كلمة رئيس المركز المحامي أنور البني أمام الأمم المتحدة بتاريخ 3-3-2015
عذرا منكم جميعا , أنتم مشاركون بصناعة الإرهاب وتشجيعه بل ودعمه , وأي خطاب منكم لا يستجيب لمبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان وهو أن العدالة للجميع دون أي استثناء وحقوق الإنسان لا تتجزأ حسب هوية أو دين أو طائفة أو قومية المجرم أو الضحية ومحاربة الإرهاب من أين أتى ومهما كانت هوية أو دين أو قومية مرتكبه أو هوية أو دين أو قومية الضحايا , دون ذلك سيكون خطابكم مجرد لغو وتلاعب وتهديد للسلم والأمن العالميين اللذين أنتم مسؤولون عنهما
شكرا أولا للسماح لنا بالتواجد بهذا اللقاء
وشكرا لتواجدكم أيضا معنا
أتمنى أولا أن تعيشوا معي هذه اللحظات .
أـمنى أن تتخيلوا أننا وخلال فترة وجودنا هنا نتحدث فإن معتقلين اثنين يموتان في معتقلات الأمن السوري من التعذيب أو بسبب الظروف اللاإنسانية التي تفرض عليهم بعد معاناة شديدة يتمنون بها الموت مئات المرات ,
ونحن كمنظمات حقوق إنسان نقدر عدد الضحايا بالمعتقلات الأمن بما يفوق خمسين ألف ضحية حتى الآن ,
أتمنى أن تتخيلوا معي أمهات وزوجات وبنات لمعتقلين مضى على اعتقالهم شهور والبعض سنوات دون أي خبر عنهم , يدورون من فرع أمني لآخر يحملون صور أحبتهم فربما يطلق سراح معتقل ويستطيعون سؤاله إن كان قد صدف أن التقى بهم في المعتقل فقط ليطمئنوا أنهم ما زالوا أحياء ,
أتمنى أن تتخيلوا معي غرقة اعتقال بمساحة لا تتجاوز العشرون مترا مربعا يزج بأكثر من مائتي معتقل بها يمضون أياما وأسابيع وهم وقوفا لا يتمكنوا من الاستلقاء أو الجلوس وصاحب الحظ بينهم من يكون مستندا إلى جدار الغرفة, وأن تتخيلوا أن هؤلاء يمارس عليهم اثنان وعشرون طريقة تعذيب تم توثيقها . وأن تتخيلوا أن أكثر من مائة وخمسون ألف معتقل ما زالوا مجهولي المصير وليس هناك أي خبر عنهم لذويهم أو محاميهم وبعضهم مضى على اعتقاله أكثر من ثلاث سنوات ونصف .
أتمنى أن تتخيلوا أشباحا يأتي بها عناصر الأمن إلى المحكمة بعد اعتقال يدوم شهور طويلة لا يتجاوز وزن الواحد فيهم خمسون كيلو غراما ولا يستر عريهم إلا قطع بسيطة من القماش وروائح جسدهم كانت تجعل القضاة والموظفين والمحامين تترك كل بناء المحكمة هروبا منها بسبب انعدام النظافة والقروح الجلدية الملتهبة والمنتنة,
وأن تتخيلوا أن محكمة الإرهاب التي تحتوى على سبعة قضاة تحقيق ومحكمة جنايات واحدة والتي بنص قانون إحداثها بعدم تقيدها بأصول المحاكمات وقضاتها معينون من قضاة عسكريين ومدنيين يجاهرون بصوت عال بمعاداتهم لأي تحرك ضد السلطة مهما كان سلميا,
وأن تتخيلوا أن أمام هذه المحكمة هناك ثمانية وثلاثون ألف ملف يضم أكثر من ثمانون ألف متهم نصفهم موقوف لصالح المحكمة , وأن تتخيلوا أن معظم هؤلاء هم من النشطاء السلميين والتهم تطال حتى من يكون حاملا لربطة خبز واحدة يدخلها لعائلته في المناطق المحاصرة تحت شعار “الجوع أو الركوع ” أو لامرأة تطبخ لأولادها الطعام لأنهم منتمون لمجموعات عسكرية مناهضة وتتدرج التهم كلها بتهمة تمويل الإرهاب .
وأن تتخيلوا أن هناك ألاف النشطاء السلميين ومئات الإعلاميين ومئات الأطباء والصيادلة وعشرات المحامين من المعتقلين لم يفرج عنهم , وأن جميع مراسيم العفو التي صدرت شملت بعض من حمل السلاح ولم تشمل هؤلاء السلميين.
وبعد أن تكتمل هذه الصورة أريد أن تعرفوا أنها ليست مجرد تخيل وأنها حقائق دامغة موجودة,
وأريد أن تضيفوا لهذه الصورة حقيقة أن القانون السوري يمنع محاكمة أي عنصر أمن أو عنصر جيش أو شرطة قبل الحصول على موافقة ريسه على المحاكمة.
