الآلية الدولية لجمع الأدلة عن الجرائم المرتكبة في سوريا بين الطموح والواقع
دراسة أعدتها المحامية ريم الكسيري
إشراف ومراجعة : المحامي أنور البني
يتضمن بحث دراسة الآلية الجديدة
مقدمة : تتطرق إلى الواقع السوري والجرائم المرتكبة في سوريا
1- ظروف ودوافع صدور القرار وإطلاق الآلية .
2- فحوى القرار الأممي
3- البنية والصلاحيات والاختصاص
4- الإيجابيات المتوقعة من الآلية الجديدة
5- التحديات المتعلقة بالآلية
6- خاتمة
1- المقدمة :
مرت ست سنوات على بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا والتي تم الرد عليها من قبل النظام السوري باستخدام العنف غير المبرر والاعتقال خارج إطار القانون وتطورت الانتهاكات والجرائم إلى القتل والتدمير باستخدام الأسلحة الثقيلة والبراميل المتفجرة والقتل تحت التعذيب والحصار والتجويع والتهجير القسري وحتى استخدام الأسلحة المحرمة دوليا كالأسلحة الكيماوية , ومع تطور الأحداث دون تدخل جاد من المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات والجرائم التي تندرج تحت بند الجرائم المعرفة لدى محكمة الجنايات الدولية لجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو تهجير قسري وإبادة جماعية وجرائم عنف جنسي , فقد نشأت وتواجدت مجموعات مسلحة من مختلف الأطراف سيطرت على مناطق من سوريا ومارست كل منها كذلك جرائم وانتهاكات ضد المدنيين .
ومن أجل ذلك أنشأ مجلس حقوق الإنسان بدورته الاستثنائية السابعة عشرة 22 في آب/أغسطس 2011 لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية وعهد إليها بولاية التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ آذار/مارس 2011 في الجمهورية العربية السورية.
وكُلفت اللجنة أيضاً بالوقوف على الحقائق والظروف التي قد ترقى إلى هذه الانتهاكات والتحقيق في الجرائم التي ارتُكبت وكذلك حيثما أمكن تحديد المسؤولين عنها بغية ضمان مساءلة مرتكبي هذه الانتهاكات بما فيها الانتهاكات التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.
وقد وصلت لجنة التحقيق لأدلة ووثائق مؤكدة عن حدوث جرائم كبرى في سوريا ترقى لمستوى جرائم ضد الإنسانية وأصدرت سبعة عشر تقريرا حول ذلك ,
واعتمد مجلس الأمن بالإجماع في أغسطس/آب 2015 ، القرار رقم 2235 بخصوص إنشاء لجنة التحقيق المشتركة لمدّة سنة واحدة ، مع إمكانية التمديد لها، للتحقيق في الهجمات التي تمّ استخدام السلاح الكيميائي فيها بسوريا.. ومنحت اللجنة سلطات تحديد الأفراد والهيئات والجماعات والحكومات التي يشتبه في تورّطهم ومسؤوليتهم وارتكابهم ، أو المشاركة في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا بما في ذلك غاز الكلور ، أو أيّة مواد كيميائية سامة أخرى. وأجرت تحقيقاً في حالات استخدام السلاح الكيميائي في سوريا عامي 2014 و 2015 ، وسلّمت تقاريرها بهذا الشأن إلى مجلس الأمن الدولي وأكدت التقارير المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة “حظر الأسلحة الكيمائية”، تورط جيش النظام السوري في شن هجوم بالغازات السامة على بلدة “قمنيس” بمحافظة إدلب عام 2015. كما أشار أن قوات النظام السوري مسؤولة عن هجومين كيميائيين وقعا في ريف إدلب (شمالي سوريا)، في أبريل/نيسان 2014، ومارس/آذار 2015، وأن تنظيم “داعش”، مسؤول عن استخدام السلاح الكيميائي في ريف حلب يوم 21 أغسطس 2016,
2- ظروف ودوافع صدور القرار وإطلاق الآلية:
مع ثلاث محاولات فاشلة لدى مجلس الأمن الدولي لطلب إحالة ملف الجرائم في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية بسبب استعمال روسيا والصين لحق الفيتو لمنع إحالة الملف إلى محكمة الجنايات الدولية وصل العالم إلى طريق مسدود على صعيد تحقيق العدالة في سوريا أو محاسبة المجرمين المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات المرتكبة ,
جاء هذا القرار نتيجة لما جرى من جرائم وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني و تجاوزات بالغة لقانون حقوق الإنسان و الإفلات من العقاب عن هذه الجرائم , و عما ارتكب منها خلال النزاع مما وفر بيئة خصبة للمزيد من الجرائم و الانتهاكات بما لا يتوافق مع قبول المجتمع الدولي لما يحدث في سوريا .
و أيضا نتيجة الضغط المتكرر عن مجلس الأمن من الأمين العام و المفوض السامي لحقوق الإنسان لمجلس الأمن بضرورة إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية . ومع عجز مجلس الأمن عن اتخاذ أي إجراء لوقف الجرائم والانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم الخميس 12 ديسمبر _ كانون الأول عام 2016 م قرارا هاما يتضمن إنشاء آلية دولية محايدة و مستقلة للمساعدة في التحقيق و مقاضاة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا منذ آذار عام 2011 م بهدف جمع الأدلة و تعزيزها و الحفاظ عليها و تحليلها .
و لا بد من الإشارة إلى أنه تم التصويت لصالح القرار من قبل 105 أعضاء مقابل اعتراض 15 و امتناع 52 على التصويت .
3- فحوى القرار :
إن الجمعية العامة،
إذ تسترشد بميثاق الأمم المتحدة،
وإذ تؤكد من جديد التزامها بسيادة الجمهورية العربية السورية،
وإذ تشير إلى القرارات ذات الصلة الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، ولا سيما قرار مجلس حقوق الإنسان دإ-17/1 المؤرخ 23 آب/ أغسطس 2011، التي جرى بموجبها إنشاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية،
وإذ ترحب بالعمل الجاري الذي تضطلع به لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، وإذ تشير إلى التقارير التي أصدرتها والتوصيات الواردة فيها،
وإذ تعرب عن تقديرها للعمل الذي تضطلع به آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، وإذ تشير إلى تقارير تلك الآلية والاستنتاجات الواردة فيها،
وإذ تنوه بالعمل الذي تقوم به الجهات الفاعلة من المجتمع المدني السوري والدولي في توثيق انتهاكات القانون الدولي الإنساني وانتهاكات وتجاوزات قانون حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية أثناء النزاع،
وإذ تلاحظ مع القلق الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وانتهاكات وتجاوزات قانون حقوق الإنسان المرتكبة أثناء النزاع في الجمهورية العربية السورية، وهو ما وفر أرضا خصبة لارتكاب المزيد من الانتهاكات والتجاوزات،
وإذ تشير إلى البيانات الصادرة عن الأمين العام ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان والإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، التي تفيد بأن من المرجح أن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب قد ارتُكبت في الجمهورية العربية السورية،
وإذ تلاحظ أن الأمين العام والمفوض السامي لحقوق الإنسان قد شجعا مجلسَ الأمن مراراً على إحالة الوضع في الجمهورية العربية السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية،
١ – تشدد على ضرورة كفالة المساءلة عن الجرائم التي تنطوي على انتهاكات للقانون الدولي، ولا سيما القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، المرتكبة في الجمهورية العربية السورية منذ آذار/مارس 2011 والتي قد يشكل بعضها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وذلك من خلال تحقيقات ومحاكمات مناسبة ونزيهة ومستقلة على المستوى المحلي أو الدولي، وتؤكد أن كفالة إنصاف جميع الضحايا والإسهام في منع وقوع انتهاكات في المستقبل تتطلب اتخاذ خطوات عملية صوب تحقيق هذا الهدف؛
٢ – تؤكد أن تحقيق المصالحة والسلام المستدام يتطلب من أي عملية سياسية تهدف إلى حل الأزمة في الجمهورية العربية السورية أن تكفل المساءلة الموثوقة والشاملة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني وانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان المرتكبة في البلد؛
٣ – ترحب بالجهود التي تبذلها الدول للتحقيق والملاحقة القضائية، وفقا لتشريعاتها الوطنية والقانون الدولي، في الجرائم المرتكبة في الجمهورية العربية السورية المشمولة بولايتها القضائية، وتشجع الدول الأخرى على أن تنظر في القيام بنفس الشيء وأن تُطلع الدول الأخرى على ما لديها من معلومات ذات صلة تحقيقا لهذه الغاية؛
