أنور البني، المحامي السوري الناشط في الدفاع عن المعتقلين في سجون النظام السوري
قدم أنور البني، المحامي السوري الناشط في الدفاع عن المعتقلين في سجون النظام السوري، صورة عن أوضاع المعتقلين في الوقت الراهن حيث قال إن أكثر من 200 ألف سوري ما زالوا معتقلين في سوريا .
وانتقد البني الذي يعيش منذ مدة قصيرة في برلين، سياسة الغرب تجاه التزام الصمت حيال بشار الأسد. وقال في تصريحات نشرتها صحيفة “تاجيس تسايتونج” الصادرة في برلين، أن العالم يغض الطرف عما يجري من تقتيل في سوريا، لأن الغرب يخشى التغيير السياسي وانه يتحمل مسؤولية انتشار نفوذ الجهاديين لأنه رفض التدخل في سوريا.
وفيما يلي نص الحوار:
> على الرغم من اندلاع الحرب الأهلية في سوريا منذ سنوات، فقد بقيت تعمل كمحام في وطنك، ولم تقرر المغادرة وأتيت إلى برلين إلا منذ فترة زمنية قصيرة، فماذا كان سبب قرارك بالمغادرة سوريا؟
– كان واضحا بالنسبة لي، أنه طالما كان بوسعي عمل أي شيء لمساعدة المعتقلين في سجون النظام، كنت أفضل البقاء رغم كل شيء. ولكن في النهاية، لم تعد سلطات السجون تسمح لنا كمحامين بزيارة المعتقلين، ولا الدفاع عنهم أمام المحاكم، ولم يعد بوسعنا عمل أي شيء لهم.
ثم بلغني سرا أن ثلاثة أجهزة أمن سورية قررت اعتقالي. عندها اتخذت قرارا بمغادرة سوريا حيث الإنسان هناك، يكافح من أجل البقاء وليس من أجل الحرية، وإلا لبقيت في وطني
> أنت نفسك دخلت السجون من عام 2006 إلى عام 2011، ولم يأخذوا منك رخصة مزاولة المحاماة، وقمت بعد الإفراج عنك فورا بالدفاع عن معتقلين، لماذا ترك النظام لك هذه الحرية؟
– لسبب بسيط، وهو أنني ، لم أمارس نشاطا سياسيا في العلن، وإنما ركزت على الشؤون القضائية. لكنني فهمت أن اعتقال زملائي بعد الإفراج عني، كان رسالة تهديد إلي وإلى كل المحامين.
> أطلعنا عن أوضاع المعتقلين السياسيين في سوريا في الوقت الراهن؟
– نعلم أنه منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد النظام في مارس عام 2011، لقي أكثر من خمسين آلف سوري حتفهم، داخل سجون التعذيب ومن موجود اليوم على قيد الحياة، يتعرض إلى التعذيب من قبل عدد من الأجهزة الأمنية المكلفة بذلك.
> ولكن الوثائق التي قام بتهريبها إلى خارج سوريا، أحد المطلعين على الأوضاع في السجون في عام 2011، أشارت إلى مقتل أحد عشر ألف معتقل.
– رقم احد عشر آلف الذي أشرت إليه، هم ضحايا الفروع الامنية والسجون بدمشق فقط وحتى منتصف عام 2013 ، ونعتقد أن أكثر من 200 ألف سوري، تعرضوا ما زالوا معتقلين، بينهم 20 ألف مواطن، أحيلوا فورا على محاكم عسكرية وحوكم 30 ألف مواطن بتهمة الإرهاب، واختفى أثر 100 ألف مواطن، نعلم أن 50 ألف مواطن منهم تعرضوا للتصفية.
> هل تعتقد أن هناك فرصة لمقاضاة بشار الأسد أمام محكمة الجزاء الدولية في “لاهاي”؟
– لا، روسيا والصين سوف تعرقلان كل محاولة من قبل مجلس الأمن الدولي، لأنهما يخشيان أن يتعرضا بدورهما للمحاسبة القانونية بسبب دعمهما لنظام دمشق وتزويده بالمال والسلاح، وأيضا بالنسبة للجرائم التي ارتكبتها روسيا في الشيشان، ولذلك فإن عرقلتهما محاولات إحالة الأسد إلى محكمة الجزاء الدولية، هو دفاع عن النفس.