وإذا أضفنا للمشهد كله صور الدمار والقتل العشوائي للمدنيين من نساء وأطفال بالبراميل المتفجرة التي لم تبقى ولم تذر لأحياء سكنية كاملة وصورة الأهالي يسحبون جثث أولادهم الرضع من بين أنقاض الدمار وأكثر من ثلاثمائة ضحية ومليون ونصف جريح وأنتم تقفون متفرجين تراقبون عدادات الموت والدمار دون أي رد فعل سوى بيانات جوفاء ودون أي محاولة على الأقل لإشعار من يرتكب ذلك أنه يمكن أن يحاكم ويدفع ثمن الجرائم التي يرتكبها وأن العدالة وإنصاف الضحايا آتية .
أريدكم أن تضعوا أنفسكم حقيقة الآن مكان شعب أصبح نصفه بين نازح ولاجئ دون مأوى أو دخل أو مساعدة وأن تتخيلوا مجموعات إرهابية متطرفة مسلحة جاء معظمها من خارج البلاد تتحكم بجزء من هذا الشعب لتفرض عليهم أفكارها وإرهابها وتختطف وتقتل ناشطيها السلميين والاعلاميين. ويمارس عليه كل ذلك وتجيبوا على السؤال الذي تطرحونه دائما : من أين كل هذا الإرهاب والعنف اللامسبوق وكيف نحاربه؟
أيها السادة
الأفكار المتطرفة والتي تستخدم العنف وسيلة لفرضها موجودة عبر التاريخ كله , وهي موجودة لدى كل الأديان والأيديولوجيات والمرجعيات السياسية والفكرية والعقائدية دون استثناء وهناك دائما من يؤمن بها وبالعنف ويبررها على هواه تحت يافطات الأهداف النبيلة أو المصالح العليا أو الأوامر الإلاهية أو غيرها من المبررات, ولكنها دائما كانت هي مجرد جرائم مرفوضة تحت أي يافطة أو شعار,
المشكلة تتجلى في إيجاد البيئة الملائمة لهذا الفكر وحاضنة اجتماعية وسياسية وثقافية له, وغياب المحاسبة والعدالة الحقيقية,
الفكر المتطرف يحتاج لفكر متطرف مضاد ليبرر وجوده, ليستغلها أصحاب هذا الفكر المتطرف العنيف القلة للترويج وتبرير تصرفاتهم وجمع أكبر حشد من المؤيدين.
وماذا يمكن أن يكون أفضل بيئة من بيئة تعاني من القمع والقهر والذل وفقدان العدالة ووسائل التعبير السلمية,
عندما تغيب أو تغيب العدالة الحقيقية تلجأ الضحايا إلى وسائل أخرى للوصول لحقها ولا ملامة أمام عجزكم وإهمالكم ,
هناك من يصنع الإرهاب بإيجاد البيئة الضرورية له لينشأ ويزوده بالوقود ليتوسع ,
هناك مصانع للموت والإرهاب في المعتقلات لا يمكن الحديث عن محاربة الإرهاب فبل وقفها ,
الشعب السوري اليوم مادة خام لصناعة الإرهاب ووسائل الإنتاج يتكفل بها النظام السوري بالمعتقلات والقتل والبراميل المتفجرة والدمار والإرهابيون القادمون من كل العالم إلى سوريا يتكفلون باستخدامها بنجاح لإخافة العالم, وأنتم تشاركون بشكل حقيقي بصناعة الإرهاب الذي تدعون محاربته عبر وقوفكم متفرجين وعدم اتخاذ أي فعل من شأنه وقف الجرائم, وحجب العدالة عن الضحايا وعدم إرسال أي رسالة حقيقية أن الجرائم المرتكبة سيتم المحاسبة عليها وأن المجرمين سينالهم العقاب من أي جهة كانوا ومهما كان وضعهم وأنه لا مجال للإفلات من العقاب, وعندما تتحركون جزئيا وتمارسون عدالة انتقائية فإن نتائجها ستكون أكثر وبالا ومساهمة كبرى بصناعة وتشجيع الإرهاب عبر غض الطرف عن جرائم والتركيز على جرائم أخرى سيشجع من تم تجاهله على ارتكاب المزيد, وسيخلق احتقانا مضادا يكون حافزا لمزيد من الإرهاب المضاد ومزيدا من العنف البشع فالأبشع, ولا مجال أبدا للمفاضلة بين إرهاب وإرهاب,
عذرا منكم جميعا , أنتم مشاركون بصناعة الإرهاب وتشجيعه بل ودعمه , وأي خطاب منكم لا يستجيب لمبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان وهو أن العدالة للجميع دون أي استثناء وحقوق الإنسان لا تتجزأ حسب هوية أو دين أو طائفة أو قومية المجرم أو الضحية ومحاربة الإرهاب من أين أتى ومهما كانت هوية أو دين أو قومية مرتكبه أو هوية أو دين أو قومية الضحايا , دون ذلك سيكون خطابكم مجرد لغو وتلاعب وتهديد للسلم والأمن العالميين اللذين أنتم مسؤولون عنهما .
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية