أرقاماً قياسية لم يشهد العالم مثيلاً لها في القرن الحادي والعشرين، جرت خارج كل قانون، إلا قانون القوة الغاشمة.
قام النظام في سبيل تحقيق الغطاء الشرعي لممارساته القمعية، على إصدار مجموعة من القوانين تحت ما يسمى مكافحة الإرهاب مستغلاً الانتقال الذي عمل له من الحراك السلمي الى الصراع المسلح . جاءت هذه القوانين على التوالي : القانون رقم 19 تاريخ 28/6/2012 و القانون رقم 20 تاريخ 28/6/2012، والقانون رقم 21 تاريخ 28/6/2012، إضافة لذلك صدر المرسوم التشريعي رقم 47 تاريخ 26/6 /2012، القاضي بإحداث محكمة خاصة تسمى محكمة الإرهاب، لمقاضاة المتهمين المعتقلين . على الرغم من أن أحكام محكمة الإرهاب قابلة للنقض. غير أن حق الدفاع الموكل للمحامي ليس ذات قيمة، لأن الاعترافات التي تنتزع تحت التعذيب ، والتي تجبر المتهم على الاعتراف، أنه ارتكب أعمالاً جرمية إنقاذاً لحياته لم يرتكبها في الواقع ، من قبيل حيازة أسلحة، أو القتل أو الخطف أو تقديم المساعدة للمقاتلين، هذه الاعترافات تضع المحامي عاجزا عن الدفاع عن هذه التهم أو على تبرير هذه الممارسات و اعتبارها أفعالاً غير جرميه، وفق قانون مكافحة الإرهاب، لذلك يركز المحامي في دفاعه كما المتهم أيضاً، على أن هذه الاعترافات غير قانونية لأنها حصلت نتيجة التعذيب، وعلى المحكمة أن لا تأخذ بهذه الاعترافات التي انتزعت بالإكراه، وإن المتهم بريء من هذه الاتهامات. غير أنه غالباً ما يتم تثبيت هذه التهم من قبل المحكمة ، والحكم على أساسها أحكاماً جائرة. وفق تعليمات الجهات الأمنية التي تتدخل بأعمال القضاء في محكمة الإرهاب، حتى يتم إدانة المعتقلين وتبرير اعتقالهم ، و الاحتفاظ بهم أطول فترة ممكنة.
وبناء على ما تقدم حتى يبرر النظام سياسة القمع الواسعة ، التي يشنها ضد المجتمع السوري، كان عليه أن يتهم علناً وبشكل صريح على أن غالبية الشعب السوري إرهابي.
خرج النظام من عقاله عندما أخذ باعتقال المدنيين على خلفية انتمائهم إلى منطقة خرجت عن سلطة النظام، و في الحالة التي يستعيد فيها جيش النظام السيطرة على منطقة ما، فالمدنيين مدانين بالإرهاب أو داعمين له، لا مجال أمامهم حتى لحق الدفاع عن النفس الذي يبرره القانون العام. أما في حال اعتقال مواطن على أحد حواجز النظام فليس أمامه سبيلا للنجاة ألا في حالة إثباته ولائه المطلق للنظام بانتمائه لأحد المليشيات التابعة له، أو الالتحاق بالتجنيد والقتال إلى جانب النظام .
إلى جانب محاكم الإرهاب يحاكم المعتقلون أمام المحاكم الميدانية العسكرية : التي يعود تاريخ تشكيلها إلى فترة الستينات، مع العلم أن أخر ما يصح تسميتها إنها محكمة. عدا عن أن دورها توزيع الظلم ، فتشكيلها يتم بقرار من وزير الدفاع، تتألف من رئيس وعضوين جميعهم من الضباط، لا تقل رتبته الرئيس عن رائد والعضوين عن نقيب, لا يحق للمتهم الدفاع عن نفسه أمام هذه المحكمة ولا يحق له توكيل محام للدفاع عنه، تعتمد المحكمة على الضبط المقدم من فروع الأمن، تصدر أحكامها قطعية غير قابلة للطعن، إلا من قبل رئيس الجمهورية، الذي يحق له تعديل أو الغاء أحكامها مع حفظ الدعوى، تعتبر المحكمة الميدانية ، سيفاً مسلطاً على رقاب المعتقلين ، تزرع الرعب والخوف في نفوسهم ، وتعتبر من أشهر الوسائل المتبعة لابتزاز أهالي المعتقلين، حيث يضطرون لدفع مبالغ طائلة حفاظاً على حياة أولادهم من أحكام الموت، أو في سبيل تحويلهم إلى محاكم الإرهاب الأخف وطأة.