> ما هي الخيارات الموجودة برأيك؟
– تدعو خطتي إلى إنشاء مركز، يقوم بتدريب المحامين والقضاة و انشاء محكمة شعبية لفتح ملفات الجرائم بسوريا المرتكبة من الجميع ، وسيكون ذلك رسالة موجهة إلى أقارب الضحايا، بأننا نعمل من أجل الحق وليس لدينا طموحات سياسية أو أطماع شخصية. هناك ضرورة ملحة للتصدي قانونيا لنظام دمشق، لأن الصمت على جرائمه يشجع على ارتكاب المزيد
> وأين تعتقد أفضل مكان لإنشاء المحكمة؟
– أفضل مكان مناسب، مدينة “غازي عنتاب” على الحدود التركية السورية، لأن القرب الجغرافي من سوريا، يساعدنا في استجواب الشهود والحصول باستمرار على معلومات ووثائق من الداخل بالاضافة للتأثير المعنوي، من الطبع القول إنه ليس واضحا أن تركيا ستسمح لنا بفتح المحكمة، علاوة على أننا لا نملك ميزانية لذلك
> كيف تقيم سياسة ألمانيا والغرب تجاه سوريا؟
– لقد استضاف الألمان العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، ونحن مدينون لهم بالشكر من أجل ذلك. لكن الأوروبيين والأمريكيين خاصة، يعرفون تحديدا ما يجري في سوريا، لكنهم لا يريدون اتخاذ أي إجراء ولا يريدون أن يُشغلوا أنفسهم بما يجري في بلادنا، لأنهم لا يعتبرون سوريا بلدا مهما بالنسبة لمصالحهم، ليس فيها ثروات طبيعية. ولكن الأمر الخطير، هو انتشار نفوذ الجهاديين في المنطقة. وباعتقادي، أساء الغرب تقديره للأوضاع في سوريا. ففي البداية وجد أنه كان مفيدا لمصالحه، انتشار الجهاديين في سوريا، ليدخلوا في صراع دام مع النظام، وهكذا يتخلص الغرب من مشكلة دون أن يفعل شيئا. لكن النتيجة أن الجهاديين يسيطرون اليوم على مناطق واسعة. لقد فقد الغرب القدرة على التحكم بمعالجة الأزمة السورية، والمؤسف، أنه حتى يومنا هذا، لم يطلب جديا من بشار الأسد إنهاء الحرب. مما ادى الى حصول العكس تماما، فنتيجة للصمت الطويل على نظام الأسد، وعدم التدخل لنصرة الشعب السوري، كان بمثابة الضوء الأخضر للجهاديين لارتكاب جرائم ولإضعاف المعارضة المعتدلة؟
– لقد وجهت عدة رسائل إلى الغرب وأندرز.أف راسموسن، عندما كان يشغل منصب أمين عام حلف شمال الأطلسي “ناتو”، حيث حذرته مرارا وتكرارا، ونصحته بأن يكف عن التصريح في العلن بأن الغرب لا يفكر بالتدخل، وألحيت عليه أن يلتزم الصمت، حتى لو لم يعتزم التدخل جديا، لكنه تجاهل رسائلي ولم يكف عن إطلاق التصريحات الرنانة، التي فهم النظام منها والجهاديون أنها عبارة عن قنابل دخان ليس أكثر، ولكي يحفظ الغرب ماء الوجه. كنا نعتقد أن الغرب سوف يتدخل عسكريا في سوريا. لكن بالنسبة لغالبية الشعب السوري، أصبح ذلك متأخرا،
> لماذا يتمسك الغرب ببشار الأسد؟
– لأنه يخشى التغيير. إن مشكلة السياسيين الأمريكيين والغربيين، عدم وجود رؤية سياسية للأزمة لديهم. أنهم يفكرون دائما بالانتخابات القادمة في بلادهم وكيف يفوزون بأصوات الناخبين. لذلك، هم راضون على الوضع الراهن في بلدنا، على الرغم من أن المنطقة كلها مهددة بالانفجار. هل تذكرون صورة الطفلة الفيتنامية التي نُشرت في أنحاء العالم، ظهرت فيها عارية هاربة من قرية تعرضت لغارة بقنابل “النابالم”؟ هذه الصورة غيرت العالم.
في سوريا تحدث مآس من هذا النوع كل يوم ترمي طائرات الأسد براميل حارقة على رؤوس المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ، بينما العالم يتعمد غض الطرف، لأنه يرفض تغيير النظام. بدون سلام في سوريا، الحرب السورية مهددة بالانتقال إلى المنطقة وما يحدث اليوم في العراق بداية لأسوأ السيناريوهات.
> هل تعتقد أنه ممكن إقناع الأسد بتقديم تنازلات؟
– كنت في عام 1981 في مدينة حماه، عندما قام حافظ الأسد، والد بشار، بقتل أربعين ألف شخص خلال 27 يوما. وكدت أفقد حياتي في هذه الفترة. هذا النظام لا يفاوض، وهذا يعرفه الجميع. لكن الغرب لا يفهم، أن النظام أراد منذ اليوم الأول للانتفاضة، بتاريخ 18 مارس عام 2011، البدء بقتل المعارضين. اليوم ليس هناك دولة سورية، لذلك يركز النظام على نهج الأرض المحروقة، ولأنه عاجز عن إعادة تعمير الدولة.
> وهل في سوريا اليوم، أشخاص يريدون إعادة تعمير الوطن؟
– عندما ما تصمت الأسلحة، سوف تجد السوريين يسارعون للعمل السياسي والمدني ، ولكن في الوقت الراهن هذا ليس ممكنا، ولكن أبناء سوريا هم الذين سيعيدون تعمير بلدهم.
> ألا تعتقد أن سوريا أصبحت منقسمة؟
– هذا الوضع قد يستغرق بعض الوقت، ولكن في النهاية، سوف تجتمع كافة الأطراف تحت مظلة سورية. لكن كلما تردد الغرب بالتدخل الجدي في سوريا، كلما زادت الأمور صعوبة وتعقيدا.