٤ – تقرر إنشاء الآلية الدولية المحايدة المستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للمسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في الجمهورية العربية السورية منذ آذار/مارس 2011 برعاية الأمم المتحدة كي تتعاون على نحو وثيق مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية لاستقاء وتجميع وحفظ وتحليل الأدلة على انتهاكات القانون الدولي الإنساني وانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان وإعداد ملفات لتيسير وتسريع السير في إجراءات جنائية نزيهة ومستقلة وفقا لمعايير القانون الدولي في المحاكم الوطنية أو الإقليمية أو الدولية التي قد ينعقد لها مستقبلا الاختصاص بهذه الجرائم وفقا للقانون الدولي؛
٥ – تطلب في هذا الصدد إلى الأمين العام أن يضع، في غضون 20 يوم عمل من تاريخ اتخاذ هذا القرار، اختصاصات الآلية الدولية المحايدة المستقلة مستعينا في ذلك بمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتطلب أيضا إلى الأمين العام أن يتخذ دون إبطاء ما يلزم من خطوات وتدابير وترتيبات للإسراع بإنشاء وتمام تشغيل الآلية الدولية المحايدة المستقلة بتمويل يأتي أولَ الأمر من التبرعات، بالتنسيق مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية وبالاستفادة من القدرات الموجودة، بما يشمل استقدام أو ندب موظفين محايدين ذوي خبرة لديهم المهارات والدراية الفنية المناسبة وفقا لاختصاصات الآلية؛
٦ – تهيب بجميع الدول وجميع أطراف النزاع وكذلك المجتمع المدني التعاونَ الكامل مع الآلية الدولية المحايدة المستقلة ولجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية كي يضطلع كل منهما بولايته على نحو فعال، وتزويدَهما على وجه الخصوص بكل ما قد يكون بحوزتهم من معلومات ووثائق وبأي أشكال أخرى من المساعدة المتصلة بولاية كل منهما؛
٧ – تطلب إلى منظومة الأمم المتحدة ككل التعاون الكامل مع الآلية الدولية المحايدة المستقلة، والاستجابة بسرعة لأي طلب، بما في ذلك إتاحة الوصول إلى جميع المعلومات والوثائق، وتقرر أن تتعاون الآلية على نحو وثيق مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية في كافة جوانب عملها؛
٨ – تطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرا عن تنفيذ هذا القرار في غضون 45 يوما من تاريخ اتخاذه، وتقرر العودة إلى تناول مسألة تمويل الآلية الدولية المحايدة المستقلة في أقرب وقت ممكن.
1- البنية والصلاحيات والاختصاص :
إيجاد هذه الآلية هو سابقة أولى لم يسبق للهيئة العامة للأمم المتحدة أن قامت بها , وإن كان مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان قد سبق أن شكلوا لجان تحقيق لكن هذه الآلية تختلف عن عمل لجان التحقيق كونها أولا صادرة عن أعلى مرجعية دولية ولأن مهمتها لا تقوم على التحقيق فقط وإنما على تحضير الملفات بشكل كامل , مما يسهل على فريق العمل الوصول إلى تحقيق أهداف الآلية و وسائل التعامل معها و اكتشاف اختصاصاتها و دورها ووظيفتها في الملف السوري و المحاكمات التي تدور في فلكها هذه الآلية . و لذلك يمكن القول بأنها عملية قانونية تهدف إلى جمع الأدلة و تعزيزها و محاولة الحفاظ عليها و تحليلها بحيث يمكن أن تعمل هذه الأدلة على تمكين إدانة مرتكبين الجرائم الموثقة و ذلك بالإعداد للملفات و التحضير لقضايا تتعلق بجرائم الحرب في سوريا و انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت أثناء الصراع , و هي آلية تعمل بشكل محايد و مستقل للمساعدة في التحقيق و مقاضاة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في سوريا .