قضية المعتقلين على طاولة المفاوضات والمساومات:
بدا النظام السوري ، في كل جولات المفاوضات ، معرقلاً للحل السياسي، يضع العراقيل ويختلق الذرائع، محاولاً كسب الوقت، على آمل تعزيز موقعه العسكري بالسيطرة على الأرض، مراهنا على تحول في الموقف الدولي لصالحه، بما يدعم شرعية وجوده واستمراره قابضاً على السلطة، بحماية القوى الداعمة له روسيا وإيران، تحت مظلة الحرب على الإرهاب التي انتهت بالنسبة لروسيا وأمريكا, ولم تنتهي بعد بالنسبة للنظام. حيث مازال النظام يضع كل البيض في سلة الإرهاب في أخر نسخة من جنيف. وكان واضحا بالنسبة للنظام إن الإرهاب يمثل كل القوى العسكرية والسياسية التي تعارض النظام، ولا يتوقف الإرهاب على تنظيم داعش والنصرة.
شكل ملف المعتقلين مع الحصار الاقتصادي، أهم وسائل النظام للضغط على الحاضنة الشعبية، وعلى المعارضة المسلحة في أن. حيث أنه تحت ضغط الحصار الاقتصادي الخانق ولإيجاد حل لقضية المعتقلين والاختفاء القسري تمت العديد من الهدن المناطقية, تحت مسمى المصالحات ، هدن جاءت مهينة بشروطها لصالح النظام وتحت رحمته وقد شكلت بنود : الإفراج عن المعتقلين من أبناء تلك المناطق، وكشف مصير المفقودين، إضافة الى فك الحصار الاقتصادي، المطالب والبنود التي قامت عليها هذه الهدن.. كان النظام عقب كل توقيع على هدنة ما يفرج عن عدد رمزي محدود من معتقلي هذه المناطق، أطلق عليها تسمية صفقة ، ثم يتهرب من تنفيذ كامل الاتفاق تحت ذريعة عدم وجود الأسماء المطلوبة لديه، كانت المطالبة بالنساء المعتقلات لها أولوية بالنسبة للمعارضة المسلحة.
برز اهتمام النظام بملف المعتقلين بعد أن تم طرحه من قبل المجتمع الدولي، وفق ما ورد في القرارات الدولية المتعلقة بحل الأزمة السورية، نذكر منها قرار مؤتمر جنيف الأول والقرار 2254، محاولاً الالتفاف عليهما، والتهرب من تنفيذهما من دون شرط ، عبر وضع شروطه واستثمار ملف المعتقلين لخدمة مأربه السياسية والأمنية. لذلك دفع بما يسمى الأحزاب “المرخصة” إلى التواصل مع قوى معارضة لتشكيل لجان تختص بملف المعتقلين، ضمن مسار سميَ المصالحات، والدفع به إلى إنجاز مصالحات مع فئة من المعتقلين، وكلنا يعلم الشروط التي تقوم عليها المصالحة بين المعتقلين وأجهزة الأمن أهمها: الندم وطلب الرحمة والمغفرة من النظام و ضمان النظام اعتراف من المعتقلين بجميله عليهم وشكره على هذه المنحة، وتوقيعهم على تعهدات أمنية وسياسية تضمن عدم مسائلة وأيضاً عدم معارضة النظام لا حقاً .
وقد اعترفت وزارة العدل التابعة للنظام أن لديها 30ألف طلب استعلام عن مصير معتقلين، يجهل ذووهم مصيرهم. يتم هذا الاستعلام عن طريق لجان المصالحة التي شكلت لهذه الغاية..
إضافة لذلك ركز الإعلام الرسمي للنظام على ملف المعتقلين، عبر العديد من التقارير والبرامج التلفزيونية، وحتى يبرر النظام هذه الاعتقالات، استضاف رئيس نيابة محكمة الإرهاب عمار بلال، والمفتش القضائي لدى محكمة قضايا الإرهاب، المستشار أحمد الناصر. وأعلنا على أن جميع من أُحيل إلى محكمة الإرهاب ارتكبوا فعلاً إرهابياً بشكل أو بآخر.
وبعد أن تم الإعلان عن مناطق خفض التصعيد التي تمت في الأستانة، كانت المفاوضات التي تجري بين المعارضة والدول الضامنة تضع بند المطالبة بالمعتقلين
في مقدمة المطالب, وكانت المفاوضات الداعية لخفض التصعيد التي جرت بين المعارضة المسلحة و الروس، قد علقت وفشلت أكثر من مرة في منطقة ريف حمص الشمالي، على خلفية عدم تحقيق مطلبهم بالإفراج عن المعتقلين من أبناء هذه المناطق . و على الرغم من الإدعاء الروسي بأنه سوف يضغط على النظام لحل ملف المعتقلين ، إلا أن النظام لم يتجاوب مع الوعود الروسية ، حيث لم يتم الافراج الا عن أعداداً رمزية من المعتقلين المطالب يهم .
يستغل النظام ملف المعتقلين للضغط على المعارضة باتجاه مزيداُ من التنازلات، وكسب الوقت، و يتهرب من تحقيق التزاماته بالإفراج عن المعتقلين. والافراجات التي تمت من خلال صفقات التفاوض والمصالحات التي جرت ، اعتمد النظام سياسة ترحيل المفرج عنهم الى مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، حتى لو كانوا من مناطق يسيطر عليها النظام. حيث لم يتمكنوا من رؤية أهلهم وانتقلوا الى مناطق تسيطر عليها الجهة التي تمت معها الصفقة ، والأسماء المفرج عنها يختارها النظام ولم يعتمد القوائم التي تقدمها المعارضة وتنكّر لوجود الكثير من الأسماء على أ، تكون قيد الاعتقال..
وقد نقل رئيس أركان “الجيش الحر”، في مقابلة مع جريدة عنب بلدي إن النظام يحاول منع فتح الملف، موضحًا أن “المعارضة اتفقت مع الأمم المتحدة وروسيا، على منحهما خريطة للسجون، ولكن بعد تشكيل لجنة حقيقية كي لا يستغلها النظام وينقل المعتقلين إلى أماكن أخرى . وكما هو متوقع نقل على أن وفد النظام منذ استانة 7 وضع شرط يقضي بمنع المعتقلين المفرج عنهم من الادعاء على النظام لاحقاًً.
و لم يزل ملف المعتقلين مفتوحاً في الأستانة، على أن الجولة الثامنة ركزت على ملف المعتقلين، انتهت الجولة إلى تشكيل لجنة وورقتي عمل لبحث ملف تبادل المعتقلين ، نشير هنا أن إيران الدولة الضامنة لم توقع على الورقة بينما وقعت روسيا، جانب من الموقف الإيراني يفسره ، مشاركة عناصر وميليشات تابعة لإيران في عمليات التعذيب الجارية في المعتقلات، أما روسيا التي تدخلت في سوريا في عام 2015 لم تتدخل بالاعتقالات حيث حدث أغلبها قبل ذلك. غير أنها تستثمر ملف المعتقلين وتتواطأ مع النظام ، ولا تضغط على النظام بما تملكه من قدرة التأثير لحل الملف.
ورقة العمل المطروحة في الأستانة , المتعلفة بالمعتقلين تتعامل على قدر المساواة بين النظام والقوى المسلحة، في مناطق خفض التصعيد، حيث نصت على تبادل المعتقلين ، والأسرى والجثث . مع أن أكثر من من 90 بالمائة من المعتقلين والمفقودين موجودين عند النظام، وفق تقرير صدر مؤخراً عن منظمة هيومن رايس ووتش . ونشير هنا أن الأسرى من العسكريين الإيرانيين والروس وحتى جثث القتلى كانت تتم مبادلتها وإجراء صفقات مع المعارضة المسلحة على وجه السرعة شملت هذه الصفقات حتى الأسرى من الضباط الذي يهتم النظام لأمرهم. ، وكانت هذه الصفقات تتم بمبادلة معتقلين في سجون النظام. أما الأسرى من الجنود والمخطوفين من المدنيين ، والرهائن الموجودين في مناطق تسيطر عليها المعارضة المسلحة، لم يهتم النظام لأمرهم ومصيرهم يوما. والمصير الغامض المتعلق بالمعتقلين والمخطوفين والأسرى في سجون داعش، تم السكوت عنهم، في غمرة الأفراح بالقضاء على داعش، ومن يتحمل مسؤولية اختفائهم داعش أم النظام أم التحالف الدولي ، أم قسد ، وأي نهاية كتبت لهم هل الموت الجماعي ؟,
نتيجة: على الرغم من أن الإفراج عن المعتقلين، لا يعتبر تغييراً في جوهر النظام وسياسته : حيث لجأ النظام في بداية حكم بشار الأسد، إلى تبييض السجون، في تصوره لمزاعم الإصلاح ومحاولة منه لكسب الشارع، عندما لم يجد خطراً على سلطته من المعارضة، المنهكة ـ بعد قضاء سنوات طويلة في السجن، ولغاية إعادة إنتاج النظام ، بعد أن تخلص من بعض رموز سلفه الرافضين لحكمه، حينها غازل النظام المعارضة على أمل دعمه ، و لكن النظام رفض مطلب المعارضة التغيير والمشاركة في السلطة عبر تداولها ، ولم يمضي سنوات قليلة حتى انقض على رموزها وتم زجهم في السجن . ذلك جرى حيث كان النظام يحتكر السلطة ولا يوجد منافساً له, ويمسك جميع مفاصل المجتمع, ويقرر السياسات وحده وفقا لمصالحه.