1- عمل الآلية :
لم يكن القرار واضحا ببيان طريقة عمل الآلية وتحديد دورها وقد طالب جميع الدول و أطراف الصراع و جماعات المجتمع المدني بتقديم أي معلومات أو وثائق لفريق العمل و التي من شأنها تسهيل مهمة العمل موضحاَ بأنه سيتعين على فريق العمل إعداد الملفات من أجل تسهيل و تسريع الإجراءات الجنائية النزيهة و المستقلة بما يتفق مع معايير القانون الدولي في المحاكم الوطنية أو الإقليمية أو الدولية أو هيئات التحكيم التي لها أو ربما سيكون لها في المستقبل ولاية قضائية على هذه الجرائم و يبدو واضحا أن عملها سيكون على مستويين هامين و هما:
أ- جمع وحفظ الأدلة على انتهاكات و تجاوزات حقوق الإنسان و تحليلها بهدف الحفاظ عليها من الضياع
ب- تحضير الملفات لتسهيل و تسريع في الإجراءات الجنائية المستقلة و النزيهة بما يتوافق مع معايير القانون الدولي في محاكم وطنية و إقليمية و دولية أو المحاكم التي لديها اختصاص حالي أو مستقبلي للنظر في تلك الجرائم .
ولكن القرار لم يحدد إن كان من مهام اللجنة التحقيق بهذه الجرائم والوصول إلى اتهامات محددة للمجرمين أو فقط جمع الأدلة وحفظها , وأعتقد أن لإضافة مهمة تحليل الأدلة وتحضير الملفات يوجب على اللجنة أن تقوم التحقيق على الأقل بمصداقية الأدلة التي وصلت إليها والتأكد منها والوصول إلى نتائج محددة بشأن المجرمين للتمكن من تحضير الملفات القضائية , وبالتالي يمكن للجنة أن تقوم بتحقيقات إضافية,
2- اختصاصات هذه الآلية :
نص البند الخامس أنه يتعين على الأمين العام أن يضع في غضون 20 يوم عمل من تاريخ اتخاذ هذا القرار اختصاصات الآلية الدولية المحايدة و المستقلة مستعينا في ذلك بمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان و ذلك سحتم البدء بتحضيرات عمل الآلية و تشغيلها بالتنسيق مع لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا و الاستفادة من القدرات الموجودة لديها و الخبرات التي تملكها و اتخاذ الإجراءات التالية:
أ- تأمين التمويل للآلية عن طريق التبرعات و من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة .
ب- تعيين موظفين أكفاء و مستقلين من أصحاب الخبرات و الكفاءات .
ت- تنظيم عمليات جمع البيانات و حفظها و طرق تبادلها بما يضمن السرية و الخصوصية و الثقة و حماية المصادر المتنوعة للمعلومات .
ث- دعوة جميع الدول و أطراف النزاع و المجتمع الدولي الى التعاون الكامل مع الآلية و تزويدها بأي معلومات و وثائق قد تكون في حوزتها بشأن الجرائم المرتكبة في سوريا .
ج- تهيئة الملفات بشكل واضح و مفضل وفق المعايير الدولية بهدف مقاضاة مرتكبي هذه الجرائم .
ح- اعتماد مبدأ الشفافية و الحيادية في العمل و أداء المهام و رفع تقارير الى الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة من أجل ضمان تفاعل مشترك في العمل بين المنظمات و المجتمع المدني و ضحايا الجرائم .
بحكم كون هذه الآلية جديدة و لم يتم العمل بها إلى هذا الوقت و أن التصورات عن البدء في العمل لم يتخذ شكله النهائي سواء من حيث الإعداد أو المباشرة بالعمل به , لذلك فقد تم البدء بالبحث بتشكيل هذه الآلية وكلف الأمين العام المسؤولة في مجلس حقوق الإنسان للبدء بتشكيل الهيكلية الإدارية لعمل الآلية ووضع قواعد عملها وحتى الآن تم عقد اجتماعات ولقاءات من المنظمات والدول المعنية والمنظمات السورية للوصول إلى تشكيل هذه الهيكلية وطرقة العمل ونأمل أن تشكل هذه الدراسة جهدا إضافيا لدعم هذا العمل .
3- الإيجابيات المتوقعة من الآلية الجديدة
– من خلال مبدأ الحيادية و الشفافية و الاستقلالية تجاه أطراف الصراع في سوريا , بحيث لا يكون هناك حجة للكيل بمكيالين , و أن جميع مرتكبي جرائم الحرب في سوريا سيتم استدعائهم للمثول أمام العدالة .
– كما و تعتبر هذه الآلية الحجرة الأولى و الأساسية في بناء تحقيقات جدية وفق معايير دولية صارمة تساهم في دفع عجلة المحاكمات و محاسبة مرتكبي جرائم الحرب .