لكن بعد سبع سنوات من الصراع الدموي ، حيث فقد النظام الكثير من قدراته العسكرية والاقتصادية ونفوذه السياسي ، وجعلته يتكأ في تعويض هذه القوى على الدول الداعمة له ولوجوده. إن ما يتم من حالات الإفراج عن المعتقلين سواء نتيجة أحكام قضت أو نتيجة المصالحات أو الاتفاقات الخاصة في مناطق تخفيف التصعيد كل ذلك لا يؤثر على مركز النظام بل يعززه. حيث أن ما يجري من اتفاقات تدعم المناطقية والانقسام الاجتماعي، نعزز قوة النظام وداعمية. وتقلل من خطر المعارضة المشتتة مناطقياً . حيث أن المعتقلين المفرج عنهم حريتهم وتنقلاتهم مقيدة وغير معترف بهم من قبل النظام السوري مواطنين بل يتخلص منهم ، عبر ترحيلهم إلى مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في ظروف لم يزل الصراع قائماً ومازال النظام يسعى الى التصعيد، باتهام المعارضة على أنها تمثل الإرهاب ، وعليه يراهن النظام على أن المفرج عنهم، عبارة عن قنبلة موقوتة، تدفعهم للالتحاق بالقوى العسكرية المسيطرة على الأرض. وفي حال تم تصعيد العنف والصراع مجدداً فمن السهل إثبات تهمة الإرهاب عليهم أو قتلهم في المعارك. ومن ناحية أخرى يسعى النظام من هذه الاتفاقات والصفقات أن يتخلص من أعباء ملف الاعتقالات في المسائلة والمحاسبة بضمانة الدول التي ترعى الاتفاق والقوى المناطقية العسكرية والمدنية التي توافق عليه، كما أشرنا بضع النظام شرط قبل البدء بتنفيذ اتفاق واسع للافراج عن المعتقلين يقضي بتعهدهم عدم تحريك دعاوى . ضده كجزء من اتفاق تضمنه الدول الضامنة في الاستانة والقوى العسكرية المسيطرة على الأرض . والأهم من كل ذلك تتم هذه الصفقات والنظام يتمتع بالقوة والشرعية والحماية والدعم اللازم له حيث يكون ملف المعتقلين جزء من التفاوض وليس ملف إنساني مستقل.
إن الإفراج عن المعتقلين غير المشروط كما ورد في القرار 2254 ستكون من وسائل إضعاف النظام وزعزعة كيانه، ولن تتم إلا رغما عنه، بالضغط وتطبيق القرارات الدولية بالقوة .حيث أن الإفراج عن المعتقلين سيفتح على النظام أبواب لن تغلق الا بمحاكمة المسئولين عن الجرائم التي لحقت بالمعتقلين. يسعى النظام في قضية التحكم بملف المعتقلين إلى حماية نفسه من المسائلة عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها في أقبية التعذيب بحق المعتقلين :
الانتهاكات التي ارتكبها النظام بحق المعتقلين:
فام النظام بانتهاك القانون نفسه الذي وضعه لحمايته, اعتقالات تعسفية تمت خارج القانون، كثيرا ما تم خرق حرمة المنازل من قبل عناصر الأمن، وقاموا ببث الذعر والخوف عند ساكني المنزل المداهم، باستخدام وسائل العنف والسباب والشتائم والضرب, الذي يطال حتى عائلة المعتقل أثناء تفتيش المنزل، وقد يطال الاعتقال أفرادا غير المطلوب اعتقالهم.
الاعتقالات العشوائية في الشارع على حاجز ما، بعد إجراء تفييش على الهوية يتم توقيف الأشخاص، ويتم نقلهم الى مكان مجهول، والسبب هو الانتماء الى عائلة أو منطقة ما خارجة عن سلطة النظام. حيث نجد أن أبناء المناطق المحاصرة وعائلات المقاتلين أو الناشطين، هؤلاء هم المتهمين في أروقة محاكم قضايا الإرهاب. إضافة الى المعارضة السياسية بمختلف مشاربها التي تعارض النظام.
مدة التوقيف المقررة ستون يوماً في القانون، في الواقع أصبحت غير محددة حيث أن أغلبية المعتقلين قضوا سنوات قبل إحالتهم للمحاكمة. إضافة إلى ظروف اعتقال لا تحتمل: حالة اكتظاظ أماكن التوقيف والاحتجاز، و حرمان المعتقلين من الطعام والخدمات الصحية، كل ذلك يخرق الأعراف والقوا نين الدولية في مقدمتها اتفاقية حقوق الإنسان و اتفاقية مناهضة التعذيب، التي وقع عليها النظام منذ عام 2004 . . لقد شكلت الاعتقالات وسيلة ضغط كبيرة على المجتمع السوري وخاصة أهالي المعتقلين انقطاع أخبار المعتقل، وعدم معرفة مصيره ومكان احتجازه، ترك الأهالي في حالة دائمة من البحث عن أبنائهم دون جدوى، ولجئوا إلى الوساطة والوسطاء حيث تحولت المعتقلات إلى وسيلة ابتزاز مادي، ووسيلة هامة لاغتناء ضباط الأمن والسماسرة، بالمقابل إفقار الأهالي بعد اضطرارهم إلى بيع ممتلكاتهم في سبيل إنقاذ أبنائهم . . إن انتشار ظاهرة المساومة المالية على المعتقلين ، تؤكد على عدم وجود تهمة تدين المعتقل و على أن لا خطر منه ، وأن شراء الأهالي حرية ابنهم المعتقل سيكون عامل ضغط على الأهل والمعتقل. نشير هنا أن هذه الانتهاكات المذكورة آنفاً تجعل من قضية الاعتقال في سوريا قضية إنسانية.
انتهاكات جسيمة ترتقي لجرائم ضد الإنسانية
التعذيب حتى الموت :
استخدم النظام ضد المعتقلين أشد وسائل التعذيب ، وكان التعذيب حتى الموت ظاهرة واسعة ممنهجة ، تمثل جزء من عملية الإبادة المقصودة لفئات من السكان بسبب من انتمائهم إلى منطقة خرجت عن سيطرة النظام أو عائلة انشق أعضاء منها عن النظام. أو حتى لو كان التعذيب حتى الموت تم ضد المعارضة بصفتها تلك تعتبر جريمة إبادة ضد فئة من السكان، و لتغطية جرائم التعذيب حتى الموت قام النظام بتسليم الأهل هوية المعتقل ، مع تقرير طبي يفيد أن ابنهم توفي نتيجة نوبة قلبية ، دون تسليم الجثة حتى لا تنكشف حقيقة قتله تحت التعذيب.
الاختفاء القسري:
أعقبت الاعتقالات التعسفية والعشوائية، حالة اختفاء قسري لعشرات الآلاف من المعتقلين وفق تقديرات الشبكة السورية لحقوق الانسان، 90 بالمائة من المعتقلين في حالة من الاختفاء القسري، حيث مرت سنوات على اعتقالهم دون معلومات عن حياتهم أو مماتهم، على الرغم من توثيق اعتقالهم من قبل أهالي المعتقلين.
إضافة لذلك يوجد عشرات الآلاف من المعتقلين غير معروف مصيرهم، نتيجة الاعتقالات التي تمت في الشارع، أو على الحواجز دون أن يتسنى للمعتقل إيصال علم لأهله، وأغلب الظن أنه ، يبحثون عنه دون جدوى.
وبناء على ما ورد في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري: حيث تعمد الأطراف المتنازعة إلى إخفاء الأشخاص قصدا من أجل الضغط السياسي على الخصم، ومن أجل المبادلات بين أطراف النزاع والمدنيين يكونون هم الوقود. في الحالة السورية يتنكر النظام لاعتقال هذه الفئة غير الموثق اعتقالهم ، خاصة أن الكثير منهم قضوا تحت التعذيب مستغلاً الفوضى من عمليات الخطف التي تجري لغايات مادية أو الهروب غير الشرعي خارج البلد ، أو التحاقهم بمناطق سيطرة المعارضة المسلحة.
يعتبر الاختفاء القسري جريمة خاصة نظم أحكامها القانون الدولي وكانت الأمم المتحدة قد اعتمدت منذ 21 كانون الأول عام 210 الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. تنص الاتفاقية على عدد من الضمانات الإجرائية للحيلولة دون اختفاء الأشخاص وهي: ضرورة الإبقاء على كل شخص محروم من حريته في مكان رسمي وأن يقيد في سجل ، وأن يكون له صلة بالعالم الخارجي مع عائلته ومستشاره القانوني . و حق الحصول على معلومات عن مكان الاحتجاز.
من المفيد ذكره أن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري تقر بأن مفهوم ضحايا الاختفاء القسري، تشمل أقرباء المختفين، الى جانب المختفين وحق العائلات بمعرفة مصير أقربائها، و تنص على حقهم التعويض عن الألم الذي ألم بهم.
جرائم وانتهاكات باعتقال الأطفال :
شكل اعتقال الأطفال وتعذيبهم جزءً من الترهيب وزرع الخوف في المجتمع ،وأحدى أشكال الانتقام من الأهالي ، لأن استخدام وسائل التعذيب ضد الأطفال لا يوجد ما يبرره فالأطفال لا غايات لهم في السلطة، ولا يعي الأطفال ما يدور حولهم جيداً،. فالأطفال وفق القوانين الدولية الإنسانية هم الفئة الأكثر ضعفاً من المدنيين، الواجب حمايتهم أثناء النزاعات المسلحة. إن الجرائم المرتكبة بحق الأطفال السوريين، وقتلهم تحت التعذيب تعتبر إحدى الجرائم ضد الإنسانية ، التي أدان النظام بها نفسه . وقدم أدلتها أمام المجتمع الدولي الذي مازال يصم أذانه، ويدير ظهره عما يجري في سوريا .
كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد قدرت عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال حوالي عشرين ألفاً ، تسعة ألاف منهم مازالوا قيد الاحتجاز وقد تعرض
تعرض الأطفال المعتقلين لكل وسائل التعذيب و إلى الإخفاء القسري،. وكثيرا ما يتم اعتقال قاصرين مع أمهاتهم، أو يتم اعتقالهم قصدا بمفردهم، للضغط على الأهالي لتسليم أنفسهم.