– إن آلية جمع الأدلة و توثيق جرائم الحرب وفق أصول قانونية مقبولة يشكل الطريقة الوحيدة لحفظ حقوق الضحايا من ناحية و إمكانية محاسبة مجرمي الحرب , و هي واردة جدا في مرحلة عندما تسمح الظروف الدولية بمثل هذه المحاكمات .
– أعاد قرار تشكيل هذه الآلية بعض الأمل لضحايا مجرمي الحرب بأن العدالة قادمة لا محال .
– و لا بد من التنويه بأن أهمية هذه الآلية تكمن في حماية الأدلة من الضياع مع مرور الزمن خاصة و أن معايير التحقق و الإثبات هي معايير صارمة و متشددة لدى محكمة الجنايات الدولية .
– تشكل هذه الآلية سابقة من نوعها فلأول مرة تجمع الأدلة و تجهز الملفات و ما زالت الجرائم مستمرة , في حين أنه جرت العادة ان الملفات القضائية تجمع بعد ارتكاب الجرائم و انتهائها .
– و من الإيجابيات الجيدة هو العمل المشترك تحت رعاية الأمم المتحدة بين لجنة تقصي الحقائق المتعلقة بسوريا و فريق عمل الآلية مع المنظمات الأهلية و المجتمعات المدنية و التعاون بين مختلف هذه المنظمات الدولية وهذا التعاون والتنسيق يوحد جهود هذه المنظمات ويجمع قواعد بياناتها ويخفف من الآثار السيئة لروح التنافس التي سادت بينها بما يشكل قاعدة بيانات موحدة موثوقة لكل الأدلة والتوثيقات السابقة.
–
4- التحديات التي يمكن أن تواجه الآلية الجديدة :
1- التمويل : التحدي الأول الذي يمكن أن يواجه الآلية هو إيجاد التمويل , وهذا أول تحدي واجهته الآلية ومع مرور سبعة أشهر على إنشاء الآلية لم تتمكن من جمع ميزانية السنة الأولى من عملها , وقد قامت مؤخرا منظمات حقوق الإنسان المهتمة والمنظمات السورية بحملة لجمع الأموال لتمويل عمل الآلية لأن تمويل الوصول للعدالة يجب أن يكون من أولى مهمات العالم بالوضع السوري , كما أن اعتماد الآلية على التمويل الحكومي فقط يمكن أن يجعل عملها رهينة المواقف السياسية لذلك من الأفضل لاستمرار عملها أن يكون التمويل يعتمد على مصادر مفتوحة أخرى حتى لا يبقى عملها تحت ضغط الدول .
2- المهمات والصلاحية:
يرى البعض بأن قرار تشكيل الآلية هو قرار غير عملي و مجرد جبر خواطر لاقيمة له .لأن عمل لجان التحقيق السابقة التي تم تشكيلها من قبل مجلس حقوق الإنسان أو مجلس الأمن ما زال عالقا دون أن يتمكن من التأثير على الوضع لا من حيث وقف الانتهاكات ولا من حيث الوصول للقضاء لمحاسبة المرتكبين ,
و يمكن القول بأن هذا القرار لم يطبق بعد و لم تعمل هذه الآلية على أرض الواقع لنعرف مدى نجاحها أو فشلها و سواء تمكنت لاحقا من التصدي لجميع الظروف السياسية التي راهنت على فشل إقامة المحاكم الدولية و إدانة مجرمي الحرب و محاسبتهم , إلا أنها ستوفر تحضير الملفات بما يتوافق مع المعايير و تجهيزها وفقا للأصول القانونية الدولية , بحيث تكون جاهزة للفصل فيها بدلا من المراوحة سنين طويلة في رد و صد بين الأطراف المتخاصمة أمام المحاكم و التوصل لقرارات حاسمة و سريعة فيما يخص معاقبة المجرمين , و إننا نرى بهذه الخطوة و كما ذكرت سابقا بأنها سابقة من نوعها تهئ للدعاوى التي ستقام لاحقا بيئة أكثر عدالة و شفافية .