وثقت الصور المسربة مئات من جرائم قتل القاصرين تحت التعذيب ، ونتيجة الضغوط الحقوقية والدولية ومطالبات الأهالي، في عملية البحث عن أطفالهم المعتقلين ، أصدرت وزارة العدل السورية في آذار الماضي تعميماً برقم 21 لعام 2016 يقضي بتحويل كل المعتقلين والموقوفين من القاصرين إلى محاكم الأحداث، حتى لو كانوا متهمين بالإرهاب ، تنفس أهالي القاصرين والمحامين المدافعين عنهم في محاكم الإرهاب الصعداء ، غير أن محاكم الإرهاب لم تأخذ بعد بهذا التعميم ، تحت حجة أن التعميم لم يصلهم بشكل رسمي ،بمعنى أنه لا يكفي أن يصدر بشكل رسمي، بل يجب كما يبدو عليه الحال أن يكون الأمر صادرا من الجهات الأمنية أو باسم رئيس الجمهورية ، وكأن القضاة في محكمة الإرهاب الاستثنائية ليسوا تابعين لوزارة العدل.
انتهاك لقانون الأحداث الجانحين:
القانون رقم 18 لعام : 1974 ينص على الأصول الخاصة بالتوقيف وأماكن التوقيف وكيفية محاكمة الأحداث . بما يضمن مصالح الطفل ..ومن أهم المواد التي وردت في هذا القانون التي تتعلق بهذا الشأن::
ما جاء في المادة الثالثة من قانون الأحداث الجانحين : ـ” إذا ارتكب الحدث الذي أتم السابعة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره أي جريمة من الجرائم فلا تفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في هذا القانون، حيث يجوز الجمع بين عدة تدابير إصلاحية”.
أما في الأحكام الخاصة بالجنايات التي يقترفها الحدث حيث تكون العقوبة مخففة،” ففي جناية يحكم عليها بالإعدام يتم الحبس مع التشغيل من 6 ـ 12 سنة. في حال أتم الحدث 15 عاما .:
و أما حبس الأحداث يتم في معاهد إصلاح الأحداث على أن يخصص لهم جناح خاص.
محاكمة الحدث: يجب أن تجري محاكمته وفق هذا القانون أمام محاكم تدعى محاكم الأحداث:” وهي محاكم خاصة تتكون من قاض رئيس وعضوية أثنين من حملة الشهادة العالية ينتقيهم وزير العدل ، إضافة إلى عضوين احتياطيين من العاملين في الدولة الذين ترشحهم وزارة التعليم العالي والتربية والشؤون الاجتماعية والعمل ومنظمة الاتحاد النسائي” .
.
ما يحصل على أرض الواقع يتناقض بشكل صارخ مع النصوص القانونية الملزمة للسلطة في التنفيذ، من المفيد الإشارة، إلى أن قوانين مكافحة الإرهاب لم تشر إلى اعتقال الأحداث، وعليه القانون الخاص هو واجب التطبيق.
انتهاك النظام لاتفاقية حقوق الطفل :
اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1989 وبدأ نفاذها في 2 أيلول من عام . 1990.
وقعت الحكومة السورية على هذه الاتفاقية ولم تحترم أو تطبق يوما المبادئ القانونية التي تقوم عليها..
لقد لخصت المادة الثالثة من الاتفاقية، المبادئ العامة من اتفاقية حقوق الطفل, و جاء في الفقرة الأولى منها::
“على أنه في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يجب أن يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى. في التربية والحضانة والتعليم وحرية الرأي، والصحة، والغذاء”.
و نصت الفقرة 1 من المادة السادسة: “أن تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقاً أصيلاً في الحياة.”.
وجاء في المادة 37:
ـ ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة.
ب ـ ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية ويجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه وفقاً للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة.
ج ـ يعامل كل محروم من حريته بإنسانية احتراما للكرامة المتأصلة في الإنسان وبطريقة تراعي احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنه
د ـ يكون لكل طفل محروم من حريته الحق في الحصول بسرعة على مساعدة قانونية وغيرها من المساعدة المناسبة فضلاً عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة أو سلطة مختصة مستقلة ومحايدة أخرى، وفي أن يجري البت بسرعة في أي إجراء من هذا القبيل.
انتهاكات وجرائم بحق النساء المعتقلات :
بلغ عدد المعتقلات أكثر من 7000 معتقلة، ومازال أكثر 4500 منهن رهن الاعتقال، وفق تقدير شبكة حقوق الإنسان في سوريا ، كما أن 99% من حالات الاعتقال التي تقوم بها القوى التابعة للسلطة ، تتم دون مذكرة قانونية يتحول الاعتقال التعسفي إلى اختفاء قسري في حالات كثيرة، هناك أكثر من 450 امرأة من المعتقلات في عداد المخفيات. غالباً ما يكون سبب الاعتقال إما أنها زوجة أو أختاً لأحد العسكريين المنشقين، أو أنها من منطقة ما ساخنة أو بهدف جمع المعلومات، حيث أن أكثر النساء يتم حجزهن, رهائن بدلاً من الابن أو الزوج، للضغط عليهم حتى يقوموا بتسليم أنفسهم. تتعرض المعتقلات لصنوف مختلفة من التعذيب الممنهج، الضرب والدولاب والشبح، و الاهانات، والابتزاز والتحرش الجنسي والاغتصاب.
تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان تشير إلى ارتكاب قوات النظام ما لا يقل عن 850 حالة عنف جنسي حصلت داخل مراكز الاحتجاز من بينهن حوالي 400 حالة حصلت مع فتيات دون سن 18 عاماً. أغلب النساء اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي متهمات بصلات قرابة أو زواج مع عناصر المعارضة المسلحة. .
أن أهم ما نود الإشارة إليه إلى أن النساء المعتقلات ، لم يرتكبن جرائم تبرر حجزهن لفترات طويلة، وميزة نشاط أغلبهن ذو طابع سلمي، وعدم قانونية احتجازهن رهائن عن أقربائهن لأن الجريمة دائما تكون شخصية، ولا تنال غير صاحبها وفق القانون. ولابد من التأكيد على أنه حتى في حالة تم دعم المقاتلين بالطعام واللباس لا ينزع عن التصرف صفة العمل المدني في حالة الاقتتال الداخلي ، وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني .. كما إن الاغتصاب والإخفاء القسري بحق النساء، توصف بأنها جرائم ضد الإنسانية .
أهمية توثيق الانتهاكات والجرائم بحق المعتقلين :
إن التوثيق هي من الأدلة الهامة لإدانة مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحق المعتقلين مهما حاولوا إضفاء الشرعية على سلوكهم سواء بالقوانين التي تعفيهم من المسائلة أو الاتفاقات السياسة التي تحد من إمكانية المحاسبة، خاصة أن محكمة الجنايات الدولية صاحبة الصلاحية الأهم بمحاكمة مجرمي الحرب والجرائم ضد الإنسانية مازالت مغلقة أبوابها أمام الملف السوري بسبب من أن سوريا ليست طرفاً في نظام روما.
ولأن مجلس الأمن الدولي الذي يتمتع بصلاحية إحالة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إلى جانب الدولة الطرف تتقاسمه النزاعات السياسة حتى اليوم. على الرغم من توفر الوثائق والأدلة ضد مرتكبي هذه الجرائم من الصعب إنكارها .
أهم الأدلة المتوفرة :
1 ـ الشاهد الملك الذي سرب أكثر من 50 ألف صورة منذ 2013 لإحدى عشر ألف معتقل تم قتلهم تحت التعذيب أو نتيجة التجويع من بينهم صور لتساء وصور لأطفال .
2 ـ مؤخراً في الشهر الجاري من هذا العام انتشر في وسائل الإعلام خبراً مفاده أنه في مكان سري من أوروبا يوجد أكثر من 180 ألف وثيقة تدين النظام السوري
بجرائم الفتل والتعذيب والاختفاء ألقسري مدعومة بأشلاء بشرية وهواتف وخرائط عسكرية .
3 ـ الفيلم الوثائقي “سوريا الصرخة المكبوتة” حول جريمة اغتصاب النساء في معتقلات النظام قدمته القناة الفرنسية الثانية ولاقى انتشاراً واسعاً.
ومن الوثائق الهامة الأدلة المتوفرة لدى منظمة العفو الدولية ومنظمات المسائلة والعدالة ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وسائل هامة على طريق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد المعتقلين :
منذ عام 2016 في كانون الثاني أصدرت الأمم المتحدة قراراً يقضي بإحداث الإلية الدولية المحايدة والمستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية لمرتكبي أشد الجرائم خطورة في سوريا بموجب القانون الدولي من آذار 2011 الآلية المستقلة تملك الاختصاص في جمع الأدلة المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني وتركز على أخطر الجرائم: الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وقانون حقوق الإنسان بغية حفظها وتوثيقها من أجل تحقيق العدالة أمام المحاكم الدولية لا حقا، نتيجة لعدم القدرة على تحريك الدعوى على هذه الجرام أمام محكمة الجنايات الدولية حتى اليوم .
محاكم ذات ولاية عالمية : بموجب مبدأ الولاية العالمية يسمح للمدعي العام والمحاكم لمتابعة الجرائم الدولية حتى من دون صلة مباشرة بألمانيا. شهادات ناجين من التعذيب يقاضون النظام السوري .
على الرغم من أهمية هذه المحاكم ذات الصلاحيات بالجرائم الدولية لحقوق الإنسان أمام صمت العالم إزاء ما يحصل من جرائم في سوريا, لا أن دورها قاصر على الحد من حركة المجرمين اتجاه دول يمكن أن تقاضيهم على ما ارتكبوه من جرائم، حيث ليس لديها صلاحية جلبهم للمحاكمة. أضف إلى ذلك أن الكثير من المجرمين الذين هاجروا للخارج قد يكونوا من المجرمين غير المحترفين أو ممن أجبر على ممارسة سلوك جرمي تنفيذاً لأوامر رؤساءه . وقد يكونوا هاجروا للقيام بمهام أمنية ضد اللاجئين، في هذه الحالة محاكمتهم ستكون أمر جيد.