3- الهدف والتعاون مع المنظمات الدولية :
يرى البعض عدم وضوح الهدف متسائلا ما الغاية أو الهدف المقصود من وجود آلية جديدة لجمع الملفات و المعلومات و الوثائق عن الجرائم المرتكبة في سوريا طالما هناك لجنة التحقيق الدولية المستقلة و التي تشكلت عام 2012 و في حوزتها الكثير من الأدلة ,كما لجنة التحقيق باستعمال الأسلحة الكيماوية و لم يتم تحويلها إلى محكمة دولية لمحاكمة المجرمين و أن تشكيل لجنة عن طريق الأمم المتحدة لن يضيف شيئا ولم يحدد اختصاص لمحكمة أو ينشأ محكمة أو آلية كاملة لتحقيق العدالة , و بأن لجنة تقصي الحقائق قد قدمت تقارير فعليا لانتهاكات و جرائم في سوريا و ملفات بتقنيات دولية عالمية المستوى و تهيئة ظروف الدعاوي و تمكينها من الاستمرار في عملها . لم تتمكن من عرضها على أي جهة قضائية لعدم وجود المحاكم ذات الاختصاص بالملف السوري حتى الآن
لتجاوز هذا التحدي و حسب البند الرابع من القرار أنه أنشأ الآلية برعاية الأمم المتحدة ليتم التعاون مع لجنة التحقيق الدولية و ليس لإلغاء عملها و ليست كلجنة مستقلة في عملها عن الآلية الجديدة و من الواضح و المهم أيضا أن هذا القرار جاء ليؤكد ضرورة التعاون مع لجان التحقيق التي سبق و عملت على الملف السوري , فهذا التعاون سيساعد على البدء من حيث وصلت الجهود المبذولة من لجنة التحقيق و تأتي أهمية هذا التعاون بين لجان التحقيق و فريق عمل الآلية يبدو واضحا في نقطتين هامتين :
1-أن العمل سيبدأ في مراحل مهمة وصلت إليها القضية السورية عن طريق لجان التحقيق و ليس عملا يبدأ من الصفر .
2-وجود ملفات جاهزة و وثائق و أدلة تسهل عملية الآلية في بناء ملفاتها الجديدة وفق المعايير المطلوبة دوليا و أرشفتها بما يساعد في انجازها بسهولة و سرعة أكبر .
ويكمن التحدي كذلك بكيفية التعاون مع المنظمات والهيئات الدولية التي سبق أن عملت بهذا المضمار والبناء على عملها والمشاركة معها .
4- مواقف الدول :
يعتقد البعض أيضأ بأن هذه الآلية تمس من سيادة الدولة السورية و تشكل خللا بين النهج و التطبيق فيما يتعلق باحترام ميثاق الأمم المتحدة و سيادة الدول الأعضاء و بأنها تدخل سافر في الشؤون الداخلية لدولة عضو بالأمم المتحدة كما قال الجعفري مندوب سوريا في الأمم المتحدة
و يمكن الرد على هذا الإتجاه أولا بأن القوانين السورية لا تتضمن أساسا مواد تختص بالجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب , كما أن بنية القضاء السوري نفسها غير المستقلة والتابعة لا يمكنها أبدا أن تقوم بهذا الدور بالإضافة أن الإعتداء على سيادة الدولة السورية بات واضحا من تدخل جميع الدول المتواجدة على الأراضي السورية و أن التدخل في شؤونها الداخلية من باب أولى أن يكون عن طريق التوثيق في جرائم الحرب بدلا من الالتفاف على القوانين الدولية لمنع محاسبة المجرمين و أن هذا التوثيق هو الذي يحمي سيادة الدولة المنتهكة لمعرفة القائمين على المساس بسيادتها بشكل واقعي و فعلي , و أن عمل هذه الآلية سيكون على الحياد بما يضمن سيادة سوريا كدولة بغض النظر عن مرتكب جرائم هذه الحرب .
5- التعاون مع منظمات حقوق الإنسان السورية
يثير منظمات حقوق الإنسان السورية نقطة حساسة بعض الشئ بالتساؤل ان لجنة التحقيق الدولية التي تشكلت منذ خمس سنوات وتعاونت معها المنظمات السوري للحد الأقصى وقدمت لها كل ما تملكه من توثيق و لديها التقارير حول الجرائم المرتكبة في سوريا و ملفات جاهزة برمتها من حيث الأدلة و الإثبات , و لم يتواجد ظرف ملائم لوجود محكمة قادرة على النظر في الملف السوري و إمكانية صدور قرارات قد تدين أو تتهم أو تواجه مرتكبي جرائم الحرب على الأقل , فهل ستكون الآلية الجدية مصدر ثقة و تعاون بين القائمين عليها و لجان التحقيق و المنظمات السورية التي ترصد انتهاكات حقوق الانسان و توثق خلال فترة الصراع و تحت جميع أشكال الضغوط و المخاطر التي تعرض أفراد هذه المنظمات .