نتيجة: أن قضية المسائلة والمحاسبة على الجرائم التي ارتكبت في سجون النظام تشكل هاجساً للنظام، وتمثل إحدى الأسباب الرئيسية للتهرب والمماطلة في حل ملف المعتقلين، لابد أنها ستطيح برؤوس هامة وركائز يقوم عليها النظام، وأن النظام يعمل ما بوسعه على ربط ملف المعتقلين بالحل السياسي الذي يضمن استمراره ووجوده في السلطة ، لأن استمرار النظام في السلطة ، لن يتم إلا عبر توافق دولي، يشل من عمل المؤسسات الدولية، ليس مجلس الأمن فحسب، بل الأمم المتحدة والأجهزة التي أنشأتها لمحاسبة ومحاكمة مرتكبي الجرائم في سورية منها الألية المحايدة … بذريعة الاستقرار الدولي . ويتم ترحيل قضايا المسائلة والمحاسبة الى أجل أخر، حتى تتغير به الظروف السياسية ، على اعتبار أن الجرائم ضد الإنسانية لا تخضع للتقادم .
أما تنفيذ الورقة المطروحة للبحث في أستانة المتعلقة بتبادل المعتقلين ، فالنظام سيركز على الجرائم التي ارتكبتها القوى العسكرية المسلحة أو يحملها المسؤولية عن جرائم ، حتى لو تمت على يد داعش أو النصرة من قتل وخطف واخفاء قسري . لأن أغلب الأسماء المطلوبة من قبل النظام ، لن تكون موجودة تحت سيطرة قوى المعارضة العسكرية والسياسية الممثلة في الأستانة, في هذه الحالة سوف يستفيد النظام في التغطية على جريمة اختفاء المعتقلين في سجون النظام بعد قتلهم, خاصة في حالة عدم وجود دليل على اعتقالهم في سجون النظام. أو دليل على القتل.
وفي حال توجت التسوية بحل سياسي يرضي الدول الضامنة وهذا ما تسعى له روسيا عبر مؤتمر سوتشي، حيث تعمل من خلاله على تمرير تسوية تضمن بقاء النظام خلال الفترة الانتقالية على الأقل ، مستغلة الصمت الأمريكي ، أو موافقته الضمنية مقابل مساومات تجري تحت الطاولة بين أمريكا وموسكو، قابلة للتفجير بأي لحظة، والأخطر هو الموقف التركي حليف المعارضة والضامنة للاتفاقات التي تجري في أستانة، التي أبدت استعدادها للحضور وفق مصالحها، على شرط عدم حضور “ب واي دي”، تركيا القادرة على التأثير على أطراف من المعارضة المسلحة والسياسية لحضور المؤتمر . تسعى روسيا ليكون سوتشي بديلاً عن جنيف ، فقد أعلنت أن الحوار سيجري على أساس تطبيق القرار 2254 لكن وفق التفسير الروسي للقرار، لحد الآن نجحت روسيا بنقل الملف الإنساني الى الأستانة: وقف إطلاق النار وفك الحصار وملف المعتقلين. دون أن يتم حل أي بند من الملف الى اليوم، بل هو ممسوك من قبل النظام وروسيا وإيران حتى تحقيق تنازلات في الملف السياسي . وتعمل روسيا اليوم الى نقل الملف السياسي الى سوتشي ، على أن يتم ربط الملفين الإنساني والسياسي معاً. و إذا استطاعت احراز تقدم وفرضت خطتها على الدول المؤثرة في الملف السوري خاصة أمريكا ، فيصبح من السهل نقل الملفين الإنساني والسياسي مرة أخرى إلى جنيف لإعطائه الشرعية الدولية. والحل الذي يبنى على هذا الأساس، سيكون له تأثيراً على قضايا محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد المعتقلين ، حيث يتم طي الملف وعدم ملاحقة مرتكبي الجرائم, والاقتصار على التعويض المالي على المتضررين كجزء من عمليات المصالحة الواسعة إن تمت .
وإن فشلت روسيا في سعيها هذا، يعني أن الجرائم والانتهاكات بحق المعتقلين تشكل الورقة الأهم، للضغط من أجل إقصاء رموز النظام، المسئولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري، و على رأسها الجرائم التي ارتكبت بحق المعتقلين، في أقبية التعذيب لتوافر أدلتها، ومحاكمتهم على هذا الجرائم.
1 ـ تقارير صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان لعام ـ ، 2017 ـ 2016
2 ـ المركز السوري للإعلام وحرية التعبير 7 2 تموز 2017 شهادات ناجين من التعذيب يقاضون النظام السوري .
3 ـ بحث حول الأدلة الدولية لجمع الأدلة عن الجرائم المرتكبة في سوريا بين الطموح والواقع المحامية ريم الكسيري. المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.
4 ـ اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989
الأحداث الجانحين. قانون القانون رقم 18 لعام : 1974 ـ5
6 ـ الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي اعتمدتها الأمم المتحدة منذ 21 كانون الأول عام 210