يمكن القول بأن إثارة الشك حول الثقة لا يعني انتفائها و انما قد تتحول هذه الثغرة الى ايجابية من خلال ايجاد حلول لدعم الثقة بينهم و نقترح من أجل دعم موضوع الثقة بين الأطراف المتعاونة في مجال عمل الآلية ،أن تكون المنظمات السورية مشاركة بهذه الآلية بشكل مباشر حيث أن عمل هذه الآلية يعتمد أساسا على جمع الأدلة وليس التحقيق مما ينفي الإدعاء بأن وجود السوريين ينفي الحيادية أو على الأقل وجود لجنة استشارية من المنظمات السورية للعمل مع فريق عمل الآلية بحيث تكون مهمتهم المحافظة على السرية لعمل اللجان و في الوقت نفسه دعم ثقة المنظمات السورية بعدم تجاهلهم و عدم معرفتهم لمصير هذه الوثائق و الأدلة و المسار العام الذي تسير به الآلية في أداء مهامها . و ن اللجنة التي ستشكل للقيام بعمل الآلية ستدعم من عمل لجنة الحقائق و تكثف من جهود المنظمات التي عملت في التوثيق لأن الغاية واضحة و جلية في استثمار الزمن الذي يسبق سير الدعاوي للوصول لأحكام عادلة تضمن تعويض الضحايا و محاسبة المجرمين .
6- النتائج
يرى البعض بأن ولاية اللجنة تقتصر على جمع الأدلة و توثيق الجرائم و ليس بإمكانها إقامة محاكم دولية أو اقليمية أو محاية لمحاسبة مجرمي الحرب .
و للرد على هذه السلبية يمكننا العودة لما قلت سابقا بأن هذه الآلية هي جديدة و سابقة من نوعها و أن الفريق الخاص الذي سيقوم على إعداد الملفات من اجل تسهيل و تسريع الإجراءات الجنائية النزيهة و المستقلة بما يتفق مع معايير القانون الدولي في المحاكم الوطنية أو الإقليمية أو الدولية أو هيئات التحكيم التي ربما يكون لها في المستقبل ولاية قضائية على هذه الجرائم , , انه قد تكون هذه الآلية هي الحجرة الأساس لذلك المشروع في المستقبل , و قد يتمكن فريق هذه اللآلية من مطالبة هيئة الأمم المتحدة بانشاء محاكم دولية خاصة تحاسب مجرمي الحرب في سوريا لاحقا طالما أن الصراع في سوريا ما زال جاريا بين أطراف النظام و أطراف المعارضة .
5- ختاما
ما هو الجديد في الآلية و ما هي الرسالة القانونية و الانسانية التي قد تخدم المجتمع الانساني عموما و القضية السورية خصوصا , من خلال هذه الدراسة يبدو أن هناك تطور في عمل الأمم المتحدة لفتح منافذ جديدة لتحقيق العدالة , , ان رسالة الأمل الى الضحايا بتحقيق العدالة و أن الادانات لن تبقى رهينة المصالح السياسية للدول , و أن هذه الآلية تشكل سابقة و من الممكن و ان عمل هذه السابقة بما تظهره من جدية و جرأة في مواجهة مرتكبي جرائم الحرب قد يؤثر في تطور القانون الدولي , لأن القوانين تتطور بتطور السوابق المعتبرة , و تؤثر في عمل المجتمع الدولي لإيجاد سبل و أدوات مختلفة عن الأدوات المتعارف عليها و المتاحة و المشكلة سابقا و التي تعذر استعمالها بسبب التعقيدات السياسية .
لذلك يمكن القول أن إنشاء الآلية يشكل فتحا جديدا في مسار العدالة ليس في سوريا فقط وإنما على صعيد القوانين الدولية ونأمل أن يشكل رسالة واضحة لمنع جرائم في أمكنة أخرى بما يحفظ حياة الناس بالعالم من المجرمين , ويشكل معلما واضحا أن سياسة الإفلات من العقاب السائدة قد أن أوان انهائها.
المحامية ريم الكسيري